تاريخ اضطراب الوسواس القهري (5)
بعضاً من علماء المسلمين الموسوسين والناجحين في حياتهم:
ذكر الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات:
ومن علماء المسلمين المصابين بالوسواس شهاب الدين الصعيدي، وهو أحد شيوخ الإسكندرية، ولد عام 612 هجرية بالإسكندرية، وقرأ القراءات على أبي القاسم بن عيسى، وقد عني بعلم الحديث وكان شديد الوسواس، وتوفي سنة 695 هجرية.
وذكر الصفدي أيضاً من الموسوسين محمد بن طاهر الأنصاري الأندلسي النحوي، ويُقال أنه قدم إلى دمشق عام 504 هجرية، وأقام بها مدة، وكان يُقريء النحو، ومن شدة وسواسه في الوضوء أنه كان لا يستعمل من ماء نهر ثوراء ما يخرج من تحت الربوة، وكان لا يصلي أياماً لأنه لم يتهيأ له الوضوء على الوجه الذي يريده!!، وقد خرج بعد ذلك إلى بغداد وأقام بها إلى أن تُوفي سنة 519 هجرية.
وقد ذكر شمس الدين الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام:
أن الفقيه الإمام كمال الدين عمر بن عبد الرحيم الكلبي حدث ودرس، وقام بتدريس كتاب المهذب خمسة وعشرين مرة، ولكنه كان شديد الوسواس في الطهارة، ويُقال أنه دخل مرة الحمام وقصد الخزان (وهو شبيه بالبانيو في هذه الأيام ولكنه غالباً مايكون أعمق وأوسع) ليتطهر فيه، فخارت قواه ومات رحمه الله.
وذكر السخاوي في كتابه: التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة
الشيخ أحمد القرشي الصحيناتي: كان يُعد من كبار الصالحين المتقشفين الموسوسين في الطهارة؛ بحيث كان يدخل العين قبل قيام المؤذن للتذكير فلا يزال فيها حتى يمل الناس من كثرة الوسواس، وكذلك كان يوسوس في الصلاة، وكان ذا قدر عظيم، ملازماً للجماعة، ومجالسة أهل العلم والخير، والإهداء للجماعة، والتتلمذ لهم، رحمه الله.
ويذكر عبد الحي في كتابه "نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر":
الشيخ الفاضل الجليل مجد الدين الشاه جهانبوري من شيوخ كلكتا بالهند، والذي ينتسب إلى مدينة شاه جهانبور هناك، تولى التدريس بالمدرسة العالية فدرس وأفاد فترة طويلة، وكان مبتلى بوسواس الماء فلا يروى غليله من إراقة الماء؛ فيغتسل من الصباح إلى الظهيرة، وكان لا يصافح ولا يعانق أحداً لأجل الوسواس.
بين الإلهام والوسوسة
ومن جميل ما كتبه السلف في التفريق بين الإلهام والوسوسة: كلمات للحكيم الترمذي في كتابه العقل والهوى؛ حيث يقول: "شكل الإلهام دلالة الخير، وضد دلالة الخير دلالة الشر، ودلالة الوسواس والشر ضد الإلهام؛ فانظر حين تدخل في عمل ورأيت في قلبك التعجل وذهاب خوف عاقبة ذلك الذي كنت تتفكر قبل أن تدخل في العمل وأخذ منك حلاوة ذلك العمل؛ فاعلم إنه من الوسواس. ولكن إذا دخلت في عمل وكنت إليه ذاكراً عاقبته خائفاً عقوبته، ويكون خوفك من الازدياد، ورجاك في عصمة الله لك ألا يوفقك الله على هذا في المهالك؛ فاعلم أن تلك التذكرة من الإلهام، وهو سبحانه الذي دلك عليه فاستبشر وكن ذاكراً لمنة الله بما فهمك بعلمه".
أي أن العمل الناتج عن الوسواس يدفعك دفعاً إلى الخطأ والشر بلا حكمة ولا روية ولا تفكير ولا استشارة ولا استخارة، والعكس صحيح بالنسبة للإلهام الرباني الذي يذكرك بعواقب الأمور وبالآخرة، واستحضارك لرضا الله عنك عند قيامك بتنفيذ ذلك الإلهام الرباني.
ماكتبه ابن قيم الجوزية عن الموسوسين في الجزء الأول من كتابه إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان:
"ومن كيده: أمرهم بلزوم زي واحد ولبسة واحدة وهيئة ومشية معينة وشيخ معين وطريقة مخترعة ويفرض عليهم لزوم ذلك بحيث يلزمونه كلزوم الفرائض فلا يخرجون عنه ويقدحون فيمن خرج عنه ويذمونه وربما يلزم أحدهم موضعا معينا للصلاة لا يصلي إلا فيه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوطن الرجل المكان للصلاة كما يوطن البعير وكذلك ترى أحدهم لا يصلي إلا على سجاده ولم يصل عليه السلام على سجادة قط ولا كانت السجادة تفرش بين يديه بل كان يصلي على الأرض وربما سجد في الطين وكان يصلي على الحصير فيصلي على ما اتفق بسطه فإن لم يكن ثمة شيء صلى على الأرض.
وهؤلاء اشتغلوا بحفظ الرسوم عن الشريعة والحقيقة فصاروا واقفين مع الرسوم المبتدعة ليسوا مع أهل الفقه ولا مع أهل الحقائق فصاحب الحقيقة أشد شيء عليه التقيد بالرسوم الوضعية وهي من أعظم الحجب بين قلبه وبين الله فمتى تقيد بها حبس قلبه عن سيره وكان أخس أحواله الوقوف معها ولا وقوف في السير بل إما تقدم وإما تأخر كما قال تعالى:"لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ" (المدثر:37) فلا وقوف في الطريق إنما هو ذهاب وتقدم أو رجوع وتأخر ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته وجده مناقضا لهدي هؤلاء فإنه كان يلبس القميص تارة والقباء تارة والجبة تارة والإزار والرداء تارة ويركب البعير وحده ومردفا لغيره ويركب الفرس مسرجا وعريانا ويركب الحمار ويأكل ما حضر ويجلس على الأرض تارة وعلى الحصير تارة وعلى البساط تارة ويمشي وحده تارة ومع أصحابه تارة وهديه عدم التكلف والتقيد بغير ما أمره به ربه فبين هديه وهدي هؤلاء بون بعيد.
فصل ومن كيده الذي بلغ به من الجهال ما بلغ: الوسواس الذي كادهم به في أمر الطهارة والصلاة عند عقد النية حتى ألقاهم في الآصار والأغلال وأخرجهم عن اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيل إلى أحدهم أن ما جاءت به السنة لا يكفي حتى يضم إليه غيره فجمع لهم بين هذا الظن الفاسد والتعب الحاضر وبطلان الأجر أو تنقيصه، ولا ريب أن الشيطان هو الداعي إلى الوسواس: فأهله قد أطاعوا الشيطان ولبوا دعوته واتبعوا أمره ورغبوا عن اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريقته حتى إن أحدهم ليرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اغتسل كاغتساله لم يطهر ولم يرتفع حدثه ولولا العذر بالجهل لكان هذا مشاقة للرسول فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد (قدر ملء الكفين)، ويغتسل بالصاع (وهو نحو ثلاثة مدود) والموسوس يرى أن ذلك القدر لا يكفيه لغسل يديه، وصح عنه عليه السلام أنه توضأ مرة مرة ولم يزد على ثلاث بل أخبر أن: من زاد عليها فقد أساء وتعدى وظلم فالموسوس مسيء متعد ظالم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يتقرب إلى الله بما هو مسيء به متعد فيه لحدوده.
وصح عنه أنه كان يغتسل هو وعائشة رضي الله عنها من قصعة بينهما فيها أثر العجين ولو رأى الموسوس من يفعل هذا لأنكر عليه غاية الإنكار وقال: ما يكفي هذا القدر لغسل اثنين كيف والعجين يحلله الماء فيغيره هذا والرشاش ينزل في الماء فينجسه عند بعضهم ويفسده عند آخرين فلا تصح به الطهارة وكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مع غير عائشة مثل ميمونة وأم سلمة وهذا كله في الصحيح.
وثبت أيضا في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: كان الرجال والنساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضئون من إناء واحد والآنية التي كان عليه السلام وأزواجه وأصحابه ونساؤهم يغتسلون منها لم تكن من كبار الآنية ولا كانت لها مادة تمدها كأنبوب الحمام ونحوه ولم يكونوا يراعون فيضانها حتى يجري الماء من حافاتها كما يراعيه جهال الناس ممن بلى بالوسواس في الحمام.
فهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي من رغب عنه فقد رغب عن سنته جواز الاغتسال من الحياض والآنية وإن كانت ناقصة غير فائضة ومن انتظر الحوض حتى يفيض ثم استعمله وحده ولم يمكن أحداً أن يشاركه في استعماله فهو مبتدع مخالف للشريعة.
قال شيخنا (يقصد ابن تيمية): ويستحق التعزير البليغ الذي يزجره وأمثاله عن أن يشرعوا في الدين ما لم يأذن به الله ويعبدوا الله بالبدع لا بالاتباع.
(ونرى هنا شدة ابن القيم وأستاذه ابن تيمية على أهل الوسواس، ووجهة نظر ابن تيمية أن الموسوس من أهل البدع؛ لذا فهو يستحق التعذير!!، وبالطبع لا أتفق مع قول ابن تيمية في تعزير الموسوس لأن الوسواس ابتلاء، والموسوس يشعر بأنه مقهور ومضطر للإكثار بل الإسراف في استخدام مياه الوضوء والغسل حتى يشعر بالتطهر، ولو كان التعزير والعقاب من أي شكل أو نوع يُجدي مع مرضى الوسواس لاتبعناه كوسيلة علاجية في علاج مرضانا المصابين بالوسواس، ولكن نلاحظ كأطباء أن قسوة الأهل والأقارب مع مرضى الوسواس تزيد من أعراض مرضهم، بينما التطمين والإقناع دون جدال كبير من شخص قريب ومُحبَب لقلب المريض هو في غاية الفائدة والجدوى مع ذلك المريض؛ فالوسواس اضطراب مصحوب بتغيرات عضوية في مخ المريض وتحتاج تلك التغيرات العضوية للكلمة الطيبة مع العلاج الدوائي -بل والصبر على العلاج– حتى يتم الشفاء، ولا نعتبر العقاب أبدا وسيلة ناجعة في علاج الموسوسين).
ودلت هذه السنن الصحيحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يكثرون صب الماء ومضى على هذا التابعون لهم بإحسان
قال سعيد بن المسيب: إني لاستنجي من كوز الحب وأتوضأ وأفضل منه لأهلي.
وقال الإمام أحمد: من فقه الرجل قلة ولوعه بالماء.
وقال المروزى: وضأت أبا عبد الله بالعسكر فسترته من الناس لئلا يقولوا إنه لا يحسن الوضوء لقلة صبه الماء.
وكان أحمد يتوضأ فلا يكاد يبل الثرى.
(هنا نرى أن ابن القيم قد ساق الأدلة كلها الدالة على أن السنة تدعو إلى الاقتصاد التام في كمية مائي الوضوء والغسل).
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح: أنه توضأ من إناء فأدخل يده فيه ثم تمضض واستنشق وكذلك كان في غسله يدخل يده في الإناء ويتناول الماء منه والموسوس لا يجوز ذلك ولعله أن يحكم بنجاسة الماء ويسلبه طهوريته بذلك، وبالجملة فلا تطاوعه نفسه لاتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يأتي بمثل ما أتى به أبدا وكيف يطاوع الموسوس نفسه أن يغتسل هو وامرأته من إناء واحد قدر الفرق قريبا من خمسة أرطال بالدمشقي يغمسان أيديهما فيه ويفرغان عليهما فالموسوس يشمئز من ذلك كما يشمئز (المُشرك) إذا ذكر الله وحده.
(وهنا يتهكم ابن القيم من أصحاب الوساوس والأفعال القهرية سخرية شديدة، ومن الطريف ما ذكره بعض علماء النفس: أنه أثناء علاجهم لمرضى الوسواس يُستخب أستخدام روح الدعابة مع المرضى الموسوسين دون السخرية منهم ودون إظهار الاندهاش أو التعجب أو الاشمئزاز من أفكارهم وأفعالهم، ومن حظ الطبيب المعالج إذا كان مريضه الموسوس من أهل الدعابة والمرح وهم قليل، وعن نفسي أتذكر واحداً منهم كان له قولة شهيرة عن تصرفاته الغريبة، وهو كاره لتلك التصرفات الغريبة التي يفعلها، ويشعر بأنه مقهور على فعلها فيقول لي: "غصب عني يا دكتور تصرفاتي الغريبة تلك، أصل لو جابوا للمجنون مائة عقل غير عقله فلن يرضى بغير عقله!!).
قال أصحاب الوسواس: إنما حملنا على ذلك الاحتياط لديننا والعمل بقوله صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى مالا يريبك وقوله: من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه: وقوله الإثم ما حاك في الصدر، وقال بعض السلف: الإثم حور القلوب وقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم تمرة فقال لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها أفلا يرى أنه ترك أكلها احتياطا!!.
(وتلاحظ هنا أن ابن القيم يسوق حجج أصحاب الوسواس وأدلتهم على صحة أفكارهم، وهو بالطبع سينقض وسيدحض كل تلك الحجج والأدلة بعد ذلك).
وقد أفتى مالك رحمه الله فيمن طلق امرأته وشك: هل هي واحدة أم ثلاث: بأنها ثلاث احتياطا للفروج
وأفتى من حلف بالطلاق: أن في هذه اللوزة حبتين وهو لا يعلم ذلك فبان الأمر كما حلف عليه: أنه حانث لأنه حلف على ما لا يعلم.
وقال فيمن طلق واحدة من نسائه ثم أنسيها: يطلق عليه جميع نسائه احتياطا وقطعا للشك.
وقال أصحاب مالك فيمن حلف بيمين ثم نسيها: إنه يلزمه جميع ما يحلف به عادة فيلزمه الطلاق والعتاق والصدقة بثلث المال وكفارة الظهار وكفارة اليمين بالله تعالى والحج ماشيا ويقع الطلاق في جميع نسائه ويعتق عليه جميع عبيده وإمائه وهذا أحد القولين عندهم ومذهب مالك أيضا أنه إذا حلف ليفعلن كذا : أنه على حنث حتى يفعله فيحال بينه وبين امرأته.
ومذهبه أيضا: أنه إذا قال: إذا جاء رأس الحول فأنت طالق ثلاثا: أنها تطلق في الحال وهذا كله احتياط.
وقال الفقهاء: من خفي عليه موضع النجاسة من الثوب وجب عليه غسله كله وقالوا: إذا كان معه ثياب طاهرة وتنجس منها ثياب وشك فيها صلى في ثوب بعد ثوب بعدد النجس وزاد صلاة لتيقن براءة ذمته.
وقالوا: إذا اشتبهت الأواني الطاهرة بالنجسة أراق الجميع وتيمم وكذلك إذا اشتبهت عليه القبلة فلا يدرى في أي جهة فإنه يصلي أربع صلوات عند بعض الأئمة لتبرأ ذمته بيقين.
وقالوا: من ترك صلاة من يوم ثم نسيها وجب عليه أن يصلي خمس صلوات وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام من شك في صلاته: أن يبني على اليقين.
وحرم أكل الصيد إذا شك صاحبه هل مات بسهمه أو بغيره كما إذا وقع في الماء، وحرم أكله إذا خالط كلبه كلبا آخر للشك في تسمية صاحبه عليه، وهذا باب يطول تتبعه فالاحتياط والأخذ باليقين غير مستنكر في الشرع وإن سميتموه وسواسا، وقد كان عبد الله بن عمر يغسل داخل عينيه في الطهارة حتى عمي.
وكان أبو هريرة إذا توضأ أشرع في العضد وإذا غسل رجليه أشرع في الساقين، فنحن إذا احتطنا لأنفسنا وأخذنا باليقين وتركنا ما يريب إلى ما لا يريب وتركنا المشكوك فيه للمتيقن المعلوم وتجنبنا محل الاشتباه لم نكن بذلك عن الشريعة خارجين ولا في البدعة والجين وهل هذا إلا خير من التسهيل والاسترسال حتى لا يبالي العبد بدينه ولا يحتاط له بل يسهل الأشياء ويمشي حالها ولا يبالي كيف توضأ ولا بأي ماء توضأ ولا بأي مكان صلى ولا يبالي ما أصاب ذيله وثوبه ولا يسأل عما عهد بل يتغافل ويحسن ظنه فهو مهمل لدينه لا يبالي ما شك فيه ويحمل الأمور على الطهارة وربما كانت أفحش النجاسة ويدخل بالشك ويخرج بالشك فأين هذا ممن استقصى في فعل ما أمر به واجتهد فيه حتى لا يخل بشيء منه وإن زاد على المأمور فإنما قصده بالزيادة تكميل المأمور وأن لا ينقص منه شيئا.
قالوا: وجماع ما ينكرونه علينا احتياط في فعل مأمور أو احتياط في اجتناب محظور وذلك خير وأحسن عاقبة من التهاون بهذين فإنه يفضي غالبا إلى النقص من الواجب والدخول في المحرم وإذا وازنا بين هذه المفسدة ومفسدة الوسواس كانت مفسدة الوسواس أخف هذا إن ساعدناكم على تسميته وسواسا وإنما نسميه احتياطا واستظهارا فلستم بأسعد منا بالسنة ونحن حولها ندندن وتكميلها نريد.
وقال أهل الاقتصاد والاتباع: قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21) وقال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31) وقال تعالى:(......... وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (لأعراف:158) وقال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام: 153).
وهذا الصراط المستقيم الذي وصانا باتباعه هو الصراط الذي كان عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأصحابه وهو قصد السبيل وما خرج عنه فهو من السبل الجائرة وإن قاله من قاله لكن الجور قد يكون جورا عظيما عن الصراط وقد يكون يسيرا وبين ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله وهذا كالطريق الحسي فإن السالك قد يعدل عنه ويجور جورا فاحشا وقد يجور دون ذلك فالميزان الذي يعرف به الاستقامة على الطريق والجور عنه هو ما كان رسول الله وأصحابه عليه والجائر عنه إما مفرط ظالم أو مجتهد متأول أو مقلد جاهل فمنهم المستحق للعقوبة ومنهم المغفور له ومنهم المأجور أجرا واحدا بحسب نياتهم ومقاصدهم واجتهادهم في طاعة الله تعالى ورسوله أو تفريطهم، ونحن نسوق من هدي رسول الله وهدي أصحابه ما يبين أي الفريقين أولى باتباعه ثم نجيب عما احتجوا به بعون الله وتوفيقه، ونقدم قبل ذلك ذكر النهي عن الغلو وتعدي الحدود والإسراف وأن الاقتصاد والاعتصام بالسنة عليهما مدار الدين.
قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ..........) (المائدة:77 ) وقال تعالى:(.......... وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأنعام:141) وقال تعالى: (.......... تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا.....) (البقرة:229) وقال تعالى: (...... وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة:190) وقال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (لأعراف:55 ).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته: القط لي حصى فلقطت له سبع حصيات من حصى الخذف فجعل ينفضهن في كفه ويقول: أمثال هؤلاء فارموا ثم قال: أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك الذين من قبلكم الغلو في الدين رواه الإمام أحمد والنسائي وقال أنس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات: رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشديد في الدين وذلك بالزيادة على المشروع وأخبر أن تشديد العبد على نفسه هو السبب لتشديد الله عليه إما بالقدر وإما بالشرع.
فالتشديد بالشرع: كما يشدد على نفسه بالنذر الثقيل فيلزمه الوفاء به وبالقدر كفعل أهل الوسواس فإنهم شددوا على أنفسهم فشدد عليهم القدر حتى استحكم ذلك وصار صفة لازمة لهم.
قال البخاري: وكره أهل العلم الإسراف فيه يعني الوضوء وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن عمر رضي الله عنهما: إسباغ الوضوء: الإنقاء
فالفقه كل الفقه الاقتصاد في الدين والاعتصام بالسنة قال أبي بن كعب: عليكم بالسبيل والسنة فإنه ما من عبد على السبيل والسنة ذكر الله عز وجل فاقشعر جلده من خشية الله تعالى إلا تحاتت عنه خطاياه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها وإن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة فاحرصوا إذا كانت أعمالكم اقتصادا أن تكون على منهاج الأنبياء وسنتهم.
ويتبع >>>>>>>: تاريخ اضطراب الوسواس القهري (7)
واقرأ أيضاً:
تاريخ اضطراب الوسواس القهري/ الطب النفسي الإسلامي