بعضهم يتساءل هل أن الكراهية حاجة نفسية، وهذا سؤال تبريري تعزيزي لها، ومن الأصوب أن يكون السؤال : هل الكراهية حاجة سياسية؟
يبدو أن الوقائع والحقائق والأحداث بآلياتها ومنطلقاتها ودوافعها ونتائجها وتوالياتها، تشير إلى أنها حاجة سياسية أو كرسوية، فالبشر عندما يمسك بالكرسي، يتحتم عليه إشاعة ثقافتها، لكي يوفر المسوغات ويعزز القدرات اللازمة لبقائه في موقعه أطول مدة ممكنة مهما كان الثمن.
وقد تكرر سلوك المتمسكين بالحكم وفقا لمنهجها، وثقافتها وآلياتها للوصول إلى غاياتهم الفردية، ولا يعنيهم في الأمر والأحداث سواها.
ومن المعلوم أن البشر الذي ينشر الكراهية، يكون أما طائفيا أو متحزبا أو عنصريا، وينتمي لجماعة وحزب ومذهب وكتلة وعصابة أو غيرها.
وعندما يمتلك فرصة التقدم فيها والإمساك بقيادتها، يسعى لتعزيز وحدة تلك الجماعة أو الفئة وزيادة ارتباطها به، فيتصل مصيرها بمصيرهِ، ويعمل من خلالها لتوفير الأسباب، وصناعة الأحداث والتفاعلات الضرورية لترسيخ الاعتقاد بأن الآخر أو الآخرين خارج المجموعة هم ضدها وأعداؤها ويريدون تدميرها والقضاء عليها، فيؤهل الجماعة لإطلاق العواطف والمشاعر السلبية، وتعهد الرؤى والتصورات الخاطئة والمنحرفة والعمل بموجبها.
فتصبح الجماعة متأججة بالبغضاء تجاه الآخر أو الآخرين، مما يدفع إلى نزاعات وصراعات مروعة ما بين أبناء المجتمع الواحد.
وظهر ذلك بمسيرة الأحزاب في العقود الماضية، حيث كل حزب وقياداته يسعون لذات الأسلوب الأناني الاستبدادي التسلطي، الهادف لإرضاء حاجات غريزية ودوافع لا تخدم المصلحة العامة، ولا تنفع الجماعة وقادتها وإنما تنقلب وبالا عليهم.
وهذا ما تحقق لأكثر الأحزاب في مجتمعاتنا، فالتكتلات والفئويات وما شاكلها، تتحول إلى سلوكيات غابية الطباع والتوجهات فتحرق الغابة التي تتصارع فيها.
ووفقا لذلك، فالكراهية حاجة سياسة ضارة بالمجتمع والحزب والكتلة والفئة، وأثبتت الأحداث التأريخية ذلك، لكن البشر يكرر السلوك بسبب الظروف المحيطية الناشئة .
فالذي يمسك بزمام الجماعة، يسخرها لتأكيد رغباته الفردية فيحيطها بالخوف والشك والتهديد وعدم الأمان والحاجة إلى التمسك بالسلطان، وبهذه الأساليب تصنع الشعوب جلاديها ومستبديها.
فالمجتمعات التي سخروها ومرروا عليها غاياتهم ورغباتهم، تتحول إلى أرقام يكون مصيرها المحق والإمحاء.
وقادة الكراهية يعملون على تحقيق ذلك، ليكونوا هم الرقم الوحيد، الذي لا تمحقه إلا القوة التي تساعده على الوقوف لوحده.
والمجتمعات التي تريد صناعة الحياة عليها أن تعي هذه العاهة، ولا تنصاع لها وتكون ضحية سهلة لآثارها
واقرأ أيضًا:
هل دول المنطقة غنية؟!! / الأبطال والمجتمعات!!