تاريخ اضطراب الوسواس القهري (11)
فصل من كتاب إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية
فيما يقوله ويفعله من ابتلي بالوسواس وما يستعين به على الوسوسة:
روى صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود يرفعه: [إن للملك الموكل بقلب ابن آدم لمة وللشيطان لمة فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق ورجاء صالح ثوابه ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق وقنوط من الخير فإذا وجدتم لمة الملك فاحمدوا الله وسلوه من فضله وإذا وجدتم لمة الشيطان فاستعيذوا بالله فاستغفروه]، وقال له عثمان بن أبي العاص: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي قال: [ذاك شيطان يقال له: خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا]، وشكى إليه الصحابة أن أحدهم يجد في نفسه -يعرض بالشيء- لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به فقال: [الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة]، وأرشد من بلي بشيء من وسوسة التسلسل في الفاعلين إذا قيل له: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ أن يقرأ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الحديد:3).
كذلك قال ابن عباس لأبي زميل سماك بن الوليد الحنفي وقد سأله عن: شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قال: قلت: والله لا أتكلم به قال: فقال لي: أشيء من شك؟ قلت: بلى فقال لي: ما نجا من ذلك أحد حتى أنزل الله عز وجل: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ.....} [يونس:94] قال: فقال لي: فإذا وجدت في نفسك شيئا فقل: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، فأرشدهم بهذه الآية إلى بطلان التسلسل الباطل ببديهة العقل وأن سلسلة المخلوقات في ابتدائها تنتهي إلى أول ليس قبله شيء كما تغتب كما تنتهي في آخرها إلى آخر ليس بعده شيء كما أن ظهوره هو العلو الذي ليس فوقه شيء وبطونه هو الإحاطة التي لا يكون دونه فيها شيء ولو كان قبله شيء يكون مؤثرا فيه لكان ذلك هو الرب الخلاق ولا بد أن ينتهي الأمر إلى خالق غير مخلوق وغني عن غيره وكل شيء فقير إليه قائم بنفسه وكل شيء قائم به موجود بذاته وكل شيء موجود لا به قديم لا أول له وكل ما سواه فوجوده بعد عدمه باق بذاته وبقاء كل شيء به فهو الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء الظاهر الذي ليس فوقه شيء والباطن الذي ليس دونه شيء.
وقال صلى الله عليه وسلم: [لا يزال الناس يتساءلون حتى يقول قائلهم: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليستعذ بالله ولينته] وقد قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:36]، ولما كان الشيطان على نوعين: نوع يرى عيانا وهو شيطان الإنس ونوع لا يرى وهو شيطان الجن أمر سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكتفي من شر شيطان الإنس بالإعراض عنه والعفو والدفع بالتي هي أحسن ومن شيطان الجن بالاستعاذة بالله منه والعفو وجمع بين النوعين في سورة الأعراف وسورة المؤمنين وسورة فصلت والاستعاذة في القراءة والذكر أبلغ في دفع شر شياطين الجن والعفو والإعراض والدفع بالإحسان أبلغ في دفع شر شياطين الإنس.
يقول الشاعر:
(فما هو إلا الاستعاذة ضارعا ................................. أو الدفع بالحسنى هما خير مطلوب)
(فهذا دواء الداء).
ومن الواضح في كلام ابن قيم الجوزية استخدامه للعلاج المعرفي والديني في علاج من أصيب بالوساوس والأفعال القهرية. أما الإمام الشعراني في كتابه "لطائف المنن والأخلاق في وجوب التحدث بنعمة الله على الإطلاق- المعروف بالمنن والكبرى": فقد ذكر بعض حالات الوسواس القهري في عصره وهي من الطرافة بمكان يجعلنا نذكر بعض الحالات في هذا المقال فيقول: "وقد رأيت من استحم بخمسة وخمسين إبريقا ثم شك بعد ذلك في أن الماء عم بدنه، وكان ذلك لصلاة الظهر فقال: روحوا بي إلى بحر النيل، فجعل يغطس ويصعد برأسه إلى أن غربت الشمس، وفاته الظهر والعصر، وقد رأيت من ذهب أيام النيل إلى بركة خارج القاهرة لطهر ثيابه، فما زال يغسلها ويجففها إلى آخر النهار، ثم ضم ثيابه، ولبس بعضها ثم شك في بعضها.. ثم شك في أنه هل غسلها أم لا؟؟.. وكان قد مر على صيادين السمك في طريقه إلى البركة، فلما رجع قال لهم: هل رأيتموني مررت عليكم بكرة النهار ومعي ثيابي؟؟ فقالوا له ما رأيناك فقال: إذن أنا ما ذهبت إلى البركة.. ثم ذهب من بكرة النهار إلى البركة ثانيا!!!
ومما ذكره الشعراني أيضا: "وشهدت أنا بعيني موسوسا دخل ميضأة ليتوضأ قبل الفجر من ليلة الجمعة فلا زال يتوضأ للصبح حتى طلعت الشمس.. ثم جاء إلى باب المسجد فوقف ساعة يتفكر.. ثم رجع إلى الميضأة.. فلا زال يتوضأ ويكرر غسل العضو إلى الغاية.. ثم رجع وينسى الغسل الأول.. حتى خطب الخطيب الخطبة الأولى.. ثم جاء إلى باب المسجد فوقف ساعة ورجع.. فلا زال يتوضأ حتى سلم الإمام من صلاة الجمعة.. وأنا أنظر من شباك المسجد.. ففاته صلاة الصبح والجمعة!!! (عبد الوهاب الشعراني، 1976، ص ص 558- 563).
الوسواس القهري في النهضة الأوربية الحديثة
وبعد فترة من التخلف والركود على مدى اكثر من أربعة قرون عانت فيها منطقة الشرق الأوسط من الحكم العثماني ثم الاستعمار الأوربي.. وما فرض على هذه المنطقة من تأخر في العلوم الحديثة ومن ضمنها الطب، حدث ازدهار للطب بالدول الغربية وبالذات في القرنين الماضيين.. ولذلك عندما يذكر الغربيون تاريخ الوسواس القهري فإنهم يبدأ ون برواية "ما كبث" لشكسبير في القرن السابع عشر حيث عانت السيدة ما كبث من بعض الأفعال القهرية (Jenike,1998).. ثم ايسكرول عام 1838م.. ثم فارليت وموريل عام 1861م.. والأخير هو أول من أطلق عل هذا المرض "Obsession" في الغرب ثم ايبنح عام 1867م.. ثم جريسنجر عام 1870م. (Laughlin, 1967).
أما كارل فيستيفال 1878 م فيعتبره الغربيون أول من وصف هذا المرض بدفة واعتبره من اضطرابات في (Asperg,1991) التفكير وليس المشاعر كما ذكر ايبنح في كتاباته. بعد ذلك هناك الكثير من أطباء وعلماء النفس الغربيون والذين أسهموا في الوصول إلى ما نعرفه الآن عن تفاصيل كثيرة عن هذا الاضطراب. ويكفي أن نقول أن ما نشر في الدوريات العلمية الغربية فقط عن الوسواس القهري خلال النصف الأخير من القرن العشرين إلى ما يقرب من6000 (ستة آلاف) مقالا وبحثا علميا غير الكتب ومصادر النشر الأخرى.
(1966-2000 http://igm.nlm.nih.gov.Medline)
الوسواس القهري بمنطقة الشرق الأوسط في النصف قرن الأخير
ومن البداهة بمكان أن قطار البحث العلمي في إطار اضطراب الوسواس القهري في منطقة الشرق الأوسط وما جاورها من بعض الأقطار كان متأخرا.. ولعلي أكون قد أصبت إذا قلت أن أول دراسة تجريبية مقننة بمنطقة الشرق الأوسط عن اضطراب الوسواس القهري قام بها "محمد سامي محفوظ هنا" وعنوانها "التفكير التجريدي لدى العصابيين القهريين" وذلك كرسالة ماجستير للباحث حصلت على تقدير امتياز من كلية الآداب جامعة القاهرة.. قسم علم النفس.. وكان المشرف على هذا البحث الأستاذ الدكتور محمد عثمان نجاتي المشرف على سلسلة "مكتبة علم النفس" الشهيرة وذلك عام 1964م. (محمد هنا , ,1964 ص ص 275-1).
وتعتبر دراسة الوظائف المعرفية في مرض الوسواس القهري من المواضيع الخاضعة للأبحاث والدراسات المتجددة حتى وقتنا الحاضر (Sher et al., 1983). ومن الدراسات الطريفة التي أجريت علي 437 طالبا من طلاب كلية الطب بجامعة الإسكندرية لقياس السمات العصابية لديهم، وجد أن أعلي قيم حصل عليها الطلاب من الجنسين كانت في مقياس سمات الوسواس القهري حيث تم استخدام مقياس ميدل سيكس في هذه الدراسة. (Rashed et al., 1974).
نأتي بعد ذلك إلى دراسة هامة جدا ليس في منطقة الشرق الأوسط وحدها ولكن على مستوى العالم حيث قام الدكتور أحمد عكاشة من جامعة عين شمس بدراسة 1000 مريض ترددوا على العيادات النفسية بمستشفى عين شمس عامي 1964و1965 م حيث وجد أن نسبة مرض الوسواس القهري فيهم 2.6% كما قام بدراسة المكونات الديموجرافية لهم وكذلك الأعراض الغالبة عليهم.. وكان أكثر هذه الأعراض هي الوساوس الدينية والطقوس القهرية المتعلقة بالغسيل والنظافة كما ذكر الباحث أهم الأسباب المرسبة لظهور أعراض الوسواس القهري لديهم بالإضافة إلى التاريخ العائلي لهؤلاء المرضى من حيث وجود اضطراب الوسواس القهري لدى أقارب المرضى كما قارن بين مرض الوسواس القهري الريفيين والحضريين. (Okasha,1968).
وقد اتبع الدكتور أحمد عكاشة هذه الدراسة بمجموعة تزيد عن خمس دراسات تبحث الجوانب المختلفة لدى مرضى الوسواس القهري منها دراسة عن التخطيط الدماغي لدى هؤلاء المرضى (Okasha & Raafat, 1990;1991; Oransa, 1992) وأخرى عن معدل انتشار الأعراض لدى هؤلاء المرضى وقد وجـد أن أكثرهــا هو الوسـاوس الدينـيــــة (Okasha, 1968;1994)وهذا يختلف عما هو متعارف عليه لدى المرضى الغربيين حيث يزيد لديهم وساوس التلوث والوساوس الجنسية..
وللدكتور عكاشة دراسة عن الاضطرابات المعرفية لمرضي الوسواس القهري (2000 al., (Okasha et وللدكتور عكاشة أيضا دراسة عن نمط النوم لدى مرضى الوسواس القهري. (Okasha et al., 1996)، وقد كان آخر هذه الدراسات.. دراسة عن التغيرات في فرق الجهد الحثي لدى هؤلاء المرضى وهي ضمن رسالة دكتوراه قامت بها الدكتورة جيهان النحاس بكلية الطب جامعة عين شمس..
نأتي بعد ذلك إلى رسالتي ماجستير بجامعتين مصريتين (طنطا والمنصورة) عن هذا الاضطراب وهما:
الرسالة الأولى : قام بها الدكتور عصام الخواجة بكلية طب طنطا حيث قام بدراسة 30 مريضا للوسواس القهري بعد إعطائهم عقار الكلوميبرامين مع قياس نسبة السيرتونين والنورادرنيالين بدم هؤلاء المرضى قبل وبعد العلاج.. كما درس جوانب شخصياتهم مستخدما اختبار مينيسوتا متعدد الأوجه. كما قارن مرضى الوسواس القهري ببعض مرضى الاكتئاب الذين يعانون من أعراض وسواسية ثانوية. (Al-Khawaga, 1991).
الرسالة الثانية: قامت بها الدكتورة سلوى طوبار بكلية طب المنصورة حيث قارنت الباحثة بين 30 مريضا بالوسواس القهري و30 مريضا بالهستيريا من حيث قوة الأنا والضغوط النفسية الحياتية التي تعرضتا لها المجموعتان من المرضى بالإضافة إلى استخدام المقياس الوظيفي للتقييم الكلى (Tobar, 1992) وفي أوائل التسعينات من القرن العشرين ومن الدراسات الإكلينيكية المقننة أيضا في مصر عن مرض الوسواس القهري.. قام الدكتور محمد عبد الظاهر الطيب به من عمل دراسة تفصيلية وتحليليه للشخصية لدى عشرة من مرضى العصاب القهري مستخدما اختبار تفهم الموضوع (Thematic Apperception Test TAT).(محمد عبد الظاهر الطيب, 1993, ص ص 175-1). وقد اسخدم نفس الاختبار الدكتور عادل خضر لدراسة حالة مريض بالوسواس القهري (عادل خضر،,2000, ص ص 139-78).
أما من ناحية القياس النفسي في الوسواس القهري فقد قامت الباحثة "نجمة ناصر" بإجراء أبحاث المصداقية والثبات لمقياسين غربيين عن الوسواس القهري وذلك بعد تعريبهما.. وقد كان ذلك على عينة من الكويتيين (بلد الباحثة) وقد تم مناقشة هذا البحث بكلية الآداب جامعة عين شمس بمصر (نجمة ناصر1985) وحصلت به الباحثة على درجة الدكتوراة في علم النفس.
نأتي بعد ذلك إلى الأستاذ الدكتور أحمد عبد الخالق وهو من المهتمين بعصاب الوسواس القهري وله أبحاث عن علاقة الوساوس بكل من القلق والمخاوف والاكتئاب (أحمد عبد الخالق ومايسة النيال ,1990, ص ص 575-543)، كما أن له دراسة عن علاقة الوساوس باضطرابات النوم (أحمد عبد الخالق ومايسة النيال , 1992 , ص ص 49-33). ولكن في الحقيقة أن من أهم إسهامات الدكتور أحمد عبد الخالق في هذا المجال هو تقديمه للمقياس العربي للوسواس القهري (أحمد عبد الخالق، 1992). وقد أجرى عليه العديد من الدراسات في مصر والكويت ولبنان.. بالإضافة إلى مقارنته تطبيقيا على عينة كويتية وأخرى (Abdel-Khalek& Lester, 1999;2000) أمريكية من طلاب الجامعة.
كما استخدم الدكتور توفيق عبدالمنعم بدولة البحرين نفس المقياس لدراسة عينة من طلاب المدارس الثانوية والجامعة هناك (402 شخص)، وقد كان من أهداف هذه الدراسة توضيح المعالم الأساسية لاضطراب الوسواس القهري وأعراضه لدى عينات بحرينية، بحيث يمكن الاستفادة منها في تخطيط البرامج الإرشادية (توفيق عبد المنعم,2000, ص ص 64- 76)، لا ننسي أيضا رسالة ماجستير عن الوسواس القهري في الأطفال، حيث قامت الباحثة مي الرخاوي بدراسة مجموعة من الأطفال المصابين بهذا الاضطراب وعائلاتهم قد استخدمت في ذلك مقياس ليتون للأطفال بعد ترجمته وتقنينه، وأهم ما وجدته الباحثة أن الضغوط العائلية من أهم الأسباب المرسبة لاضطراب الوسواس القهري في هؤلاء الأطفال. (El-Rakhawy, 1992).
في بداية التسعينات أيضا قام (أسامة محجوب وحسن عبد الحافظ 1991م) بنشر دراسة عن 32 مريضا بالوسواس القهري في منطقة الخبر بالمملكة العربية السعودية (المنطقة الشرقية) وكان من أهم نتائجها أن أكثر الوساوس والأفعال القهرية دينية.. وأقل هذه الوساوس والأفعال القهرية هي من الناحية الجنسية, وهذا مخالف لما هو متعارف عليه في الغرب. كما قدم أسامة محجوب وآخرون حالتين من الوسواس القهري المصحوب بنوبات صرعية. وذلك في زوج من التوائم المتماثلة مما يشير إلى أثر العامل الوراثي في هذه الحالات. (Mahgoub &Abdel-Hafeiz, 1991).
وتلت الدراسة السابقة في المملكة العربية السعودية. دراسة (الدكتور عبد الله السبيعي وزملاؤه عام 1992م) بمستشفى الملك خالد الجامعي بالرياض (المنطقة الوسطى) حيث تمت دراسة 45 مريضا باضطراب الوسواس القهري في الفترة من (1983م وحتى 1990) من فئات عمرية مختلفة وكانت نتائجها شبيهة إلى حد ما للدراسة السابقة في المنطقة الشرقية ( Al-Sabaie et al., 1992 )، كما قدم نسيم قرشي حالة للوسواس القهري مصحوبة باضطراب وجداني ثنائي القطب مع لوازم حركية وتخلف عقلي (Qureshi, 1995 َ).
في الكويت ذكر (بارهاد 1957م) أن معدل انتشار الوسواس القهري والمخاوف يعتبران نادرين جدا خلال عمله 5 سنوات بالكويت (Parhad, 1957). كما قام الدكتور صفوت فرج مؤخرا بدراسة 458 طالبا وطالبة (غير مرضى) بجامعة الكويت؛ لفحص العلاقة بين عدد من أبعاد الشخصية ومتغيراتها؛ مثل الانبساط والعصابية والذهانية والاكتئاب ومصدر الضبط وتكامل الشخصية والدفاعات الموجبة والتصلب وبين الوسواس القهري ومكوناته الفرعية، وكان من بعض نتائج هذه الدراسة أن الدرجة الكلية لمعظم مقاييس اضطراب الوسواس القهري لا تصلح أن تكون أساسا تشخيصيا بمفردها، كما أن التحليل العاملي لم يكشف عن تجمع واحد محوره المكونات الفرعية للوسواس القهري مجتمعة وحدها، أو مع زملة اضطراب شخصي. كما أن أعراض هذا الاضطراب تمثل زملة مرضية غير متجانسة. (صفوت فرج ,1999,ص ص 224-191).
كما قام فريح العنيزي بعمل دراسة عن الوسواس القهري لدى الأطفال الكويتيين (200 تلميذا ،198 تلميذة من المرحلة المتوسطة)، واستخدم في الدراسة المقياس العربي للوسواس القهري، وانتهت هذه الدراسة إلى أن التلميذات لهن متوسطات أعلى من التلاميذ في الوسواس القهري (فريح العنيزي,1997, ص ص 202-181)، وفي المملكة المغربية قام الدكتور إدريس موسوي بعمل دراسة عن مرضي الوسواس القهري ومشاكلهم تم نشره باللغة الفرنسية (Moussoi, 1990).
ومن باب ذكر الحقائق العلمية والتاريخية بأمانة لا بد أن أسجل هنا الاهتمام في فلسطين المحتلة بعمل أبحاث متعددة عن اضطراب الوسواس القهري والتي يتم نشرها بسهولة في الدوريات العالمية للطب!!
وسأكتفي هنا بذكر احدث دراسة عن الجينات الوراثية (دراسة حيوية جزئية) (Molecular Biology) حيث وجد الباحثون مواقع جديدة على بعض الكروموسومات (Novel Allele ) في بعض المرضى اليهود القادمين من تونس وليبيا (Michaelovsky et al., 1999). وفي تركيا وجدت دراسة واحدة حديثة على 108 مريضا بالوسواس القهري.. وكان أهم الوساوس الموجودة فيهم هي وساوس التلوث ثم الوساوس الدينية وهذا شبيه لما وجد في باقي أقطار الشرق الأوسط. وأعتقد أن ذلك مرتبط بالعلاقات الدينية والتاريخية والجغرافية لتركيا بباقي الأقطار الناطقة بلغة الضاد (Tezcan, & Millet, 1997).
أما باقي أقطار الشرق الأوسط فلم أجد سوى بعض الانطباعات الشخصية لبعض الباحثين... فمثلا في تونس فلقد ذكر سليم عمار أن وجود عصاب الوسواس القهري من الأمراض النادرة في تونس وذلك في فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين (Ammar, 1968)، وفي العراق ذكرت الباحثتان (وداد البزاوي وإحسان العيسى) عن كثرة انتشار عصاب الوسواس القهري بالعراق كما ذكرتا أيضا أن المجتمع العراقي في الستينات أيضا كان يشجع مضمونا توكيد الذات والجدية (Culture Encurrages Assertion & Aggression) ولكن لم تذكرا الباحثتان دراسة علمية مقننة بخصوص الوسواس القهري (Bazzoui & Al-Issa, 1967).
أما باقي الأقطار وحتى إيران فلقد قمت باستخدام الانترنيت وأنظمة استرجاع المعلومات بالكومبيوتر لكي أجد أي دراسات أخري -بمنطقة الشرق الأوسط- منشورة بها عن اضطراب الوسواس القهري فلم أجد.. وكذلك قمت بمراجعة ما نشر من مقالات في دوريات علمية خاضعة لدول إقليم شرق البحر الأبيض المتوسط والتي أشرفت على تجميع ملخصات هذه المقالات منظمة الصحة العالمية (EMRO) بالإقليم فلم أجد أيضا إلا ما ذكرت في هذا البحث من أبحاث عن الوسواس القهري. بالإضافة إلى مراجعة ما قام به الدكتور إبلي كرم -من لبنان- حيث قام بتجميع ملخصات للأبحاث في مجالي علم النفس والطب النفسي بالعالم العربي والذي أطلق عليه اسم (Karam, 1999)(Mental health researches in the Arab World 1966-1999).
ولعل هناك رسائل ماجستير أو دكتوراة أو أبحاث عن اضطراب الوسواس القهري بمنطقة الشرق الأوسط ولكنها لم تنشر أو لم أتمكن من الوصول إلى ملخص لنسخة منها وأرجو في هذه الحالة إرسال نسخة من ملخص لهذه الأبحاث للمحرر وذلك لنشرها والاستفادة منها.
وقبل أن أختم هذا المقال أود أن أذكر ملخص بحث قمت به بين الأعوام 1993م – 1996 م وقد وجدت فيه أن معدل انتشار اضطراب الوسواس القهري بمدينة الإسكندرية (مصر) يتجاوز 3% من سكانها وفي هذا البحث قمت بمقارنة مجموعتين من مرضى الوسواس القهري مجموعهم 109 مريضا.. أربعة وعشرون منهم ممن ترددوا على العيادات النفسية بمستشفيات جامعة الإسكندرية والباقي من المجتمع السكندري.. كما قمت بقياس بعض الهورمونات بالدم لمجموعتين من المرضى ولم أجد فرقا واضحا بينهما وبين عينة ثالثة من الأصحاء (كعينة ضابطة).(El-Saadani,1996).
وفي النهاية اكرر قوله تعالى "ربنا لا تؤاخذا إن نسينا أو أخطأنا".
المصادر:
- عبد الوهاب الشعراني (1976). لطائف المنن والأخلاق في وجوب التحدث بنعمة الله على.
- محمد سامي محفوظ هنا (1964) التفكير التجريدي لدى العصابيين القهريين دراسة تجريبية نفسية. رسالة ماجستير في علم النفس، جامعة القاهرة، دار النهضة العربية، ص ص275-1.
- محمد عبد الظاهر الطيب (1993). الوسواس القهري تشخيصه وعلاجه، رسالة دكتوراه، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية 142-124.
- أحمد عبد الخالق، ومايسة النيال (1990). الوساوس القهرية وعلاقتها بكل من القلق والمخاوف والاكتئاب، مجلة كلية الآداب، جامعة الإسكندرية 575-543,38 .
- أحمد عبد الخالق (1992). المقياس العربي للوسواس القهري ، كلية الآداب جامعة الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية.
- توفيق عبد المنعم (2000). الوسواس القهري: دراسة على عينات بحرينية، مجلة علم النفس- يوليو- أغسطس- سبتمبر،76-64.
- صفوت فرج (1999). العلاقة بين السمات الشخصية والوسواس القهري، دراسات نفسية، العدد الثاني، المجلد التاسع، ص ص 224-191.
- فريح العنيزي (1997). الوسواس القهري لدى الأطفال الكويتين، دراسات نفسية، العدد السابع،المجلدالثاني، 202-181.
Jenike, M. A. (1998). An overview of OCD. In: Jenike M, Baer L, Minichiello W (Ed.).Obsessive-compulsive disorder practical management,(pp 3-11). St Louis: Mosby. 3 rd ed.
Laughlin, H. P. (1967). The obsessive-compulsive reactions. In: The neuroses(pp307-375). Washington: Butterworths
Asberg, M. (1991). Introduction-obsessive-compulsive disorder. In: Jenike, M.A., & Asperg, M(Ed.). Understanding obsessive-compulsive disorder, (pp. 11-16). Toranto: Hans Huber Publishers
Sher, K. J., Frsot, R. O., & Otto, R. (1983). Cognitive deficit in compulsive checker: an exploratory study .Bahviour Research & Therapy, 21(4) 357-363
Rashed, S., El-Kerdany, I., Wagdy, A. & El-Sherbini A. F. (1974). The prevalence of neurotic disorders among medical students. Egyptian Journal of Mental Health, 15, 77-87
Okasha, A., Kamel, M., & Hassan, A. H. (1968). Preliminary Psychiatric observations in Egypt. British Journal of Psychiatry, 114, 949-955
Okasha, A., Raafat M. (1990). Neurophysiological substrate of obsessive compulsive disorder: an evidence from topographic EEG. Egyptian Journal of Pscyhiatry, 13, 97-106
Okasha, A., & Raafat, M. (1991). The biology of obsessive compulsive disorder: an evidence from topographic EEG. Arab Journal of Psychiatry, 2, 106-117
Oransa, A. T. (1992). Brain mapping in obsessive compulsive disorder. Master thesis. Banha Faculty of Medicine, Egypt, 1-110
Okasha, A., Lotaief, F., Ashour, A. M., El Mahalawy, N., Seif el Dawla, A., & El Kholy, G. (2000). The prevalence of obsessive compulsive symptoms in a sample of Egyptian psychiatric patients. Encephale(4) 26:1-10
Okasha, A., Omar, A. M., Lotaief, F., Ghanem, M., Seif el Dawla, A., Okasha, T. (1996). Comorbidity of axis I and axis II diagnoses in a sample of Egyptian patients with neurotic disorders. Comprehensive Psychiatry, 37, 95-101
Al-Khawaga, E. (1991). The role of domipramine in obsessive-compulsive disorder: A clinical, biochemical and psychometric study. Master Thesis, Tanta University,Egypt, 1-151
Tobar S. (1993). Comparative study between obsessive compulsive disorder and hysterical patients. Master thesis, Mansoura University, Egypt, 2-122
Abdel-Khalek, A. & Lester, D. (1999). Obsession-compulsion in college students in the United States and Kuwait. Psychological Reports, 85(3 Pt 1) 799-800
Abdel-Khalek, A. & Lester, D. (2000). Obsession-compulsion, locus of control, depression and hopelessness: a constructive validity of the Arabic obsessive-compulsive scale in American and Kuwaiti students. Psychological Reports, 86 (3 Pt 2 ) 1187-1188
El-Rakhawy, M.Y.,(1992). Some variables related to the obsessional manifestations and symptoms in children attending psychiatric clinics. Master thesis. Cairo University,Egypt,1 –12
Mahgoub, O. M. & Abdel-Hafeiz, H. B. (1991). Pattern of obsessive compulsive disorder in Eastern Saudi Arabia. British Journal of Psychiatry, 158, 840-842
Al-Sabaie, A., Abdul-Rahim, F. & Al-Hamad, A. (1992). Obsessive-compulsive disorder. Annals of Saudi Medicine. 12, 558-561
Parhad, L. (1957). Practice of Psychiatry in Kuwait. Transcultural Psychiatric Researches, 3, 5
Tezcan, E. & Millet, B.(1997). Phenomenology of obsessive-compulsive disorder: forms and characteristics of obsessions and compulsions in East Turkey.Encephale,23(5)342-350
Ammar, S. (1968). Fifteen years of psychiatric work in Tunisia. Transcultural Psychiatric Research , 5, 152
Karam, E. Mental health research in the Arab World 1966-1999. Institute for development research and applied care (IDRAC). Beirut: Lebanon,1999
El-Saadani, M. (1996). Epidemiological, Phenomenological & Biochemical study of obsessive compulsive disorder patients in Alexandria, MD Thesis. Alexandria University, Egypt , 1-286
واقرأ أيضاً:
تاريخ اضطراب الوسواس القهري / الطب النفسي الإسلامي