قتل الأطفال، فعل الآباء الذي يتسبب عمداً في وفاة أطفالهم، هو ظاهرة مقلقة ومأساوية للغاية. من وجهة نظر الطب النفسي الشرعي، فإن فهم الدوافع والعوامل النفسية وتقييم المخاطر المرتبطة بقتل الأطفال أمر بالغ الأهمية للوقاية والإجراءات القانونية وتوفير تدخلات الصحة العقلية المناسبة. تتعمق هذه المقالة في الطبيعة المعقدة لقتل الأطفال من منظور الطب النفسي الشرعي، وتستكشف مسبباته وأنماطه ودور أخصائي الصحة العقلية في معالجة هذه الجريمة البشعة.
قتل الأطفال في الصحافة
هناك الكثير من حوادث قتل الأطفال في مصر ومن أمثلة تلك الجرائم ما أثير في الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي المصرية عن موجة واسعة من الجدل في مصر أثارها حادث مأساوي قتلت فيه أم أطفالها الثلاثة ثم حاولت الانتحار في محافظة الدقهلية، في دلتا النيل. بدأت القصة حين كشفت تحقيقات الشرطة المصرية أن أهالي قرية "ميت تمامة" التابعة لمركز منية النصر في محافظة الدقهلية المصرية، عثروا على سيدة مصابة إصابات بالغة ملقاة على الطريق، كما عثروا على أطفالها الثلاثة مذبوحين داخل المنزل. كشفت التقارير أن السيدة تدعى حنان وهي خريجة جامعية، متزوجة من شخص يعمل بالسعودية. وقد حاولت الانتحار بإلقاء نفسها أمام جرار زراعي. في الوقت نفسه كشفت التحقيقات أن السيدة المنتحرة هي صاحبة الرسالة التي وجدتها الشرطة بجوار جثث الأبناء الثلاثة مذبوحين داخل المنزل. حيث ذبحت الأم الأطفال الثلاثة ثم حاولت إنهاء حياتها، وهي مصابة بجروح قطعية في مناطق متفرقة بجسدها. في غضون ذلك، أصدرت النيابة العامة المصرية بيانا قالت فيه إنها أطلقت تحقيقا في واقعة قتل سيدة أطفالها الثلاثة، وشروعها في الانتحار عقب ارتكابها الواقعة. وزاد الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن نشر رسالة الأم الأخيرة لزوجها المغترب والتي قالت فيها إنها أرادت أن تدخل أولادها الجنة، وتريحهم من متاعب الدنيا، حيث انهالت الانتقادات على الأم ووصفها مغردون بالقاتلة مطالبين بتوقيع أقصى درجات العقوبة عليها. على الجهة الأخرى تعاطف معها آخرون ودعوا إلى تفهم التأثير السلبي الكبير الذي قد ينتج عن مرض الاكتئاب الحاد والذي قد يفضي إلى القتل النفس وقتل الآخرين أحيانا، إذا ثبت أنها مريضة بالفعل.
وما أثير أيضا عما انتهت إليه تحقيقات النيابة العامة في مصر عن تفاصيل ارتكاب هناء محمد حسن جريمة قتل طفلها البالغ من العمر 5 سنوات، في "فاقوس" بمحافظة الشرقية عمدا مع سبق الإصرار، وذلك خوفا من أن يبعده عنها مطلقها. وأمر النائب العام بإحالة قاتلة ولدها بفاقوس إلى محكمة الجنايات، بعد ثبوت خلوها من أي اضطراب نفسي أو عقلي، واجتماعِ الأدلة على ارتكابها الواقعة. وأضاف البيان أن المتهمة "أعدت لقتل الطفل عصا فأس، وغلَّقت نوافذ المنزل، وانفردت به مستغلة اطمئنانه إليها، فغافلته وانهالت على رأسه بضربات ثلاث تسببت بمقتله". "لإخفاء آثار جريمتها قطعت جثمان الطفل لأشلاء لإخفائه، ولكن ألقي القبض عليها قبل أن تدفنها". وأشارت النيابة إلى أنها "لم تعتمد في إقامة الدليل على إقراراتها بارتكاب الجريمة فقط، بل استوثقت من صحة تلك الإقرارات، وصحة إسناد الاتهام إليها من شهادة 16 شاهدا، وما تبينته خلال معاينة مسرح الجريمة، وما عثرت عليه فيه من بقايا جثمان القتيل وأدوات الجريمة وآثارها، وما ثبت بتقارير مصلحة الطب الشرعي التي أكدت نسبة الأشلاء إلى القاتلة وراثيا، ونسبة الدماء التي عثر عليها على ملابسها للقتيل، كما أثبتت جواز حدوث الواقعة على نحو ما اعترفت به المتهمة، وباستخدام الأدوات التي ضبطت". كذلك لفت البيان إلى أن "التقارير أثبتت عدم تعاطيها أي مواد مخدرة، وخلو الأدوية المضبوطة بمسكنها مما يؤثر على الصحة النفسية أو العصبية". وأوضح أنه "كان ما قطع بسلامة المتهمة عقليا ونفسيا وبمسؤوليتها عن ارتكاب الجريمة ما ثبت بالتقرير الصادر عن إدارة الطب النفسي الشرعي للمجلس الإقليمي للصحة النفسية من أنها لا تعاني لا في وقت الفحص، ولا وقت ارتكاب الجريمة من أي اضطراب نفسي أو عقلي يفقدها أو ينقصها الإدراك والاختيار، ومعرفة الخطأ من الصواب، والتمييز والحكم السليم على الأمور، مما يجعلها مسؤولة مسؤولية كاملة عن الجريمة التي ارتكبتها".
وهناك الكثير من تلك الجرائم وأخرها حادثة حيث تباشر نيابة "السنبلاوين" بمحافظة الدقهلية، التحقيق مع ربة منزل تخلصت من نجلها في "قرية كفر الروك" التابعة لمركز السنبلاوين، البالغ من العمر 4 أعوام خنقًا باستخدام إيشارب حريمي ووسادة، وذلك انتقاما من أهل زوجها بعد ادعائها تحريضهم له وإشاعة سوء سلوكها. ووجهت النيابة تهمة القتل العمد للأم، والتي أقرت واعترفت بارتكاب واقعة التخلص من نجلها باستخدام "إيشارب حريمي" ووضع وسادة على وجهه حتى فارق الحياة. وأرسلت النيابة تلك الأم الى وحدة الطب النفسي الشرعي بقسم الأمراض النفسية بكلية الطب جامعة المنصورة وتبين لأعضاء اللجنة أنها تعاني من أعراض ذهانية فقررت إرسالها للجنة العليا بمستشفى العباسية لاستكمال الفحص الطبي والنفسي لها لتحديد مدى قدرتها العقلية لفعل مثل هذه الجريمة الشنيعة وهذا ما استثارني لكتابة هذا المقال. وكان من أهداف هذه المقالة السعي إلى تثقيف مقدمي خدمات الصحة العقلية حول مفهوم قتل الأطفال من خلال تقديم نظرة عامة واسعة على الموضوع، بما في ذلك مناقشة تاريخه وتعريفاته وتصنيفاته ونتائجه والبحوث المحيطة به. نأمل أن تؤدي هذه المعرفة إلى زيادة استكشاف الأطباء لأفكار المرضى حول إيذاء أطفالهم، مما قد يؤدي في النهاية إلى منع هذه الجرائم التي لا معنى لها.
تاريخ قتل الأطفال
قتل الأطفال موجود منذ فجر البشرية. في العصور الإغريقية الرومانية القديمة، سُمح للأب بقتل طفله دون تداعيات قانونية. على الرغم من الارتفاع اللاحق المسيحية واحترامها الأكبر للحياة، ثم جاء في الإسلام حيث اعتبر قتل الأطفال محظور صراحة في القرآن. فقوله تعالى: "وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ" [الأنعام:151]، وقوله تعالى: "وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ" [الإسراء: 31]. ولكن استمرت عمليات قتل الأطفال، وغالبًا ما ترتكبها الأم، التي ربما ادعت أن الطفل اختنق عن طريق الخطأ في السرير. تشمل أسباب الرغبة في إنهاء حياة الطفل، ولا سيما المولود الجديد، الإعاقة أو الجنس أو نقص الموارد لرعاية الطفل أو عدم الشرعية. لا تزال هذه الأسباب صحيحة حتى اليوم. ومع ذلك، بدون أنظمتنا الحالية للتوثيق، بما في ذلك سجلات المواليد والوفيات، كان من الأسهل بكثير النجاح في إكمال فعل قتل الأطفال في أوقات سابقة دون علم السلطات، التي ربما تكون قد قلبت الخد الآخر بغض النظر عن القوانين من أجل تحقيق توازن بين النمو السكاني والموارد المتاحة في المناطق الفقيرة. في القرنين السادس عشر والسابع عشر، حدث تغيير جذري في الرأي حول قتل الأطفال في أوروبا. وضعت فرنسا ثم إنجلترا قوانين تجعل قتل الإناث جريمة يعاقب عليها بالإعدام. كما افترض كلا البلدين أن الأم التي كانت تحاكم على الجريمة كانت مذنبة حتى ثبتت براءتها، مما يعني أنها كانت مسؤولة عن إثبات للمحكمة أن طفلها لم يكن ضحية للقتل.
تغير المد مرة أخرى مع إنشاء قوانين قتل الأطفال لعام 1922 و1938 في إنجلترا. اعترفت هذه القوانين بالتأثير الذي يمكن أن تحدثه الولادة ورعاية الرضيع على الصحة العقلية للأم لمدة تصل إلى 12 شهرًا بعد الحدث. وحظرت هذه القوانين من عقوبة الإعدام كعقوبة على قتل الأمهات، مما جعل العقوبة مماثلة لعقوبة القتل غير العمد. وقد اعتمدت عدة دول غربية أخرى قوانين مماثلة، باستثناء الولايات المتحدة. القتل الإجرامي له وجود في الأدب من جميع العصور. ولعل الأكثر شهرة هي الأقدم أيضًا، وهذه هي قصة المديا، وهي امرأة قتلت أطفالها لمعاقبة زوجها على علاقته. تقول له: "أبناؤك ماتوا وذهبوا. هذا سيطعن قلبك". حتى القصص الخيالية المخصصة للأطفال، مثل سنو وايت وهانسل وغريتل، هي بطبيعتها مميتة، تحكي عن الآباء الشر (الخطوة) الذين يلقون الأطفال في العالم على أمل القضاء عليهم.
ويتبع>>>>>: قتل الأطفال من منظور الطب النفسي الشرعي2
واقرأ أيضًا:
فتاة البامبمبرز .... Pampers Girl / الجديد في مرض ألزهايمر