لفت نظري ودفعني للبحث وراء أفكار وكتابات، بل وقصة حياة هذا المستشرق والمفكر الصهيوني، ذلك الهَرِم الذي تجاوز التسعين من عمره، وكان ما ذكره الصحفي والمذيع أحمد المسلماني صاحب برنامج "الطبعة الأولى" على قناة "دريم الثانية" هو: أن هذا الرجل أجتمع برئيس وزراء الكيان الصهيوني "يهود أولمرت" لأكثر من مرة في السنوات الأخيرة، وأسدى إليه العديد من النصائح كي يستمر هذا الكيان البغيض متسلطا على شعوب منطقتنا.
برنارد لويس من مواليد 31 مايو عام 1916 بلندن (وهو أستاذ فخري لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون بالولايات المتحدة)، وتخصص في تاريخ الإسلام والتفاعل بين الإسلام والغرب، وتشتهر أعماله بالتخصص في تاريخ الدولة العثمانية.
لويس هو أحد أهم علماء الشرق الأوسط الغربيين التي طالما سعت إليها السياسة. هو مولود من الطبقة الوسطى للآباء اليهود في لندن، أصبح محبا اللغات والتاريخ منذ سن مبكرة في حياته، أهتم باللغة العبرية منذ صغره، ثم انتقل إلى دراسة الآرامية والعربية، ثم بعد ذلك، تعلم اللاتينية واليونانية والفارسية والتركية، ولإجادته لهذا القدر الكبير من اللغات الأجنبية، وكذلك التاريخ كانت هديته من المحافل الصهيونية الغربية كتابا عن تاريخ اليهود!!.
تخرج عام 1936 من مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن ، ثم من كلية الدراسات الشرقية (SOAS )، مع الإشارة بوجه خاص إلى الشرق الأدنى والأوسط، والحصول على الدكتوراه بعد ثلاث سنوات، من SOAS ، متخصصا في تاريخ الإسلام.
اتجه لويس أيضا لدراسة القانون، وتوجه في جزء من حياته إلى تعلم القانون ليصبح محاميا، ثم عاد إلى دراسة تاريخ الشرق الأوسط في عام 1937. ثم تعهد الدراسات العليا في جامعة باريس، حيث درس مع لويس ماسيغنون وأحرز "دبلوم الدراسات sémitiques" ، وفي عام 1937 عاد إلى SOAS ، ثم في عام 1938 عين كمساعد محاضر في التاريخ الإسلامي.
أثناء الحرب العالمية الثانية خدم لويس في الجيش البريطاني في الهيئة الملكية المدرعة وهيئة الاستخبارات في عامي1940-1941 ، وبعد الحرب عاد إلى عمله الأكاديمي، وفي عام 1949 عين أستاذا لكرسي جديد في تاريخ الشرق الأدنى والأوسط وعمره حينئذ 33 سنة.
المؤرخ الصهيوني برنارد لويس
انتقل برنارد لويس في منتصف السبعينات إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث أصبح بروفيسيراً محاضراً في جامعة برِنستون، وهي واحدة من كبريات الجامعات الأميركية الثمانية، المسمّاة "آيفي ليغ" (تضم، إلى جانب برِنستون، جامعات براون، كولومبيا، كورنيل، دارتموث، هارفارد، بنسلفانيا، ويال). في العام 1982 حصل على الجنسية الأميركية، وبعد تقاعده الرسمي عام 1986، حافظ على مقعده الفخري في برِنستون حيث يقوم بأبحاثه التاريخية ويُصدر كتبه ذات الانتشار الواسع والتأثير الكبير في صناعة الرأي والقرار في الولايات المتحدة والغرب عامةً.
من خلصائه وحواريه وأصدقائه ومعتنقي أفكاره الكثيرين، من أمثال: ديك تشيني (نائب الرئيس الأميركي)، كارل روف (مستشار الرئيس)، ريتشارد بيرل (الرئيس السابق للجنة التخطيط الاستراتيجي في البنتاغون)، بول وولفوويتز (نائب وزير الدفاع)، جيمس ووزلي (المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية وعضو مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، شيمون بيريز وأحمد الجلبي، وبالطبع بوش وبلير وغيرهم من قادة المحافظين الجدد. ينتمي برنارد لويس إلى نخبة من المفكرين والباحثين التاريخيين وقادة الفكر الإستراتيجي في الولايات المتحدة، أمثال صاموئيل هانتنجتون Huntington) (Samuel ، صاحب نظرية "صراع الحضارات"؛ والتي استقاها من مقالة للويس بعنوان "عودة الإسلام"1)، وفرانسيس فوكوياما (Francis Fukuyama)، القائل بـ"نهاية التاريخ"، وهؤلاء جميعاً تبنّت أفكارهم ونظرياتهم الداعية، في جلّها، إلى تكريس النظرة الأحادية إلى العالم من بوابة الإمبراطورية الأميركية المنتصرة، وذلك مع مجموعة من صناع القرار في واشنطن، "من المحافظين الجدد"، وروّجت مؤسسات الأبحاث السياسية والإستراتيجية لتلك النظرة الأحادية، وصارت كتبهم على قائمة المبيعات الأكثر رواجاً وتغطية على الصعيد الإعلامي الدولي.
نجحت هذه المجموعة ودعاتها والمروّجين لأفكارها ومناهجها الفكرية الاستعلائية في دعم التنميط المستشري أصلاً في المجتمع الأميركي، لصورة العرب والمسلمين السلبية، وفي تقديم بعداً فلسفياً وفكرياً عميقاً عن العرب والمسلمين، خاصة بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 وارتداداتها الداخلية والخارجية، وعلى خلفية استشراء ثقافة الخوف من الإرهاب التي اجتاحت المجتمعات الأميركية منذ تلك الأحداث، انتشرت على جميع المستويات الثقافية والعقائدية، بما في ذلك تلك التي تعتدّ بتحررها، الكثير من التعميمات النمطية التبسيطية المتعجرفة، والتي وجدت أرضيةً خصبةً لها في الأوساط الإعلامية الأميركية المعادية أصلاً للعرب والمسلمين؛ مثالٌ على تلك التعميمات التي أصبحت متداولةً على ألسنة النخب الخاصة بالإضافة للعامة من الشعب الأمريكي: "هذا هو الإسلام!"؛ "المسلمون أعداء التغيير!"؛ "هم هكذا دائما!"؛ "كان المسلمون وسيظلون على ما هم عليه!"؛ "الإسلام نقيض الديمقراطية!"؛ "العرب معادون للديمقراطية!"؛ "الإسلام ضد الحرية!"؛ "إنهم يكرهوننا لأننا نحب الحرية!".. إلخ، وزاد في تفشي هذه الظاهرة وجود "مستشرقين"، من أمثال برنارد لويس، يمتلكون من الخلفية الثقافية والفكرية والمؤهلات الأكاديمية والبحثية والخبرة في الطرح والنقد والمجادلة وصناعة الرأي ما يسدِّد مراميهم ويؤيِّد نظرياتهم.
ولقد وقف المفكـِّر العربي الفلسطيني الأميركي الراحل د. إدوارد سعيد، وهو أحد صنـّاع الثقافة الغربية في الربع الأخير من القرن المنصرم والناقد الأهم لحركة "الاستشراق الغربية المنحازة"2- نداً عنيداً وناقداً صارماً لتلك الشريحة من المستشرقين الذين "خانوا رسالتهم كبحاثة أمناء في تاريخ المشرق"3 وقد كان له رحلة مخصوصة مع "عميد الاستشراق" برنارد لويس، مفنداً مزاعمه وتعميماته، ومبرزاً حجم التناقضات التي وقع فيها في أبحاثه وتحليلاته، وكاشفاً حقيقة مقاصده ومراميه؛ لاسيما لجهة التزامه نحو دعم التصوّر الصهيوني، بشكلٍ سافرٍ ومبطنٍ في آن واحد؛ لكن سعيد لم يوفق في مساعيه النقدية في التصدي لهؤلاء "المستشرقين الجدد" لأسباب عدة أبرزها أنه عربي الأصل، وبالتالي فهو لم يكن محايداً- من وجهة نظر أميركية- في مواجهة مفكر صهيوني مثل لويس، حيث اتهمه لويس بأنه لم ينظرَ إلى حركة الاستشراق إلا من زاوية مؤامراتية تخدم المصالح الإمبريالية على حساب شعوب المنطقة. [وبالطبع سيكون الصوت الأعلى للصهاينة المتحدين والمتفقين على دعم فكرهم الأناني العدواني على المستضعفين من البشر].
أهم مؤلفات برنارد لويس:
• "العرب في التاريخ" (The Arabs in History)؛ 256 ص؛ لندن – 1950
• "ظهور تركيا الحديثة" (The Emergence of Modern Turkey)؛ 524 ص؛ نيويورك – 1961
• "الحشاشون: فرقة متطرفة في الإسلام" (The Assassins: A Radical Sect in Islam)؛ 176 ص؛ لندن – 1967
• "المسلمون يكتشفون أوروبا" (The Muslim Discovery of Europe)؛ 352 ص؛ نيويورك – 1982
• "يهود الإسلام" (The Jews of Islam)؛ 280 ص؛ نيويورك - 1987
• "الإسلام: من النبي محمد وحتى فتح القسطنطينية" (Islam: From the Prophet Muhammad to the Capture of Constantinople)؛ 352 ص؛ نيويورك – 1987
• "لغة السياسة في الإسلام" (The Political Language of Islam)؛ 184 ص؛ شيكاغو – 1988
• "العرق والرق في الشرق الأوسط" (Race and Slavery in the Middle East)؛ 224 ص؛ نيويورك – 1990
• "عالم الإسلام: إيمان وشعوب وثقافة" (The World of Islam: Faith, People, Culture)؛ 360 ص؛ نيويورك – 1991
• "الإسلام والغرب" (Islam and the West)؛ 240 ص؛ نيويورك – 1993
• "الإسلام في التاريخ: أفكار وشعوب وأحداث في الشرق الأوسط" (Islam in History: Ideas, People and Events in the Middle East)؛ 496 ص؛ شيكاغو – 1993
• "تشكيل الشرق الأوسط الحديث" (The Shaping of the Modern Middle East)؛ 200 ص؛ نيويورك – 1994
• "ثقافات متناحرة: مسيحيون ومسلمون ويهود في عصر الاكتشاف" (Cultures in Conflict, Christians, Muslims and Jews in the Age of Discovery)؛ 126 ص؛ نيويورك – 1994
• "الشرق الأوسط: تاريخ موجز لألفي عام" (The Middle East: A Brief History of the Last 2,000 Years)؛ نيويورك – 1995
• "كمال أتاتورك: تحويل صورة أمة" (Kemal Atatürk : Transforming the Image of a Nation)؛ 141 ص؛ 1995
• "مستقبل الشرق الأوسط" (The Future of the Middle East)؛ لندن – 1997
• "الهويات المتعددة للشرق الأوسط" (The Multiple Identities of the Middle East)؛ 176 ص؛ لندن – 1998
• "فسيفساء الشرق الأوسط" (A Middle East Mosaic)؛ 496 ص؛ نيويورك – 2000
• "ما الخطأ؟" (What Went Wrong?)؛ 208 ص؛ لندن/ نيويورك، 2002.
• أزمة الإسلام: الحرب المقدّسة والإرهاب المدنـَّس (The Crisis of Islam: Holy War and Unholy Terror) ؛ 190 ص؛ نيويورك - 2003
المصادر
1. Edward Said, “Islam Through Western Eyes,” The Nation, 3 April 1980, available at http://www.thenation.com/doc.mhtml?i=19800426&s=19800426said
2. Edward Said, Orientalism (New York: Vintage Books, 1978).
3. إدوارد سعيد؛ "النزعة الإنسانية السور الأخير في وجه البربرية"؛ لوموند ديبلوماتيك؛ أيلول (سبتمبر) 2003.
ويتبع >>>>>: برنارد لويس: موسوعية وانتقائية وتعميم