أرسلت مسلمة (25 سنة، صيدلانية) تقول:
منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري مشاركة 5
سؤال لأطمئن
السلام عليكم، الأخت الفاضلة رفيف،
جزاك الله خيراً كثيراً على هذه المقالات الرائعة. عندي سؤال: عانيت من فترة من وسواس ذي شقين،
بدأ أولاً بكثرة الانتباه إلى المذي وهل خرج أم لا؟ وهل أي فكرة تنقض الوضوء؟........ ثم تطور حتى تداخل معه وسواس آخر هو ورود الكثير من الأفكار الجنسية في ذهني، من قبيل كثرة تخيّل الناس عراة- خصوصاً الرجال-، وتخيّل شكل العلاقة الجنسية... إلخ.
ثم تدهور الحال حتى صار هذا الوسواس يحوّل كل فكرة إلى فكرة جنسية! لدرجة أني أحياناً عند تخليل أصابع قدمي أثناء الوضوء تتابع الأفكار في جزء من الثانية لتصل في النهاية إلى فكرة جنسية، فإذا ما اجتمع هذان النوعان فإنه العذاب.
الحمد لله وحده، أنا مدركة لحقيقة ما عندي وأحاول جاهدة الوصول لحل، بدأت بسؤال فقهي عن الطهارة والمذي وأراحني من حوالي 70 % من شكوكي وهواجسي، وجربت مع نفسي العلاج السلوكي، فأنا أحاول أن أشغل نفسي بأي شيء إذا وردت في خاطري فكرة جنسية، وأحياناً يفلح هذا في طردها وأحياناً لا، وأقنعت نفسي بعد جهاد طويل أنه مهما جاءني من أفكار دخيلة في صلاتي فإنها لا تتسبب في نزول المذي لأنه كما قال لي من استشرته أنه لا يخرج مع الأفكار العارضة.
الآن، توقفت حالتي أنني وبفضل الله أستطيع مقاومة الرغبة في إعادة الوضوء قبل الصلاة أو التأكد من خروج الإفرازات وأستخدم مع نفسي أسلوب "الطناش" أي إهمال الفكرة، لكن الأفكار لا تتركني خصوصاً أثناء الوضوء، وفي الصلاة تكون في أعلى معدلاتها، تليها في الشدة تلك التي تأتيني إذا قررت الاحتفاظ بوضوئي لفترة كما بين صلاة المغرب والعشاء مثلاً، ثم ما تأتيني في الأوقات العادية، وتخف جداً أثناء فترة الحيض.
سؤالي: إذا استخدمت أسلوب "الطناش" مع الأفكار وأقنعت نفسي بأنها لا تسبب الإفرازات، ولكن في مرة من المرات خرجت الإفرازات بالفعل بسبب الأفكار، فهل يسقط عني هذا الإثم بسبب أني أقاوم ما لا حيلة لي به- أي لا يحاسبني الله عليه؟ حيث أني منذ بدأت أستخدم هذه الطريقة بدأ الشيطان يوسوس لي بأفكار جديدة.
مثال: كانت ترد على ذهني صورة الجماع... جاهدت كثيراً حتى أقنعت نفسي أنها لا شيء فيها ولا تنقض الوضوء، فيأتي لي الشيطان بأفكار أخرى لأحتار من جديد وأصرف وقتي في الحكم عليها، حتى إذا فرغت منها جاءت فكرة ثالثة... وهكذا.
وأسأل أيضاً: أحياناً تأتيني فكرة أني لست موسوسة في خروج المذي ولكن الوسواس عندي هو في الأفكار الجنسية، لذلك فإنه لا يجوز لي الأخذ بالرخص بل يجب عليّ الاحتياط، لأن الأفكار قد تسبب خروج الإفرازات فعلاً (بمعنى أن مرضي متعلّق فقط بورود الأفكار وليس بالشك في الإفرازات).
آسفة على الإطالة وأتمنى أن تفهمي كلامي المشتت.
شكراً جزيلاً.
23/4/2009
السلام عليكم، الأخت الفاضلة،
إن خوفك من انتقاض وضوئك، وخوفك من الأفكار الجنسية هو الذي جعل هذه الوساوس تلازمك وتكثر عليك، وكأنك تدورين في حلقة مفرغة، تخافين من انتقاض الوضوء فتأتيك الأفكار فتخشين أن ينتقض الوضوء بسببها فيأتيك وسواس خروج المذي، وهكذا.... مع أن هذه الوساوس غير مخيفة أبداً؛ فأولاً هي خارجة عن الإرادة فلا مؤاخذة بها، وليس عليها عقاب في الآخرة.
وثانياً: هي سبب لجلب الحسنات، وهذا أدعى أن تفرحي بها لا أن تنزعجي منها! فأنت رغم ورود الأفكار الجنسية على ذهنك لا تنساقين وراءها ولا تعملين بمقتضاها، والامتناع عن المعصية رغم وجود دواعيها عليه أجر عظيم. وأنت تحتسبين ما تعانين منه عند الله وتصبرين عليه، و((إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)).
وثالثاً: كما قيل لك: إن ورود هذه الأفكار دون الاسترسال فيها والركون إليها لا يتسبب بنزول المذي. وحتى لو نزل كما افترضت –وهو لن يحصل- فإنك غير محاسبة عليه، لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وهذا خارج عن وسعك...
فهذه الأفكار إذن غير مهمة وغير مخيفة بالمرة مهما تنوعت وتبدلت، فاتركيها تمر على ذهنك مرور الكرام، واصرفي انتباهك عنها، واشغلي نفسك بغيرها لا لأنك تخافين وتريدين الهروب منها، ولكن لأنها تافهة لا تستحق كل هذا الاهتمام منك... فاستمري على صرف الانتباه وترك التأكد بالنسبة لانتقاض الوضوء، وأما الوساوس التي تأتيك في الصلاة، فخير دواء لها أن تحفظي كل يوم بعض الآيات من القرآن الكريم وتقرئيها في الصلاة، ومحاولتك للتركيز في الحفظ الجديد واستذكار الآيات كفيل بأن يشغلك عن الوساوس ويصرف ذهنك عنها، أرأيت فوائد مقاومة الوسواس! ستنتهين من وسواسك ومن حفظ كتاب الله تعالى معاً!
وبالنسبة لسؤالك الأخير، فقد وجدته حالة مكررة عند الموسوسين، فعندما يخبر الموسوس بحكم أو علاج لوسواسه يأتيه وسواس آخر يقول له: لعل هذا الحكم لا ينطبق عليك! ولعل حالتك مختلفة فلا يجوز لك العمل بذلك العلاج! وووو... وكل هذا أقنعة يختبئ خلفها الوسواس والقصد منها واحد وهو أن يشعرك أنك على خطأ، وأنك مقصرة... فكلما جاءتك هذه الفكرة فقولي بحزم: أفعالي صحيحة، وأنا غير مذنبة.. واقطعي الأفكار فوراً وتابعي ما أنت فيه.
ثم انتبهي إلى نفسك كيف أن عندك شعور بأنك على خطأ دوماً، فقد اعتذرت عن الإطالة ظناً منك أنك أزعجتني، رغم أنك لم تطيلي ولم تزعجيني! ثم وصفت كلامك بأنه مشتت، مع أنه غير مشتت ولكن عندك شعور كاذب بهذا... لهذا كرري على ذهنك دائماً أن (الأصل براءة الذمة) يعنى أن الأصل أنك لم تفعلي شيئاً غير صحيح ولم تذنبي حتى يثبت ذلك عندك بيقين... فإن ثبت فكل ذنب وكل خطأ له ما يصلحه ويكفره وتعود الأمور كما كانت وكأنك لم تفعلي شيئاً... فما المخيف في الأمر؟! أسأل الله تعالى أن يكون معك، ويشفيك من وساوسك، وتابعينا بأخبارك...
ويتبع >>>>>>>: منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري مشاركة7