سيكلوجية الإيمان والكفر7
الحـــب أســاس الإيمــان
• من يستعرض القرآن الكريم يجد الحب هو الأساس الذي يقوم عليه الإيمان وليس الاقتناع العقلي، وهذا يؤكد حرية الإنسان حتى عقلياً في أن يؤمن أو يكفر، فهو إن أحب الله أقر بوجوده وآمن بكتبه ورسله، أما إن استحب غيره أي جعل غيره أحب إليه من الله، أطاعه عقله وصور له أنه على حق، فالله غير موجود أو من يدعي الرسالة كاذب.
• قال تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)" البقرة.
• وقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)" المائدة.
• وقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)" التوبة.
• وقال: "وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)" الحجرات.
• وفي سورة إبراهيم يقول ربنا: "اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ (3)" إبراهيم.
• وقال في سورة النحل: "مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ، وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)" ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) النحل.
• وقال في سورة فصلت: "وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (107)" فصلت.
• وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَبِّر عن الإيمان بالحب عندما شهد لأحد صحابته، فقد روى البخاري في صحيحه أن رجلاً على عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كان اسمُه عبدَ اللهِ، وكانَ يُلَقَّبُ حِمَاراً، وكان يُضحِكُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قدْ جلَدَه في الشَّرابِ، فأُتيَ بهِ يومًا فأمَرَ بِهِ فجُلِدَ، فقال رجلٌ مِنَ القَومِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ، ما أكثَرَ ما يُؤتَى بهِ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تَلْعَنُوه، فواللهِ ما عَلِمْتُ إلَّا أنه يُحِبُّ اللهَ ورسولَه".
تأليــف القلـــوب والإيمــان
• إذن الحب هو الدافع الأول للإيمان، الحب لله والحب للمؤمنين والحب للآخرة الباقية أكثر من الدنيا الزائلة. وهنا ندرك الحكمة من تخصيص جزء من الزكاة لتأليف قلوب غير المؤمنين، أي لكسب حبهم للمؤمنين، فيدفعهم هذا الحب إلى أن يروا الحق الذي في الإسلام، ويدفعهم إلى الرغبة في الانتماء إلى جماعة المؤمنين والانضمام إليها، وليس المال الذي يعطى لهؤلاء ثمناً لإيمانهم، فالله لا يريد منافقين مرتزقة، بل الهدف هو تأليف قلوبهم أي كسب محبتهم لنا، ونحن نعلم أن العطاء دون مقابل يستثير الامتنان والحب في القلوب السوية الكريمة لا القلوب الفاسدة اللئيمة، وهذا هو الهدف عادة من التهادي بين الناس، يقول الشاعر: أحسـن إلى النـاس تستعبـد قلــوبهم فـطالمـا استعبـد الإنســانَ إحســانُ
• فالحب يولد في القلوب بفعل شيئين، أولهما الإعجاب وثانيهما الامتنان، والمؤمنون الذين يعيشون حياة اجتماعية وأخلاقية تستثير إعجاب الآخرين بهم، فإذا أحسنوا لهذا الآخر بإهدائه من مال الزكاة، ولم يطالبوه بشيء مقابله، فإن دوافع الحب تكون قوية لدى هذا الذي يتألفون قلبه، وهذا في الغالب يقود إلى إيمانه إيماناً صادقاً، ويكون بذلك إنقاذ له من النار. ولا يقتصر تأليف قلوب غير المسلمين على حال ضعف المسلمين وحاجتهم لكسب ود الآخرين، إنما تأليف القلوب يعطي أفضل النتائج عندما يكون المسلمون أقوياء ومستغنين عن غيرهم، وهذا يعني أن تأليف القلوب يبقى من مصارف الزكاة إلى يوم القيامة.
• كل ما سبق يرينا أن الطريق إلى هداية الناس وإدخالهم في الإسلام يمر من قلوبهم دون أن يكون خالياً من المنطق العقلي، وإنما تبدأ الدعوة الناجحة إلى الله بتأليف قلوب المقصرين في دينهم أو غير المسلمين، تأليفاً ليس بالضرورة بالمال، بل بالاحترام والحب وحسن الخلق والإكرام وعدم التمييز ضدهم على أساس الدين، ولا بأس مع ذلك من تقديم الهدايا لهم وقبولها منهم ضمن إمكاناتنا المالية دون أن يشكل ذلك عبئاً علينا أو عليهم.
• والذي يجعل قلوبهم مفتوحة لدعوتنا، إدراكُهم أننا ندعوهم إلى الله حباً بهم وحرصاً عليهم، وليس لكسب لنا شخصي أو سياسي أو غير ذلك، وإذا ما شعروا أنهم إن آمنوا فسيحتلون المكانة التي يستحقونها بخصالهم التي يتميزون بها، وسيحظون بالتقدير الذي هم جديرون به، مما يقوي عندهم الدافع للانضمام إلى أمة الإسلام، وكل هذا يكون في أعلى درجاته عندما تكون أمة الإسلام عزيزة ومتقدمة.
• ليس الإيمان والكفر مسألة قناعة عقلية، بل هما نتاج دوافع نفسية بحتة، وربنا يبين لنا كيف أنه قادر على أن يهدي الناس جميعاً دون إكراه لو شاء، وكيف أن الناس جميعهم قابلون للكفر إن كانت الفتنة في أشد درجاتها، وذلك حين يقول:
• "وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)" الزخرف.
• أي: لو أعطى الله للكافرين في الدنيا كل ما يمكن أن نتخيله من النعيم والزخرف والرفاهية لأدى ذلك لأن يكون الناس أمة واحدة كلها كافرة، حيث سيحرص البشر كلهم على الحصول على هذه النعم والمتع، فتتغلب الدوافع إلى الكفر على الدوافع إلى الإيمان في نفوسهم، فتزيغ قلوبهم عن الحق، وينساقون مع الهوى فيضلون جميعهم.
• يقول الله تعالى إن النفوس مفطورة على حب الشهوات والافتتان بها: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)" آل عمران.
• وبالطريقة نفسها يمكن أن يهدي الله الناس جميعاً، لكنه يريد منا الإيمان الذي يكون بمحض حريتنا، حيث تبقى الدواعي إلى الإيمان والدواعي إلى الكفر متساوية، كي يظهر موقفنا الحقيقي من ربنا، هل نشكر أم نكفر دون إغراء لا يقاوم لا بالإيمان ولا بالكفر، لا بفتنتهم بالعطاء غير المحدود لكل من يكفر، ولا ترهيبهم بالعذاب يرونه واقعاً عليهم ما لم يؤمنوا، وعندها لا يكون إيمانهم بالغيب، إذ يصبح عسيراً على عقولهم أن تخدع نفسها وتشرح صدورهم بالكفر، وهذا كان حال فرعون الذي آمن وهو يغرق فلم ينفعه إيمانه بعد أن فات الأوان، وكذلك كل الأمم التي عذبها الله في الدنيا بسبب فسوقها وكفرها، إلا أمة واحدة هي أمة يونس التي آمنت بعد أن رأت العذاب فكشفه الله عنها.
• يقول تعالى: "فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98) وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (99)" يونس.
ويتبع>>>>>>: سيكلوجية الإيمان والكفر9
واقرأ أيضا:
القرآن يتحدى / توصيات مؤتمر العلاج بالقرآن بين الدين والطب