المؤرخ الصهيوني برنارد لويس: أي تاريخ؟
يقول لويس أنه غداة سيطرة الدول الأوروبية على منطقة الشرق الأوسط، مطلع القرن الماضي، لم تقم بضمّ تلك البلدان إلى سيادتها المطلقة بالشكل التقليدي الذي مارسته في بقية المستعمرات والملحقات الأخرى حول العالم، فقد أوكلت عصبة الأمم حينها إلى كل من فرنسا وبريطانيا انتداب تلك البلدان وإدارتها ضمن مهمة واضحة الأهداف وهي تدريب تلك الشعوب، أو تهيئتها لإدارة شئونها ذاتياً واستقلالها لاحقاً عن سلطة الانتداب، وذلك ضمن فترة قصيرة جدا، بين الحربين العالميتين، وقد تم، مع نهاية الحرب العالمية الثانية، إعلان انتهاء فترة الانتداب ومُنحت تلك البلدان استقلالها، فيما بقي القسم الأكبر من شبه الجزيرة العربية خارج سيطرة الدول المستعمِرة.
مع ذلك، فقد كان التأثير السلبي لتلك الحقبة كبيراً جداً في نظر شعوب المنطقة، ورغم تأكيد لويس على أن هذا التأثير ومضاعفاته السلبية كانا كبيرين، إلا أنه يعتبره أدنى بكثير، ولأسباب غير أحادية الجانب، وهو على خلاف ما صوّرته الأدبيات الوطنية بعد ذلك، فقد كان لتلك الفترة أيضاً حسناتها، خصوصاً على صعد إنشاء البنية التحتية، والخدمات العامة، ونظم التعليم والتغييرات الاجتماعية التي أدت إليها لدى تلك الشعوب، لاسيما لجهة إنهاء ممارسة "العبودية" والانخفاض الكبير في انتشار ظاهرة تعدد الزوجات، مع أنه لم يقضِ على هذه الظاهرة بالكامل.
ويمكن بوضوحٍ تلمـّس الفارق بين مرحلتي الاستعمار والاستقلال، وذلك بإجراء مقارنة بين البلدان التي وقعت تحت نير الاستعمار، كمصر والجزائر مثلاً، وتلك التي لم تخسر استقلالها، كالسعودية وأفغانستان، فالسعودية مثلاً لم تعرف الجامعات إلا في فترة متأخرة وبأعدادٍ قليلة جداً، وفي حين يبلغ عدد سكان المملكة 21 مليون نسمة، فإن عدد الجامعات فيها لا يتعدى الثماني فقط مقارنة مع سبعة معاهد عليا أنشأها الفلسطينيون منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، أما العبودية فلم يتم حظرها في السعودية حتى العام 1962!، ولا تزال حقوق المرأة مسلوبة حتى اليوم!.
[وهذا الكلام من مغالطات لويس للتاريخ، فمعظم الجزيرة العربية لم يحتلها الغربيون لأنها كانت مناطق صحراوية غير آمنة على جنودهم، وفي نفس الوقت غير غنية اقتصاديا في ذلك الوقت؛ وقد اكتفوا فقط باحتلال المدن ذات القيمة الإستراتيجية لهم، مثل عدن باليمن، وإمارات الخليج العربي الغنية بالنفط في ذلك الزمن البعيد، بالإضافة إلى أن منطقة الحجاز بها مكة والمدينة وهما مدينتان مقدستان لدى الشعوب الإسلامية فقط، ولا داعي لاستثارة حفيظة المسلمين في المغرب والمشرق على المستعمرين الغربيين باحتلال تلك المنطقة ضئيلة الجدوى الاقتصادية بالنسبة لدول الغرب الاستعمارية!!، ورغم ذلك فلم تسلم منطقة الحجاز بالذات من مؤامرات الإنجليز ضد الأتراك، وبطريقة غير مباشرة وخبيثة؛ حيث قاموا بتأليب الشريف حسين، حاكم الحجاز، ودعمه –بعد أن وعدوه كذبا بأنه سيكون ملكا على عرب المشرق بعد نهاية الحرب العالمية الأولى- لإعلان العصيان على الخلافة الإسلامية باستانبول، وتشجيعهم للشريف حسين على القيام بالثورة العربية الكبرى، وذلك في أثناء الحرب العالمية الأولى؛
والخلافة العثمانية تحتضر على يد إنجلترا وفرنسا وروسيا من قبل، فقامت القبائل الموالية للشريف حسين بهدم خط سكة حديد الحجاز، والذي كان يربط بين استانبول والمدينة المنورة مارا بكثير من مدن الشام، واحتلال أتباع الشريف حسين لميناء العقبة وطرد الحامية العثمانية منه، كل تلك الأحداث مهدت لإصدار بلفور الصهيوني –ووزير خارجية بريطانيا- لوعده المشئوم في عام 1917، مع تنشيط هجرة أجداد برنارد لويس من الصهاينة من حارات اليهود بأوروبا وتركيا والعالم العربي وكل أنحاء المعمورة إلى أرض فلسطين، "أرض الميعاد" كما يقولون، وهذا هو التاريخ الذي لا يذكره أبدا برنارد لويس وأمثاله، هو لا يذكر مثلا أن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني -رحمه الله- رفض تماما بيع أرض فلسطين للصهاينة، رغم الضائقة المالية العنيفة التي كانت تمر بها الدولة العثمانية في ذلك الوقت].
فشل الحداثة
يعيد برنارد لويس سبب فشل المسلمين في مواجهة تحديات الحداثة إلى تمسكهم الطوطمي بأمجاد تاريخهم وموروثهم من هذا التاريخ، [قد يكون لبرنارد لويس بعض الحق في هذه المقولة، ولكن جزء من نهضة الأمم هو استلهام الأبناء لمجد الأجداد ومحاولة تقليد عظمة الأجداد واستعادة هيبتهم، وأوجه إليه سؤالا هنا: هل يكف الصهاينة في الأراضي المحتلة عن ذكر وتعليم أبنائهم أمجاد وملك سيدنا سليمان عليه السلام؟!، تلك الدولة اليهودية الدينية التي لم تستمر إلا حوالي سبعين عاما؟!، أنا أستبعد ذلك تماما؛ والدليل هو مناهجهم الدراسية التي تعمق وتؤصِّل تاريخيا للفكر الصهيوني الأناني لدى تلاميذ المدارس وفي كل المراحل الدراسية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك محاولاتهم اليائسة للبحث عن هيكل سليمان بحفر الأنفاق الممتدة والعجيبة تحت القدس بحثا عن هذا الهيكل!!!]، وهو ما يؤدي إلى انسداد الأفق أمام المحدّثين في نظرتهم الموضوعية إلى ما تعاني مجتمعاتهم من تخلف، وتمسّك الأصوليين بدور غشيم وظالم للإسلام وللعالم.
وفي سياق اشتغاله على مقولة تخلّف المجتمعات العربية وقصورها عن اللحاق بركب الحداثة، يعود لويس ليستشهد بسيلٍ من إحصائيات التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة والبنك الدولي، والتقارير شبه المستقلة الصادرة عن المؤسسات العربية والغربية غير الحكومية، التي تـُبرز وضاعة مركز الدول العربية والإسلامية مقارنة مع بقية دول العالم على كافة المستويات التنموية البشرية، اقتصادية وصحية وتربوية وثقافية وتكنولوجية. مثال ذلك أن لائحة تضم 27 دولة هي الأكثر مبيعاً للكتب في العالم، تبدأ بالولايات المتحدة وتنتهي بفيتنام، ولا تتضمن بلداً إسلامياً واحداً!!، فيما الأمثلة على صعيد التخلف الاقتصادي لا تُعد ولا تُحصى، ومنها أن الناتج المحلي الأعلى بين الدول ذات الأغلبية الإسلامية سجلته تركيا، في المركز الـ23، بسكانها البالغ عددهم 64 مليون نسمة، متخلفة بذلك عن الدنمرك التي لا يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة؛ [وأرد على كلامه هذا بقوله تعالى: "وتلك الأيام نداولها بين الناس" سورة آل عمران، الآية 140، فأين كانت الولايات المتحدة من أربعمائة عام؟!، وأين ذهب الاتحاد السوفيتي بعد أن كان منازعا على الزعامة في العالم لمدة سبعين عاما؟!، وأين الإمبراطورية الرومانية؟!، وأين إمبراطورية كسرى؟!، وأين ذهبت دول الفراعنة؟]!.
يقول لويس: "إن شعوب الشرق الأوسط على يقين متزايد من حجم الهوة التي تزداد اتساعاً بين الفرص التي يوفرها العالم الحر وبين الوضع المزري من الفقر والاضطهاد الذي يعانون منه. ردة الفعل الطبيعية هي أولاً ضد الحكام، وثانياً ضد القوى العظمى، وفي طليعتها الولايات المتحدة، التي تدعم وتحمي هؤلاء الحكام حفاظاً على مصالحها، لهذا لا يبدو مستغرباً أن يكون جميع المشاركين في هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في نيويورك وواشنطن هم من المملكة العربية السعودية ومصر، أي من الدول التي يعتبر حكامها من أهم أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة، أما أكثر الزعماء العرب شعبية لدى العامة في السبعينات فقد كان معمر القذافي، ثم تبوأ عرش الزعامة الشعبية في الثمانينات والتسعينات صدام حسين، وهذا بحد ذاته دليل ساطع على عمق المأزق الذي تعاني منه هذه الشعوب".
المصـادر:
1. Edward Said, “Islam Through Western Eyes,” The Nation, 3 April 1980, available at http://www.thenation.com/doc.mhtml?i=19800426&s=19800426said
2. Edward Said, Orientalism (New York: Vintage Books, 1978).
3. إدوارد سعيد؛ "النزعة الإنسانية السور الأخير في وجه البربرية"؛ لوموند ديبلوماتيك؛ أيلول (سبتمبر) 2003.
4. Edward Said, “Islam Through Western Eyes,” The Nation, 3 April 1980, available at http://www.thenation.com/doc.mhtml?i=19800426&s=19800426said
5. Bernard Lewis, “The Roots of Muslim Rage,” Policy, Vol. 17, No. 4, Summer 2001-2002; available at http://www.cis.org.au/Policy/summer01-02/polsumm01-3.pdf
6. Bernard Lewis, The Future of the Middle East: Predictions (London, 1997)
7. Bernard Lewis, The Crisis of Islam: Holy War and Unholy Terror (New York: Random House Trade Paperbacks, 2003)
8. Bernard Lewis, What Went Wrong? Western Impact and Middle Eastern Response (Oxford: Oxford University Press, 2002)
هذا هو قليل من كثير عن هذا المؤرخ الصهيوني الماكر المخادع؛ والذي يواصل مسيرة عبد الله بن سبأ، ويوحنا الإشبيلي، وزويمر، وشاخت، وزيهر، وجرونباوم، وتيودور هيرتزل، وحكماء صهيون، من المنظرين والداعمين للفكر الصهيوني الغادر، وغيرهم ممن يتربصون بأمتنا الدوائر؛ فانتبهوا أيها الشباب من أبناء أمتنا الواحدة، واعلموا أن حلبة الصراع قائمة، وأن أعداءنا قد شرعوا كل أسلحتهم المباحة والمحرمة، المشروعة وغير المشروعة؛ ليحرموا أبناء تلك الأمة من النهضة والوحدة والتطور والرقي، ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا: ".... فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ"(الرعد:17)، ويقول تعالى: ".....وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ"(يوسف:21).