أنا الدكتور محمد كمال بن محمود الشريف، ولدت في دمشق عام 1956 في حي كفرسوسة، وتخرجت طبيباً بشرياً في كلية الطب بجامعة دمشق عام 1980م. نشأت وأنا محب لديني الإسلام وأحلم أن أقدم شيئاً جديداً مفيداً للنهوض بحال المسلمين والنهوض بفهمنا لديننا، فقد كنت أشعر أن فهم المسلمين لدينهم أصبح متخلفاً عن عصرنا وثقافته، لذلك أخذت أتعلم ما استطعت من ديني. وقد تعلمت الإسلام بشكل أساسي من كتب التربية الإسلامية المدرسية التي كانت في تلك الأيام غنية ومشبعة. لم أتلقَ العلوم الدينية عن مشايخ رغم كثرتهم في دمشق إلا قليلاً.. كنت قارئاً نهماً لكل ما يقع تحت يدي، وقد كنت متفوقاً في اللغة العربية وكذلك في اللغة الإنجليزية وأستطيع القول إنني كنت الأول فيهما في مدرسة جودت الهاشمي التي درست فيها المرحلة الثانوية.
كنت وما أزال ميالاً للاستقلالية ولا يعجبني الانقياد لأحد أياً كانت منزلته، فلم أكن ممن تستهويه علاقة شيخ بمريد مما جعلني لا أنضم إلى مريدي أي شيخ.
وكنت وما أزال ضعيف القدرة على الحفظ عن ظهر قلب مما جعلني أقرأ وأستوعب لكنني أنسى التفاصيل، ولربما كان ذلك مفيداً لي حيث كان تفكيري في أي موضوع دائماً أصيلاً وليس اقتباساً من أحد وبخاصة أن أهم ميزاتي هي القدرة على إدراك العلاقات بين المفاهيم والعلاقات بين الأشياء المختلفة مما أعانني على الإبداع الذي وفقني الله إليه حتى الآن.
في عام 1976 م كنت في السنة الثانية في كلية الطب البشري واستعرت من صديق لي -كان وقتها يدرس الفلسفة وعلم النفس- كتاب الصحة النفسية لنعيم الرفاعي الذي كان في طبعته الأولى كتاباً سهل الفهم وشائقاً يدعوك لإكماله. وهكذا تعرفت على علم النفس واكتشفت أنه هو المجال الذي أريد فهمه والتعمق فيه، كما قررت يومها أن أسعى لاكتشاف نظرية نفسية إسلامية، وجعلت ذلك مشروع حياتي، وقد تحقق لي ذلك في السنوات الأخيرة ولله الحمد.
في شهر مايو أيار 2013 أتاحت لي الأستاذة الدكتورة عفاف خليل أن أتحدث على مدى ساعة كاملة في المؤتمر السنوي للطب النفسي الذي عقدته جامعة عين شمس في الإسكندية، فعرضت أسس نظريتي النفسية الإسلامية لأول مرة.
على مر السنين نضجت نظريتي النفسية الإسلامية وأوشك أن أعرضها ملخصة إن شاء الله في فصل من كتابي القادم (سكينة الإيمان: تأملات وبحوث نفسية إسلامية). ولطالما حمدت الله أنني درست الطب البشري قبل علم النفس مما أعانني على إتقان التفكير العلمي، وعلى طرح نظرية علم نفس إسلامي، أقول علم وليس وعظاً ولا كلاماً إنشائياً مقتبساً من بعض علمائنا القدامى الذين تطرقوا لبعض الموضوعات النفسية. أريد نظريتنا النفسية الإسلامية أن تكون علماً حقيقياً قابلاً للإثبات بالدراسات التجريبية وقابلاً للدحض إن لم يكن صحيحاً بنفس تللك الدراسات.
كثيرون غيري متحمسون لوضع نظرية نفسية إسلامية لكن نسبة كبيرة منهم لا يتجاوزون استخراج نظرية من النصوص الشرعية ومن كتابات قدمائنا فيضعون ما يشبه أن يكون نظرية نفسية إسلامية دون بلوغها درجة العلم القابل للدحض والإثبات. لأبي حامد الغزالي رحمه الله لفتة ذكية عرضها في كتابه المستصفى في أصول الفقه وهي أنه من الخطأ أخذ المعاني من الألفاظ، إنما الألفاظ دلالة على معانٍ سابقة لها وموجودة في الواقع قبل تسميتها بتلك الألفاظ. أي لا يمكن استنتاج نظرية علمية بفهم آية أو حديث من حيث جمله أو مفرداته، إنما نفهم الواقع ونستعين بما ثبت لدينا علمياً على فهم النصوص الدينية على أساسه، أي يساعدنا الواقع على فهم الألفاظ المكونة للنصوص ولا تساعدنا تلك النصوص على اكتشاف النظريات العلمية منها باستخراج معانيها من ألفاظها. وللأسف يبذل كثيرون جهودهم في استنطاق ألفاظ النصوص الدينية بواسطة اللغة العربية ويضعون النظريات ويعتبرونها مثبتة طالما أن المعنى اللغوي لهذه النصوص يستوعب ما فهموه. ولعل الآيات التي تحدثت عن تخلق الجنين تساعدنا على فهم هذه الفكرة إذ لو انطلقنا من المعنى اللغوي لتلك الآيات فإننا سنتخيل مراحل تخلق للجنين مخترعة ما أنزل الله بها من سلطان، لكن الذي حدث هو أننا انتظرنا حتى تقدم علم الأجنة فأعاننا على فهم المقصود بالنطفة ثم العلقة ثم المضغة، وبذلك استخرجنا المعاني من الواقع ولم نستخرج المعاني من الألفاظ.
ويتبع>>>>>: رحلتي إلى علم النفس الإسلامي2 للتواصل مع كاتب المقال: النفس.كوم (annafs.com)
واقرأ أيضًا:
مصادر سكينة الإيمان5 / مصادر سكينة الإيمان6