أرسلت أميرة (السعودية، 24 سنة) تقول:
أردت التنبيه على ضعف هذا الحديث: "إن للوضوء شيطانا يقال له: ولهان. فاتقوا وسواس الماء" حديث ضعيف جدا كما جاء في ضعيف ابن ماجه 87 في صفحة (نطاق الوسواس القهري) للدكتور وائل أبو هندي،
وأتمنى التأكد من جميع الأحاديث ودرجتها... وجزاكم الله خيرا.
23/9/2008
السلام عليكم ورحمة الله؛
الأخت الغالية أميرة، أشكرك على ملاحظتك وتنبيهك، وأحمد فيك حرصك على التمسك بالصحيح من نصوص السنة النبوية، رزقنا الله جميعاً حسن المتابعة للنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم. وأظن أن الدكتور وائل على علم بدرجة الحديث وإن لم يذكرها في المقال الذي قرأتِ، لأنه ذكر ذلك في مقالة أخرى بعنوان "فقه المسنتكح سلاسل ذهبية في علاج الوسواس القهري". وأود أن أطمئنك أنه لا بأس بالاستشهاد بهذا الحديث بالطريقة التي مشى عليها الدكتور في ذلك المقال. وتوضيح ذلك يتناول أمرين:
الأول: ما حكم إيراد الأحاديث الضعيفة في المقالات العلمية؟
والثاني: هل أخطأ الدكتور حين أورد الحديث في هذا الموضع من مقاله؟
وبالنسبة للأمر الأول: لا شك أن المقالات العلمية التي تُذكر فيها النصوص الشرعية هي كغيرها من المقالات والبحوث الشرعية، يمكن أن تحتوي أحكاماً شرعية تحتاج إلى أدلة صحيحة، ويمكن أن تحتوي غير ذلك. لذلك فإن استخدام الأحاديث الضعيفة فيها ينطبق عليه الشروط التي ذكرها العلماء للعمل بالحديث الضعيف عامة، وخلاصة القول أن العلماء ذهبوا في ذلك ثلاثة مذاهب:
الأول: لا يعمل بالحديث الضعيف مطلقاً لا في استنباط الأحكام الشرعية المعروفة (الواجبات، والمحرمات، والمندوبات، الخ)، ولا في الاستشهاد في مجال فضائل الأعمال، والأخلاق ونحوها، كذكر الثواب المترتب على بر الوالدين، أو قيام الليل، أو فضل التحلي بالصبر عند التحدث عن أخلاقيات الطبيب -مثلاً-.
الثاني: أنه يعمل به مطلقاً، ونسب ذلك إلى الإمام أحمد رحمه الله، لكن قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": (وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم، بحيث لا يسوغ الذهاب إليه فالعمل به. بل الحديث الضعيف عنده قسيم [مقابل] الصحيح، وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه [يعني إن لم يكن في الموضوع الذي يتكلم عليه الحديث حديثاً آخر يخالفه]، ولا قول صاحب [صحابي]، ولا إجماعاً على خلافه، كان العمل به عنده أولى من القياس).
الثالث: وهو المعتمد عند الأئمة، أنه يعمل به في فضائل الأعمال دون الأحكام الشرعية. وذلك بشروط:
1- أن لا يكون الحديث شديد الضعف، كأن يكون في سنده من هو متهم بالكذب.
2- أن يندرج تحت أصل معمول به، فالحديث الضعيف الذي ذكره ابن حجر العسقلاني في "تهذيب الترغيب والترهيب" في فضل صلاة اثنتي عشرة ركعة لقضاء الحوائج وفيه: ((واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات، وآية الكرسي سبع مرات))، لا يعمل به لأنه لا يندرج تحت أصل معمول به، لأنه لا أصل لقراءة القرآن في السجود على وجه التلاوة.
3- أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط، لئلا يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله.
نأتي للأمر الثاني: هل أخطأ الدكتور وائل باستشهاده في هذا المقال بهذا الحديث الضعيف؟
حسب الشروط السابقة: لا يصح إيراد هذا الحديث، فالحديث ضعيف، بل ربما شديد الضعف، وجاء الاستشهاد به في حكم شرعي، إذ إنَّ أمْرَ النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الاستجابة لوسواس الوضوء، يفيد وجوب قطع الوسواس وعدم الالتفات إليه، والوجوب حكم شرعي.
ولكن تأملي معي كيف ساق الدكتور هذا الحديث في مقاله: لقد استشهد به على مشروعية العلاج السلوكي بوقف الأفكار ومقاومة الأفعال القهرية، وأتى به بعد مجموعة من الأحاديث الصحيحة التي تدل على نفس الحكم. فأتى هذا الحديث للاستئناس فقط لا غير، وليس لبناء الأحكام عليه.
ولو فرضنا عدم وجود أي حديث سوى هذا الحديث يدل على مشروعية وقف الأفكار والأفعال، لكان الأخذ به غير جائز حتماً، ولا يُعَوّل على الأحكام المأخوذة منه.
إذن: لا بأس بإيراد هذا الحديث على هذا النحو في المقال لأن الحكم مأخوذ من أحاديث صحيحة وجاء هذا في معناها.
أرجو أن يكون في ما كتبت إيضاحاً لأمر إيراد هذا الحديث، وأسأل الله لنا ولك التوفيق
واقرأ أيضاً:
الوسواس القهري بينَ عالم الغيب والشهادة / منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري / وساوس الوضوء : وسواس حفظ الوضوء / ما هو اضطـراب الوسواس القهري؟