التعب من الخلية إلى الدماغ1
ثم هناك التوتر، سواء كان عاطفيًا أو نتيجة لتحدٍ فسيولوجي مثل العدوى أو الإصابة. وفقًا لدراسة فإن التوتر يزيد من معدل استهلاك الخلايا للطاقة بنسبة 60 في المئة. هذا جزئيًا لأن الميتوكوندريا تنتج أيضًا الكورتيزول، وهو هرمون التوتر الذي يرسل إشارة بأن الطاقة مطلوبة لمواجهة تحدٍ قادم.
التوتر ليس فقط مُستنزفًا للحيوية بشكل حرفي، بل له أيضًا تداعيات أوسع على حسابات الطاقة بين الجسم والدماغ. تم ابتكار مصطلح "ميزانية الجسد" Body Budgeting لوصف دور الدماغ في إدارة إمدادات الطاقة لدينا لصالح البقاء. تصف ميزانية الجسم من حيث المعالجة التنبؤية – الفكرة التي تفيد بأن الدماغ يعمل من خلال توليد "أفضل تخمين" حول ما يحدث في العالم الأوسع، مع تعديل ذلك حسب الضرورة بناءً على المعلومات الحسية القادمة. عندما لا تتطابق التوقعات مع الأدلة، يتم تجربة الإشارة الناتجة عن "الخطأ" كإحساس، سواء كان جيدًا أو سيئًا، مليئًا بالطاقة أو يحتاج إلى قيلولة.
من المهم أن تقييم الدماغ لحالتنا الأيضية يمكن أن يفسر لماذا من الممكن تمامًا النوم جيدًا والشعور بالتعب عند التفكير في يوم طويل من الاجتماعات والمهام كما يفسر لماذا يمكن أن يترجم خبر جيد غير متوقع إلى دفعة فورية من الطاقة. لم تتغير الحالة الحيوية للجسم، ولكن تنبؤ الدماغ بما يمكن العمل به قد غيّر الوضع.
تفسر الأبحاث من جامعة أكسفورد كيف يمكن لهذه التوقعات أن تُحدث فرقًا قابلًا للقياس في كمية الطاقة التي لدينا لننفقها. عندما طُلب من الناس ممارسة التمارين حتى الإرهاق، كان أولئك الذين قاموا بذلك مع صديق داعم قادرين على الاستمرار لفترة أطول وحرق المزيد من السعرات الحرارية قبل الاستسلام. هذه علامة على أنه يمكننا الاستفادة بشكل أعمق من احتياطاتنا من الطاقة عندما نكون واثقين من أن المساعدة قريبة.
إن وجود العديد من المدخلات التي تؤثر على تقييم الطاقة بين الجسم والدماغ – بعضها جسدي، وبعضها نفسي، والعديد منها يعمل بشكل غير واعٍ – يجعل من الصعب قياسها بشكل موضوعي. ولكن هناك عدة مرشحات لـ "المؤشرات الحيوية" التي تعكس العمليات الفسيولوجية والشعور الذاتي بالحيوية أو التعب.
أحدها هو عامل التمايز والنمو 15 GDF15، وهو جزيء إشارة أيضية تقوم الخلايا بإفرازه عندما تكون تحت الضغط. يحدث ذلك استجابةً للعدوى والإصابة والتوتر النفسي الاجتماعي. يبدو أن GDF15 يعمل كإشارة عامة للإجهاد ليخبر الدماغ بأنه يحتاج إلى الحفاظ على الطاقة.
هناك خط آخر من الأدلة يظهر أن GDF15 قد يفسر أيضًا لماذا يبدو أن التقدم في العمر يجعلنا نشعر بالتعب أكثر. يعتبر GDF15 علامة موثوقة على الشيخوخة، حيث ترتفع مستوياته في الدم بنسبة تصل إلى 25 في المئة مع مرور كل عقد. هذا الأمر يعتمد أيضًا على ميزانية الطاقة. في دراسة حديثة، بأن العديد من أعراض الشيخوخة، بما في ذلك التعب، ترجع إلى تراكم الأضرار في الخلايا وصعوبة مواكبة تكاليف الطاقة للإصلاحات. مع تراكم الحطام، ترسل الخلايا إشارات إجهاد إلى الدماغ، الذي يستجيب بالحفاظ على الطاقة كلما كان ذلك ممكنًا.
في هذه الأثناء، يعمل باحثون آخرون على مؤشرات حيوية مختلفة. في عام 2021، عقدت منظمة الصحة العالمية مجموعة من خبراء الصحة والشيخوخة لوضع تعريف جديد للصحة يستند ليس فقط إلى غياب المرض، ولكن على ما يُطلقون عليه "القدرة الحيوية" – القدرة على استخراج ما يكفي من الطاقة من الطعام للبقاء في حالة جيدة. استكشف الفريق عدة مؤشرات محتملة لمستويات صحية من الحيوية، بداية من قوة العضلات وعلامات الالتهاب في الدم إلى مجرد سؤال الناس عن تقييم شعورهم. إحدى الخيارات الواعدة هي اختبار بسيط لمدى سرعة تعب العضلات استنادًا إلى جهاز محمول يسمى هذا الاختبار "إيفورتو"(Eforto)، وهو يحسب المدة التي يستغرقها الشخص لفقدان 50 في المئة من قوة قبضته القصوى بينما يمسك بالجهاز بأقصى ما يمكن. يتم الجمع بين هذا الاختبار واستبيان حول مستويات الطاقة الحالية للشخص لتقديم نتيجة إجمالية. تقدم النتيجة النهائية نظرة ثاقبة حول مستويات الطاقة البدنية والعقلية لديهم. في دراسة شملت ما يقرب من 1000 شخص في منتصف العمر، كان الذين يمتلكون أدنى الدرجات العامة أكثر عرضة لوجود علامات حيوية تدل على التهاب منخفض الدرجة في دمائهم مقارنة بأولئك الذين حصلوا على درجات أعلى. وهذا مهم لأن الالتهاب المزمن معروف بأنه محرك للشيخوخة.
هناك دراسات صغيرة الحجم وجدت أن الفترات الضغوط البيئية في حياة هؤلاء الأشخاص قد تكون مرتبطة بفترة شحوب الشعر. ثم، بمجرد زوال التوتر، عاد اللون. عندما تكون أقل توترًا، قد يتيح ذلك تحرير بعض ميزانية الطاقة للإنفاق على إعادة إنتاج اللون. بالطبع، لا يعني هذا بالضرورة أن التحول لشعر رمادي هو خيار – في مرحلة ما، من المحتمل أن تجعل تحديات الشيخوخة هذا الأمر حتميًا لأولئك المحظوظين الذين يعيشون طويلاً. لكنه يشير إلى أن معدل الشيخوخة قد يكون أكثر قابلية للتغيير مما نعتقد.
إن رؤية التعب كنتيجة لحوار بين الجسم والدماغ تقدم أيضًا طريقة جديدة لفهم متلازمة التعب المزمن المعروفة أيضًا بالتهاب الدماغ والنخاع العضلي، حيث تكون الأعراض صعبة التفسير بشكل ملحوظ. يمكن أن تساعد المعرفة الأفضل بالمسارات المعنية الأطباء في التركيز على مناطق المشاكل المحتملة. على سبيل المثال، ربطت دراسات حديثة بين متلازمة التعب المزمن وانخفاض تدفق الدم الذي يحرم الميتوكوندريا من الوقود، مع الالتهاب المزمن الذي يستنزف احتياطيات الجسم، ومع اختناق في المعالجة في جذع الدماغ، وهو مركز للمعالجة الإدراكية الداخلية له دور في ميزانية الطاقة.
في حياتنا اليومية أيضًا، تكشف هذه الرؤية المحدثة للحيوية عن طرق للتعامل مع التعب. إحدى الاحتمالات يتعلق بالممارسات التأملية مثل التأمل والصلاة، أن أحد الأسباب التي جعلت هذه الممارسات تُظهر تعزيزًا للرفاهية هو أنها تهدئ الجسم والعقل، مما يقلل من الحاجة الملحوظة للاختباء وحفظ الطاقة.
كذلك تلعب الحمية والتمارين الرياضية دورًا مهمًا في ميزانية طاقتنا. وقد ثبت أن الوجبات الخفيفة السكرية تؤثر سلبًا على المزاج ومستويات الطاقة – كما يتضح في علاقة ذلك بالميتوكندريا – بينما فترات قصيرة من النشاط، أو "وجبات خفيفة من التمارين"، يمكن أن تفعل العكس. كما أن التمارين المنتظمة تجبر الجسم على زيادة إنتاج الطاقة عن طريق التخلص من الميتوكوندريا غير الفعالة واستبدالها بأخرى جديدة تعمل بشكل أفضل.
أخيرًا، من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار أن الأشخاص الذين تحيط نفسك بهم يؤثرون على مستويات طاقتك بشكل ملموس بغض النظر عن كمية الضغوط التي لديك، وليس فقط الحمية والتمارين.
مصادر
1- Kelly C, Treumpff C, Acosta C et al. A platform to map the mind–mitochondria connection and the hallmarks of psychobiology: the MiSBIE study. 2024. Trends in Endocrinology and Metabolism; Cell Press journal 35(10): 884-901.
2- Picard M, Trumpff C, Burelle Y. Mitochondial Psychobiology: Foundations and applications 2019, Curr Opin behave Sci : 28: 142-151
واقرأ أيضا:
الشائعات في عصر المعلومات / استخدام التأمل الذهني لعلاج القلق1