ينظر كثير من الأطباء في الفروع الأخرى إلى الطب النفسي نظرة معقدة!!؛ فهي خليط من التعجب المصحوب بالاستنكار والاستخفاف أحياناً لهذا الفرع الحساس من فروع الطب، والتي يُصطلح على تسميتها في بلادنا أحياناً "بوصمة طب المجانين وأطباء المجانين!!" وتزداد تلك النظرة المعقدة حدة في منطقتنا، وذلك لأن كليات الطب في بلادنا لا تهتم كثيرا بتدريس ساعات طويلة من العلوم السلوكية وعلم النفس والاضطرابات النفسية المختلفة في الطب النفسي لطلابها، والذين هم أطباؤها في المستقبل القريب!، فطالب الطب في بلادنا لا يزيد نصيبه من تلك العلوم السابقة عن خمسين ساعة طوال سنوات دراسته الست للطب سواء الجانب النظري أو العملي من دراسته لتلك العلوم الإنسانية والطبية الهامة!، (بينما متوسط ما يدرسه أي طالب بالجامعات الأوروبية والأمريكية لهذه العلوم حوالي خمسمائة ساعة خلال دراسته في كلية الطب وقبل تخرجه وحصوله على درجة البكالوريوس في الطب، أي عشرة أضعاف ما يدرسه طالب الطب في بلادنا).
وهذا الرقم البسيط القليل من ساعات الدراسة النظرية والعملية لتلك العلوم الهامة في بلادنا يتوافر لطلاب الطب بالجامعات الكبرى فقط في بلادنا، بينما يقل عدد الساعات الدراسية كثيراً عن ذلك الرقم في كثير من جامعات الأقاليم!، ونتيجة لنظرة الأطباء غير النفسيين في الفروع الأخرى مثل الجراحة أو الباطنة أو العيون أو النساء والتوليد، بل أقول الأساتذة في الكليات الأخرى كالهندسة والتجارة والتربية وغيرهم من الجامعات، وكل هؤلاء بالطبع يشاركون في تقرير عدد الساعات الدراسية لكل مادة من المواد الدراسية في الكليات المختلفة على مستوى كل بلد!!، وذلك من خلال اللجان المختصة بتحديد مناهج الدراسة لكل كلية، والتي يقررها المجلس الأعلى للجامعات بكل بلد من بلاد منطقتنا، وبدلا من أن تهتم تلك اللجان بزيادة الساعات المقررة لدراسة طلاب الطب -لعلمي النفس والطب النفسي- بكليات الطب المختلفة نجد تلك اللجان تقتنص من عدد الساعات المقررة لدراسة تلك العلوم الهامة -والتي تؤثر في تفهم الطبيب المتخرج لنفسية أي مريض يأتيه، وكيف يُحسن معاملته- لتضيف تلك الساعات لدراسة مناهج أخرى جديدة ومتطورة مثل الكيمياء الحيوية والوراثة وأمراض المناعة والعقم وغيرهم من علوم الطب سريعة التطور.
نتيجة لكل ما ذكرت، يكون طالب الطب ببلادنا غير ملم إلا بقشور القشور عن العلوم السلوكية وعن الطب النفسي، ولأن الإنسان منا دائما هو عدو لما يجهله؛ نجد العديد من الأطباء في الفروع الأخرى وجلين وخائفين من زملائهم الأطباء النفسيين، ويتصورون مثلاً أن زميلهم الطبيب النفسي يستطيع قراءة أفكارهم إن هم جلسوا وتكلموا معه!!، أو أن زميلهم الطبيب النفسي "لسع وضرب وجُن رسمياً" لأنه اختار هذا التخصص دوناً عن غيره!!، وكأن الطبيب النفسي هو مجرد مُعالِج للذُهَانيِين المزمنين –والمفقود الأمل في شفائهم– والمُودَعين من ذويهم في المصحات النفسية بعد أن يأسوا من شفائهم، وأحس أهلهم أنهم عبئاً ثقيلاً عليهم، فأودعوهم تلك المصحات "سيئة السمعة"!!!.
وفي دراسة شيقة عن توجه أهالي المرضى الذهانيين وأهالي المرضى العصابيين وكذلك توجه الأطباء غير النفسيين نحو أسباب المرض النفسي ونحو العلاج بالعقاقير النفسية ونحو العلاج بجلسات الكهرباء، ولنقرأ معاً الملخص العربي لذلك البحث، والذي شارك في عمله وكتابته كل من الأطباء النفسيين: فاطمة الكعكي من جدة بالمملكة العربية السعودية، وطارق أسعد ومصطفى السعدني من مصر:
Attitude of non-psychiatric physicians towards mental illness in Arab communities: a comparative study with a sample of relatives of psychiatric patients in the same communities.
في هذه الدراسة تم استطلاع رأي خمسين من الأطباء غير نفسيين، وخمسين من أقارب المرضى الذهانيين، وخمسين من أقارب المرضى العصابيين، وقد وُجِد أنه ليس هناك فرقا ذا دلالة من حيث معرفة الأطباء غير النفسيين وأقارب المرضى لأسباب العوامل المؤدية للمرض العقلي؛ ونفس النتيجة بالنسبة إلى مواقفهم من العلاج البديل، أما بالنسبة إلى موقف الأطباء غير النفسيين من العقاقير النفسية، والعلاج بجلسات الكهرباء فقد كان أكثر سلبية من موقف أقارب المرضى.
مع العلم أن هؤلاء الأطباء غير النفسيين من جنسيات عربية مختلفة!، وهذا التوجه السلبي من الأطباء غير النفسيين (مثل الجراحين والباطنيين وأطباء العيون والأشعة والنساء والتوليد وغيرهم) نحو العلاج بالأدوية النفسية والعلاج بجلسات الكهرباء يضيف إلى كاهلنا المُتعب كأطباء نفسيين وكأساتذة في الطب النفسي عبئاً كبيراً في تغيير توجه زملائنا الأطباء نحونا أولاً، وإزالة "وصمة الجنان" عنا، وليس تثبيتها علينا أليس كذلك يا عمنا الأستاذ الدكتور وائل ولا إيه؟؟؟!!!!!.
واقرأ أيضًا:
الطبيب النفسي غير مستقر نفسياً! ×× / الطب النفسي وعلم النفس من إفراز الحضارة الغربية ×× / الطبيب النفسي لديه قدرات خارقة ×× / الطبيب النفساني بين الواقع والمتوقع ××