تشكلت مؤخراً جمعية خاصة بالنساء الأسيرات المحررات في مدينة جنين في الأراضي المحتلة. وطبقاً لأقوال السيدات اللواتي أقمن الجمعية، فإن الهدف من إقامتها هو الاهتمام بالنساء المحررات من سجون الاحتلال. وهو اهتمام يتعلق بالعلاقة بين المرأة الأسيرة والمجتمع الفلسطيني، من حيث التأهيل والتشغيل والتعليم. وقد يكون الهدف الأساس لهذا التجمع هو التعاطي مع الجوانب السلبية لموقف المجتمع من المرأة المعتقلة!
بعبارة أخرى، فإنـه وراء الزخرفـة السـياسـيـة الوطنيـة والشـعارات الرنانـة عن المرأة ودورها النضالي هناك تخلف في التعاطي معها كفرد لا سـيما حينما يتعلق الأمر بالحياة الخاصـة لها، ومن هذه بشـكل أسـاسـي موضوع الزواج.
ولا شك أن هاتيك النسوة يُحاولن كسر الصورة النمطية المكونة عن المرأة أو تجاهها في مجتمع ذكوري من جهة، وشرقي من حيث الإيديولوجيا والثقافة من جهة ثانية، ومتخلف صناعياً من جهة ثالثة.
قد يتساءل المرء، كيف تتقاطع هذه جميعاً مع بعضها البعض؟
فالمجتمع الذكوري يسحب ذكوريته على مختلف الرجال، مع بعض الاستثناءات المتخطية بطبيعتها ونقديتها، بمن في ذلك الرجال الذين دخلوا المعتقلات. وفي الغالب تكون هناك نظرة فيها شيئاً من النفور أو الرهبة من المرأة الأسيرة وتحديداً في الزواج. وقد تقوم هذه النظرة على ثقافـة الرجل التي لا ترى في البيت شـريكين، بل سـيداً وتابعتـه! هذا النمط من "الثقافـة" لا يمكنـه قبول المرأة الأسـيرة التي غالباً ما تكون لها شـخصيتها المسـتقلـة، بل يُفترض أنها بحكم التجربـة على الأقل لها اسـتقلاليتها وقناعتها الخاصـة ونظرتها للحياة والمجتمع.
يمكن لهذا الرجل أن يرى هذه المرأة كمشـروع اعتقال آخر، وهذا لا يُقنعـه بتكوين أسـرة يظل فيها اعتقال المرأة احتمالاً قائماً.
وفيما يخص المستوى الإيديولوجي، وهو غالباً ما تحمله النخبة، ولا نقول الطليعة، وتنشره في المجتمع يتحول عبر التطبيق العملي إلى فرش ثقافي يصل مختلف المواطنين فإن هذه النخبة المؤدلجة وما تُفرخه من تأثير في الثقافة، هي نفسها لم تكن قد حسمت أو قطعت في موضوع المرأة، الموقف من المرأة. فلا المثقف الإسلامي ولا المثقف القومي الوطني ولا المثقف اليساري في المجتمع الفلسطيني مقاتلين من أجل مساواة الجنسين. وبدل أن يكون مثقفو القوى السـياسـيـة مدافعين عن المسـاواة، نجدهم حينما يأتي الأمر إلى حق المرأة ينحنون أمام العادة والتقاليد. وهذا يكشـف عن انفصام بين المعتقد وبين الممارسـة، على الأقل فيما يخص القوى العلمانيـة تحديداً.
ربما من هنا يصبح لزاماً إدخال عنصر أو عامل التخلف/التصنيع في المعادلة. فالتصنيع بشكل أساسي هو الذي يفرض واقعاً موضوعياً يُقرب المرأة من الرجل من حيث المساواة كضرورة وليس تفضُّلا أو إدعاء ذكورياً. إن آلية العمل والإنتاج، وتحقيق دخل هي التي ترفع الثقافة العامة للرجل عن المرأة وليس النصح والإرشاد أو القراءة وحدها.
صحيح أن هذا الأمور كافة لا تخلع العوامل الرجعية المتجذرة المذكورة أعلاه، ولكنها تشكل لبنة للبناء عليها.
كلما تحرر الإنسـان من الملكيـة الخاصـة، كلما اقترب من تفهم المسـاواة بين الرجل والمرأة. فالطبقات الشعبية تسمح للمرأة بالعمل لأن الحاجة الاقتصادية توجب ذلك، وبقدر أقل يصح هذا على الطبقة الوسطى التي تساعدها في اتخاذ هذا الموقف ثقافتها وتعلُّمها. وبالمقابل، فإن نسبة قبول أو ميل البرجوازية لتشغيل المرأة هي عادة أقل، لأن ثقافتها في الملكيـة الخاصـة وعدم حاجتها المعيشـيـة تُغريها بالاحتفاظ بالمرأة كأداة جنـس وتجميل ومركز اجتماعي. وهذا يكشـف كيف أن الطبقـة البرجوازيـة هي محافظـة ورجعيـة أكثر من الطبقـة العاملـة.
أخبرني معتقل سابق قال: كنا في معتقل بئر السبع عام 1971، وكنت أنام على فرش قريب من زميل كان في الجيش الأردني، وبعد الاحتلال التحق بإحدى التنظيمات الفلسطينية. كان الحراك الثقافي الماركسي عالياً هناك. وقد تمكن آنذاك أحد الرفاق من غزة من إدخال كتاب: "المناظرة بين الحزبين الشيوعي السوفييتي والصيني" حيث أثار هذا جدلاً قوياً ومتواصلاًً. وذات يوم كنا نتحدث عن أُسرنا، فأخرجنا كل صور أُسرته. وقد لفت نظري صورة لأفراد أسرة، بينها صورة بلا رأس! فاكتشفت أن الرجل قد قطع رأس صورة زوجته وأبقى على رؤوس صور أبنائه!
قال الرجل، ذُهلت تماماً! لم أكن أتصور أن خيال الإنسان ينحصر ويتقزم ليُصبح على مقاس ثقافته. وبالطبع لا تستطيع مناقشة شخص بمثل هذا التفكير في المعتقل تحديداً، حيث يكون المرء عُصابياً في حالات عديدة، أو حيث تسهل استثارته إلى حد الاشتباك بالأيدي.
في هذا الموقف لا تكون المرأة مجرد ملكيـة خاصـة ومتاعاً، فهي أكثر! هي معتقلـة داخل الأسـير، هي نفسـها أسـيرة في زنازين النفـس لدى الأسـير نفسـه!!!
تكفيني هذه الواقعة أن أشد على أيدي النساء اللواتي أقمنَ جمعية للأسيرات في جنين، وأن أقول لهن، أن السـلفيـة تجاه المرأة ليسـت عند السـلفيين وحدهم، بل هي لدى كثيرين، يحملون السـلف في ثقافتهم، وإن تحدثوا في الحداثـة وما بعد الحداثـة والاشتراكية العلميـة!
نقلاً عن: كنعان النشرة الإلكترونية
اقرأ أيضاً:
عملية السلام العارية!!! / تاريخ الماسـونيـة/ فلسـطين تعريف!!!