لِصّ صغير في بيتنا..!!
لا تحرمه أو تحرمها من شيء –مهما كان ثمنه- ومع هذا تُفاجأ به أو بها، وهما اللذان لم يَتَعدَّيا العاشرة أو تعدّياها بقليل يمدّان أيديهما، ربما لحافظة نقودك، ربما لأوراق العملة فوق المائدة، أحيانًا على "بعض" ثمار أمام البائع في الشارع ثم يجريان، تَمَهّل قبل أن تحكم عليهما أو تعاقبهما.. –فقط- طالع هذه الآراء..
يده خفيفة.
عبد المجيد علي –موظف بهيئة السكك الحديدية- 47-: يده في منتهى الخِفّة، أصغر أبنائي، رُزقت بابنتين، وكان هو آخر العنقود، كل طلباته أوامر، نادرًا ما أعتذر عن الإتيان بشيء أراده، إلا أن تكون الظروف لا تسمح فعلاً، ورغم كل هذا، أترك قِطَع عملة زائدة على المائدة –لا تُقارن بمصروفه أصلاً- فلا أجدها، أحيانًا مصروف أختيه، الذي علمنا أنه هو( ..)؛ وذلك لأنه كَشَف نفسه، ويضحك عبد الستار قائلاً: بعد أن أخذ مصروف أختيه كاملاً، وتركتهما لبعض الوقت كي أعرف الحقيقة، فَبَكَيا، وتأخّرا عن موعد المدرسة- خطر لي أن نترك جميعًا المكان لبعض الوقت، فذهب وتَرَك مصروفيهما بعد أن أخذ ما يقارب ربعه، عاتبته في الأمر، فأنكر في المرة الأولى، ثم لم يُجِب في الثانية، ونظر إلى الأرض في خجل، لا أريد أن أربِّيه على الخوف، ولا أريد له أن يستمر في مدّ يده، لعل الأمر راجع إلى بداية مرحلة المراهقة؟؟
ماذا أفعل لكم؟
ماجدة نور الدين –سكرتيرة بإحدى صحف – 39 عامًا: تجاوز ابني الثانية عشرة، مرحلة البلوغ مرّت، ولكن هذا "المرض" كما أراه مستمر معه، هو الكبير في ترتيب إخوته، طلباته –أصلاً- لا تنتهي-، نقول له برفق: إن لدينا أولويّات لأن إمكاناتنا –أنا وأبيه- لا تسمح إلا بهذا، فيقول: "أنا قلت لكم وخلاص"، وبعدها نكتشف اختفاء أوراق مالية من الدولاب أو من حافظتيْ نقودنا، يواجهه: من فعل هذا؟ في البداية كنّا نُلِحّ، ونقول له: كي لا نظلم أحد أخوتك، أعفانا من الإلحاح بعد حين يقول: ماذا أفعل لكم وقد طلبت ولم تستجيبا لي، وأنا أحتاجها بشدة؟!.. وعن تكرار هذا الأمر تقول: ليس كثيرًا جدًا، مرتان في الشهر تقريبًا، وأحيانًا مرة، بحسب ما يطلب منا ولا نستجيب..
بدون مُوارَبة.
ليلى عبد المجيد –ناظرة مدرسة- 53: أحمد ابني منذ كان صغيرًا، من أوائل المرحلة الإعدادية تقريبًا، وحتى صار جامعيًا.. هو.. هو، آتي بالملابس له ولإخوته، هو متخصص سرقة ملابس، لا يهمه شيء آخر في الكون غيرها، آتي له بما يناسبه، بالألوان المفضلة لديه، أو حتى التي اختارها لنفسه حينما "ننزل" في المواسم والأعياد للتسوق، يستحسن قطعة الملابس التي اختارها له أو يختارها هو لنفسه، ثم يلقيها على المقعد، ويذهب لملابس أخيه الأكبر.. يقول إنها أجمل.. نبدّلها لك.. يقول لا.. ويخرج، في الصباح يذهب لارتداء قميص أخيه.. ويخرج به وكأنه لم يفعل شيئًا، نذهب إلى قميصه كي نأخذه مقابل ما أخذ فنجده قد أخفاه، أو أغلق عليه الدولاب بالمفتاح.. أخوهما الأصغر في غاية السعادة لأن مقاسه يختلف تمامًا عن أحمد، واجهنا أحمد بأننا لا نمزح وهذا الأمر لا ينبغي أن يستمر، فضحك.. نضحك عليه بأن نشتري أكثر من قطعة ملابس للأكبر.. يترك له إحداها –ليرتديها براحته- ويحتفظ بالأخريات..
لا تعرف "الخصوصية"
أم مروة –موظفة - 38 عامًا: لدي توأم (مي ومروة) لا أقبل أن تمتد يد إحداهما إلى أشيائي أو أشياء الأخرى، وكان عقابي لمروة شديدًا حينما فعلتها في المرة الأولى، حتى فوجئت باختلاف الأمر بعد حين، هي لا تأخذ أشياء، ولكن تحرص على استخدام أشياء لا تخصها: ملابس أختها، بعض أدوات التجميل الخاصة بي، والتي لا تناسب عمرها، بصراحة أحسست أني عنفتها أكثر من اللازم في المرة الأولى دون أن أُفهمها، ولكن رد فِعْلها يحيرني، أحيانًا أجدني متحرِّجة من مواجهتها، مع أني لا أشك في أنها الفاعلة، رغم أنها قد تُلْقي بما أخذت مني –بالتحديد- في أشياء أختها، لديها اثنا عشر عامًا.. أُمَهِّل نفسي.. وأقول: حينما تكبر بعض الشيء سأحدثها في مسألة خصوصية الأشياء..!
تَعَدَّى "حدود المنزل":
بثينة محمد –ربة منزل - 57 عامًا: مع أحد أبنائي -بالتحديد الأوسط- الأمر تعدى أن يمد يده على أشياء أخوته، في الحادية عشرة من عمره، أجد في حقيبته المدرسية، الآلة الحاسبة الخاصة بمعلِّم الرياضيات الذي يأخذ درسًا لديه، آلة غالية بعض الشيء -فلقد سألت عن ثمنها-، وكذلك مساطر زملائه الملوّنة، أحيانًا مُمحاة (أستيكة) لها رائحة، وأحيانًا كراساتهم تحمل أسماءهم، في زيارته الأخيرة لبيت أختي حاول مغافلتهم ودخول غرفة النوم -حيث يعرف أنهم يحتفظون بالنقود وما إلى ذلك-، وكادت "تبقى" فضيحة لولا ستر الله ثم حكمة أختي، لا أستطيع أن أخبر أباه لأنه سيُقِيم الدنيا ولن يُقْعِدها، أحيانًا كثيرة أنصحه بالرفق فلعله.. ولكني لا أرى أثرًا، وعن مهنة أبيه تقول: كاتب بإحدى المحاكم..
الطفل ومعايير الأخلاق:
يقول د. أحمد عبد الله – طبيب نفساني – مصر: إن الكذب والسرقة عند الأطفال له معنى مختلف، ويحتاج إلى تعامل مختلف. فمن ناحية المعنى: يختلط الواقع بالخيال في إدراك الطفل، وعليه فقد يعكس الكذب قدرة عالية على الخيال عند الطفل لا تُشْبع بأنشطة تستثمرها، كما إنه لا يتصور أن تكون قدرة الطفل على ضبط وتدقيق المعلومة مثل قدرة الأكبر سنًا.
والسرقة كذلك فهي تعكس الميل الطفولي لحب الامتلاك دون تحمل مسؤولية، وكلاهما (الكذب والسرقة) يرتبط كجريمة بوجود المعيار الأخلاقي الناضج والمستقر الذي يمنح الأشياء أحكامها، ويحدد الموقف منها، وهذا المعيار لا يكون موجودًا قبل سن البلوغ "على الأقل"؛ وعليه فإن الأطفال لا يسرقون ولا يكذبون بالمعنى الحقيقي والأخلاقي للكلمة.
ويفرض علينا هذا الفهم تعاملاً مختلفًا كالآتي:
1 ـ محاولة إنعاش خيال أبنائنا، واستثمار إنتاج هذا الخيال في قصص يكتبونها، أو يروونها للأسرة، أو للنشر العام إذا أمكن.
2 ـ التحدث معهم بشكل غير مباشر عن الصواب والخطأ بأمثلة من فعل الآخرين، أو عَبْر قصة من الخيال.. وهكذا.
3 ـ العدل بين الأولاد في الأدوات المدرسية والملابس.. إلخ وحبذا لو تشابهت، أو تطابقت بعض هذه الأشياء؛ فيصبح تبادلها ممكنًا، ولا يسبب هذا قيام أي متاعب.
4 ـ عدم اللجوء للضرب؛ فالضرب سلاح العاجز، وإن كنا جميعًا نفعله للأسف، واستخدام الضرب يهدر فاعلية كل الوسائل الأخرى من ترغيب وترهيب، وتهديد وإغراء.. إلخ
مشكلة التربية..!
د. أحمد عبد الرحمن -أستاذ علم الأخلاق بالجامعة الإسلامية بماليزيا- يقول: أما من زاوية علم الأخلاق السرقة حينما تحدث فثِقْ أن هناك خطئًا شديدًا في التربية، لقد تربينا على أن النقود موجودة، ومعروف مكانها لدى الجميع، والأب يقول: اذهب وهات كذا من غرفتي ولا أحد يتجرأ على أخذ شيء مهما صغر منها، هكذا تربيت، وربّيت خمسة أبناء، وهم جميعًا متزوجون الآن، ولديهم أبناء، كلهم يتربون بهذه الطريقة، لم أسمع أن واحدًا من أحفادي -فضلاً عن أبنائي- فعلها ومدّ يده، رغم أني لم أنشأ في بيئة غنية وأنا صغير، المشكلة في التربية، إنها الرصيد الذي كلما كان كبيرًا سمح للأبناء أن يتربوا بصورة تعصمهم من هذه المآسي، وهي الآن –في رأي د. عبد الرحمن- للأسف قد سُحِبت من يد الأب والأم، والذين سحبوها مخرِّبون، فأجهزة الإعلام لا تكف عن نشر أفلام العنف والترغيب في مد اليد، وفي المقابل لا تجد قيم العمل والمثابرة في سبيل الوصول إلى النجاح، والصبر على الفقر والعمل الدائب، اليوم هذه الأجهزة جعلت "أغلب اهتمام الشباب بطنه وفرجه من أيّ طريق، كن لصًا ولكن لا تسمح لأي أحد بأن يضبطك.. كن "فَهْلَوِيًا".
واقرأ أيضا:
السرقة في الأطفال / ولدي وخمس سنوات في سرقة المحلات