Ernst Kretschmer إرنست كريتشمر (1888- 1964) أبرز من تناول بنية الجسم بالدراسة وعلاقتها بنمط الاضطراب العقلي الذي يعاني منه صاحب هذه البنية، وتقوم شهرته على نظريته التيبولوجية البنيوية Constitutional typology، وعلى كتابه (البنية والخُلُق Physique and Character) (1921)، وهما أكبر إسهاماته في مجال هذا الفرع من علم النفس الذي نطلق عليه اسم (علم النفس البنيوي أو الجِبلّي Constitutional psychology) حيث الجبلّة هي البنية وما فطرت عليه الشخصية من خلق أو طبيعة نفسية.
كريتشمر ألماني، تعلم بجامعة زيورخ، وحصل على الدكتوراه (1914) في الطب النفسي، وتخصص في الهستيريا وأنواع الذهان، ودرس في توبنجن وماربورج، وأسهم في تأسيس العيادة النفسية بالمشفى العسكري الذي كان يخدم فيه خلال الحرب العالمية الأولى، ورأس العيادة النفسية التابعة لجامعة توبنجن، وله بحوث ودراسات رائدة على قدر كبير من الأهمية في مجالات التيبولوجيا البنيوية وعلم نفس النمو والعلاج النفسي؛
وله كتاب (سيكولوجي العباقرة The Psychology of Men Genius) (1929) يدرس فيه ظواهر التفوق عند كبار الموسيقيين والرسامين والشعراء، وكتاب (دراسات علاجية نفسية Psycho- therapeutic Studies) (1949) يبحث في الظواهر النفسية عند الأطفال والمراهقين، ويتناول مجالات جديدة تماماً كالدين والأخلاق، والجريمة، وأنماط المجرم المعاود، وطرق علاج هؤلاء، والإجراءات التي ينبغي اتخاذها للوقاية من الإصابة بالاضطرابات النفسية.
وكريتشمر يأخذ عن كريبلن تقسيمه للمرض النفسي العقلي المسمى بالذهان إلى ذهان فصامي أو فصام، وذهان الهوس الاكتئاب. وتبين له من ملاحظة بنية المرضى والسجناء والأسوياء من حوله، وخاصة أهل بيته، ووالديه بالذات، أن هناك علاقة بين نمط الجسم والحالة المزاجية، وأن هناك أيضاً علاقة بين نمط الجسم والحالة الذهانية التي عليها المرضى بهذين النوعين السابقين من الذهان، غير أن العلاقة بين نمط الجسم والحالة الذهانية أوضح من العلاقة بين نمط الجسم والحالة المزاجية.
واختار كريتشمر ألف حالة ليقوم بدراستها، وانتقى من بينها 260 حالة بيّنة الأعراض المرضية، وتأكد له أن أنماط الجسم ثلاثة هي النمط البدين pikinc type والنمط النحيف الواهن asthenic leptosomic type، والنمط الرياضي asthletic type. وهناك نمط رابع مختلط dysplastic type يجمع شتات الأنماط الشاذة، كنمط المرأة المسترجلة، أو الخصي من الرجال، أو الذين بهم طفالة أو شذوذ في السمنة.
والنمط البدين يتميز الجسم فيه بالضخامة في الرأس والصدر والجذع مع قصر القامة، ونمطه السيكولوجي هو النمط السيكلوثيمي، بمعنى أن الشخص البدين إذا كان سوياً فهو الخفيف الظل المرح، والثرثار، والمستمتع بحياته، والطيب والخجول أحياناً، ورجل الأعمال النشيط، وإذا تداعى للمرض النفسي فهو الذي يشكو حالات ذهان الهوس الاكتئاب، وإذا كان بين الاثنين فهو شبه المهووس المكتئب، الذي تنتابه أحوال يكون فيها مرحاً أو هادئاً أو عبوساً مكتئباً. والنمط النحيف الواهن يتميز أصحابه بطول القامة والصدر والرأس والرقبة والخصر والساقين، والأرداف أعرض من الصدر، والأنف طويل ويبرز على الوجه، والأطراف طويلة.
ونمطه السيكولوجي أو النمط المزاجي أو نمط الشخصية، هو النمط الميّال للفصامية فإذا كان سوياً فإنه يتميز بحساسية وأدب وأنانية وعزوف عن الماديات ولا يتورط عاطفياً، وإذا أصابه المرض العقلي فهو الفصام، وبين هاتين الحالتين المتطرفتين هناك أشباه الفصاميين Schizoids وهم الذين بهم فرط حساسية، وقد يميلون إلى المثالية الباردة، أو الأرستقراطية، أو قد يغلب عليهم المزاج المستبد، أو المزاج الانفعالي المتحمس. والنمط الرياضي يمتاز بالجسم الرياضي متين التركيب قوي العضلات، متناسب التكوين في الصدر والرأس والأرداف والجذع والساقين والقدمين، وهذا النمط بالإضافة إلى الكثير من أفراد النمط المختلط له الأنماط السيكولوجية نفسها للنمط النحيف، من حيث أنه إما فصامي، أو شبه فصامي أو ميال للفصام.
وأثارت نظرية كريتشمر الكثير من الجدل، وخاصة أن رواجها كان أثناء الحكم النازي في ألمانيا، إلا أنها بشكل عام لاقت قبولاً، واستحثت آخرين على مواصلة البحث في هذا المجال وتطوير علم النفس البنيوي. وكان عالم النفس الأميركي شيلدون أشهر من واصل عمل كريتشمر، وقد أكدت البحوث مصداقية النظرية فيما يخص المرضى بالاضطرابات العقلية، إلا أنه كان من الصعب مواصلة البحث نفسه فيما يخص الأسوياء. وقد انتقد بافلوف النظرية واعتبر تصنيف كريتشمر غير مقنع، لأنه به يجعل كل الناس وكأن لديهم استعداداً للمرض النفسي، وقال إن أنماط كريتشمر ليست سوى جانب من الأنماط البشرية.
٠ نشرت في الشبكة العربية للعلوم النفسية (المصدر: المركز الرقمي للعلوم النفسية www.DCpsy.com).