يتميز اضطراب الثناقطبي بنوبات هوس واكتئاب يتخللها مزاج طبيعي Euthymia. تتميز البيولوجيا العصبية لهذا الاضطراب بتعقيدها وتضم العديد من المسارات الدماغية، ولكن رغم العدد الهائل من البحوث العلمية لا يزال التشخيص يعتمد كلياً على دراسة وتقييم الأعراض ولا توجد إلى الآن علامات بيولوجية لتشخيصه.
جينات الثناقطبي
تم تسليط الضوء على العوامل الوراثية1 منذ فترة طويلة من خلال دراسات الأسرة والتوائم التي استنتجت بأن معدلات التوافق Concordance Rate تقارب 10% في الأقارب من الدرجة الأولى وتتراوح ما بين 40% إلى 70% في التوائم أحادية الزيجوت. مهدت هذه النتائج إلى بحوث دراسات الارتباط Linkage Studies ولكن هذه البحوث لم تعثر على مواقع ذات تأثير كبير. بعد ذلك جاء دور دراسة الارتباط على مستوى الجينوم وتم العثور على تغيرات في جينات CACNA1, NCAN, TRANK1, ANK3,ODZ4 مرتبطة بقابلية الإصابة باضطراب الثناقطبي ومنتشرة في عدة مواضع في الجينوم. لكن الأبحاث الجينية هذه الأيام تركز على تسلسل الجينوم الكامل بالإضافة إلى التعديلات اللاجينية على الحمض النووي بسبب عوامل بيئية.
الانتقال العصبي الكيمائي
رغم العدد الهائل من الدراسات في دور النظم العصبية الكيمائية2 المختلفة في الثناقطبي لا تزال الأدلة غير كافية للوصول إلى استنتاجات قاطعة. القاعدة العامة هي أن نوبة الاكتئاب يصاحبها انخفاض نشاط سيروتونين Serotonin ونوبة الهوس يصاحبها زيادة نشاط نورادرينالين. كذلك يحدث زيادة مستقبلات دوبامين D2 & D3 في مرحلة الهوس وارتفاع نشاط ناقل دوبامين Dopamine Transporter في مرحلة الهدأة والاكتئاب. هناك أيضاً اختلال في التوازن ما بين نظام كاتيكولامين Catecholamine ونظام كولين Cholinergic حيث إن هناك زيادة في نشاط الأول وانخفاض في نشاط الثاني في نوبة الهوس والعكس صحيح مع نوبة الاكتئاب.
أما نظم نقل الإشارات3 Signal Transduction System فقد اثارت اهتمام البحوث العلمية من خلال قدرة ليثيوم على تثبيط بروتين كيناز Protein Kinase Cو لكن البحوث الجديدة لم تكشف عن نتائج حاسمة في هذا الأمر، ولكن هناك انخفاض مستويات فوسفوانيستول Phsphoinositol انيستول Inositol وفوسفوتايدل انيستولPhosphatidylinositol 4, 5. كذلك هناك دراسات حول دور شلال ادينل سابكليز Adenyl Cyclase Cascade لم تحسم آلية نقل الإشارات في الثناقطبي على مستوى الخلية.
التصوير العصبي
هناك بحوث متعددة في هذا المجال4 كشفت عن وجود انخفاض في المادة الرمادية في الجزيرة اليمنى، القشرة الحزامية الأمامية اليسرى، القشرة الجبهية السفلى، الحصين في الجانبين، المهاد، تغيرات في النوى القاعدية وكذلك انخفاض حجم المادة البيضاء. هذه التغيرات لا تعتمد على العمر أو الجنس أو عمر بداية المرض، ولكن على طول مدة المرض، العلاج، والحالة الوجدانية.
العلامات البيولوجية المحيطية
مع الهوس هناك ارتفاع في مستويات كورتيزول وعلامات التهابية Inflammatory Markers متعددة. يصاحب نوبة الهوس و الاكتئاب ارتفاع في مستويات عامل نخر الورم Tumour Necrosis Factor TNF . هناك انخفاض في عامل موجه للعصب مشتق من الدماغ Brain Derived Neurotropic Factor وتضرر في الحمض النووي في الاكتئاب والهوس على حد سواء5.
ملاحظات سريرية
الثناقطبي هو اضطراب وجداني يتميز بميزة واحدة فقط وهو تاريخ نوبة هوس Mania أو نوبة هوس طفيفة Hypomania سواءً كانت واحدة أو أكثر. في الستينيات ظهر مصطلح اضطراب وجداني أحادي القطب (اكتئاب فقط) وثنائي القطب (هوس أو هوس مع اكتئاب). منذ ذلك اليوم وإلى الآن لا يزال مصطلح القطب يستعمل لوصف المسار الطولاني للاضطرابات الوجدانية. احتمال أن يتحول مسار الأحادي القطب إلى ثناقطبي هو ٢٪ واحتمال أن يتحول الثناقطبي إلى أحادي قطب هو ٢٥٪6.
النظريات النفسانية7 حول الثناقطبي أقل بكثير من الاكتئاب، والسبب في ذلك بأن نوبات الهوس لا يتم علاجها إطلاقا بالعلاج النفسي مهما كانت طفيفة، ولا يوجد سوى العقاقير. رغم ذلك فإن هناك نماذج نفسانية تلقي الضوء على طريق المريض للوصول إلى نوبة هوس واضطراب الثناقطبي.
فقدان الأم قبل عمر خمسة أعوام والتعرض إلى صدمات نفسية أكثر ملاحظة في المصاب بالثناقطبي من غيره. مشاعر الاضطهاد والخوف من العنف تلاحق الإنسان في مراحل الطفولة والمراهقة ولا يقوى البعض على التعامل معها. هذه المشاعر تصل الذروة في مراحل حرجة مع دخول الإنسان النصف الثاني من أعوام المراهقة حيث تتضاعف التحديات التي تتطلب طاقة نفسية لمواجهتها. تقول بعض النظريات بأن الإنسان يلتجأ إلى دفاع هوسي Manic Defence ينقله من حالة وجدانية طبيعية ضعيفة إلى موقع هوسي جديد. ذلك ما يفسر أحيانا مقاومة المريض للاستمرار في العلاج والوقاية من نوبات المستقبل. هناك أيضاً من يضيف عامل ملاحظة التاريخ العائلي للمرض لرفض المريض العلاج.
هناك إطارات عدة للهوس منها الهوس الذهاني، الهوس الحاد، الهوس الطفيف أو الخفيف وبدون أعراض ذهانية. يتم استعمال مصطلح الثناقطبي الثاني Bipolar II لوصف حالات تاريخ نوبة هوس طفيف (لا تقل مدتها عن أربعة أيام) مع تاريخ نوية اكتئاب جسيم. هناك حالات وجدانية مختلطة حيث ترى الهوس والاكتئاب في آن واحد، يتحول الثناقطبي أحيانا إلى اضطراب سريع الدوران Rapid Cycling حيث تتكرر النوبات (هوس أو اكتئاب) أربع مرات على الأقل في عام واحد، وذلك أكثر ملاحظة في الإناث ويصاحبه أحيانا ضمور الغدة الدرقية. مصطلح دوروية المزاج Cyclothymia يشير إلى عدم توازن المزاج بصورة مستمرة مع نوبات اكتئابيه وهوسية طفيفة.
يبدأ المرض في نهاية أعوام المراهقة أو بداية العقد الثالث من العمر. الظاهرة الكثيرة الملاحظة هو تاريخ اكتئاب لعدة سنوات قبل نوبة الهوس. معدل طول نوبة الهوس بدون علاج هي ستة أشهر، وتتميز دوما بانعدام البصيرة وبالتالي فان الإنسان يدمر نفسه ومهنته وعلاقاته الاجتماعية إذا لم يتم علاجه. ما لا يقل عن ٩٠٪ من المرضى يعاني من نوبة أخرى في المستقبل ومعدل عدد نوبات الهوس على مدى ٢٠ عاما هو عشرة والفترة ما بين نوبة وأخرى تنخفض تدريجاً.
ظهور الهوس لأول مرة بعد عمر الأربعين عام يتطلب البحث عن أسباب عضوية والإدمان على الكحول وخاصة إذا كانت النوبات غير مثالية العلامات والأعراض وغياب تاريخ عائلي للمرض.
الثناقطبي لا يؤثر على المريض نفسيا فحسب والدراسات عموما تشير إلى أن الانتحار ينهي حياة 8% من الذكور و5% من الإناث خلال ٤٠ عاماً. الانتحار ليس هو السبب الوحيد، ولكن عمر الرجل الذي يعاني منه 13 عاما أقل من أقرانه والمرأة 8 أعوام أقل من أقرانها بسبب الانتحار وأمراض القلب كذلك. لذلك لابد من علاج الاضطراب بعناية.
مصادر:
1- Kerner B. Genetics of bipolar disorder. Appl Clin Genet 2014; 7: 33-42.
2- .Lee J, Woo Y, Park S et al. Neuromolecular etiology of bipolar disorder: possible therapeutic targets of mood stabilizers. Clinical Psychopharmacology and Neuroscience 2022; 20(2): 228-239.
3- Gawryluk J & Young L. Signal transduction pathways in the pathophysiology of bipolar disorder. Curr Top Behav Neurosci 2011: 5: 139-165.
4- Schumer M, Chase H, Rosovsky R et al. Prefrontal, parietal, and limbic condition-dependent differences in bipolar disorder: a large-scale meta-analysis of functional neuroimaging studies. Molecular Psychiatry 2023; 28: 2826-2838.
5- Sagar R & Pattanayak R. Potential biomarkers for bipolar disorder: Where do we stand? Indian J Med Res 2017; 14591): 7-16.
6- Saunders K & Goodwin G. The course of bipolar disorder. Advances in Psychiatric Treatment 2010; 16;318-328.
7- K. Sue O'Shea, Melvin G. McInnis, Neurodevelopmental origins of bipolar disorder: iPSC models, Molecular and Cellular Neuroscience 2016; 73: 63-83.
واقرأ أيضا:
الدماغ المكتئب!2 / الدماغ الوسواسي