"ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء"، "ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة أجتثت من فوق الارض ما لها من قرار" إبراهيم: (24, 26)
الكلمة ضوء ساطع عندما تكون طيبة نقية أصيلة المنبع، وفكر ناطق، بها تتحقق الحياة، وتتأكد الرؤى والتصورات السامية.
ونوع المفردات اللغوية في أي مجتمع تعبر عن حالته، فالسائد منها يعكس صورة الحياة، ويرسم ملامح السلوك والتفاعل الاجتماعي.
وقد دأبت وسائل الإعلام والصحف والأقلام على استعمال المفردات المناسبة للحالة التي يُراد التصدي لها، فمثلا مفردات الإعداد للحرب غير مفردات الإعداد للسلام، ومفردات المحبة والأخوة غير مفردات الكراهية والشقاق والعداء.
ويمكننا أن نستشرف الأحداث القادمة من المفردات المستعملة للإعداد لها، وفي واقعنا تحقق استخدام مفردات السوء والبغضاء والكراهية والعداء، واستثارة المشاعر السلبية والعواطف المؤذية، حتى أصبح عندنا الكثير من الأقلام المُبرمجة لاستعمالها، والعديد من المسؤولين الذين ترسّخ في قاموسهم الذاتي نوع من المفردات السيئة، التي تحدد معالم تفكيرهم وسلوكهم ومواقفهم واستجاباتهم.
ولا زالت فاعلة ومؤثرة في رسم حركة الأيام وتقرير مصير المجتمع، وتحديد أساليب التفاعل ما بين الناس، وفي كل فترة مؤهلة لدراما مأساوية، هناك مفردات خاصة مدروسة بعناية، يتم نشرها واستعمالها في التصريحات والكتابات المُسخرة لتأكيد الغايات، ومن الآخرين الذين يريدون إظهار الحق، مما يؤدي إلى اختلاط الأمور وتشويه التفكير وتشويش تقدير المواقف وفهمها.
والمفردات السائدة هي السلبية الخبيثة الداعية إلى اليأس والتبعية والخنوع والكراهية والطائفية، والمشتقة من عقيدة الفئوية وثقافتها الجهنمية، التي أوجدت لها جنودا وطوابير أقلام وصحف ومواقع الكترونية.
وهي ذات إسناد مادي كبير وتسويق إعلامي قوي، يساهم بزرع ما هو سلبي وسيء في أعماق الناس، ليكونوا مستعدين ومسخرين لتأكيد المصالح المناهضة لوجودهم وهم لا يشعرون، لأن المفردات المزروعة فيهم حولتهم إلى روبوتات تتحرك وفقا لإرادة غيرها.
ويبدو أن معظم الذين يدعون بأنهم ساسة أو أصحاب أحزاب، قد سقطوا ضحايا باختيارهم أو جبرا، فاستلهموا المفردات الضارة بالحياة، مما جعل ملامح وجوههم مؤثرة سلبيا في الناظر إليها، فلا ترى وجها تنبعث منه إرادة الحياة وأنوار المحبة، وقسمات القوة والحرية والإيمان بالوطن والشعب.
فالوجوه التي تظهر بوسائل الإعلام، تطغى عليها ملامح السوء والبغضاء والكراهية والخوف وعدم الاطمئنان، ويقدح الشر والانتقام من عيونها، وعندما تتكلم تراها جامدة، حتى لتحسب أنك تستمع لتمثال أو دمية.
تلك حقيقة نشاهدها بحيرة وعجب، والواقع يشير إلى أن تعبئة البشر بمفردات السوء والبغضاء تؤدي إلى سلوكيات وتفاعلات متناسبة معها، وبهذا فأن نوع المفردة الفاعلة في أعماقه ترسم معالم سلوكه.
وما دامت عملية حقن الناس بالمفردات السلبية متواصلة، ومعززة بالقدرات الإعلامية والدعائية والعاطفية فإن فعل السوء سيتواصل.
فالكلمات الخبيثة السيئة تؤسس إرتباطات عصبية دماغية في الرؤوس، وتشكل دوائر فعّالة تهيمن على الفهم والإدراك والتلقي والتفكير والاستجابة والسلوك.
أي أن الإنسان يتحول إلى عبد مطيع لتلك المفردات المزروعة في دماغه، والتي تم تسميدها بأنواع الأسمدة العاطفية اللازمة لنموها العظيم.
ولهذا ترى إنعطافات حادة في الإستجابات التي تصدر عن الذين يحسبون أنفسهم من المثقفين، فما أن تقترب من داوائر المفردات السيئة الفاعلة فيهم، حتى تنطلق كلماتهم كالبارود، فيبدو أن الكتابة السلبية بمداد انفعالهم الحار وعواطفهم الحارقة، وهم لا يشعرون بأنهم أصبحوا مُسخرين لغايات تأخذهم نحو سوء المصير.
والمشكلة أن الغاطس في وحل السوء لا يرى غير السوء، ولا يتخيل رأيا غير رأيه، أو عالمًا غير عالمه الذي يؤهله للتعبير عن ذاته المزورة، ومشاعره المنحرفة وسلوكه المشين، فقد أكلته المفردات ورسمت معالم وجوده.
وهذه سياسة فاعلة في تقرير مصير الأوطان والشعوب، وإعادة تصنيعها وفقا لإرادة الأقوى.
فهل من كلمةٍ طيبة ليكون سلوكنا وتفاعلنا وما يبدر منا طيبا ونافعا للناس؟
و"الكلمة الطيبة صدقة"!!
واقرأ أيضًا:
جامعاتنا تثور! / إشكالات سلوكية