اضطراب الشخصية النرجسية هو أحد اضطرابات الشخصية المصنفة في الدليل التشخيصي للأمراض النفسية ويتم تعريف تلك الشخصية باختصار بأنها الحب المفرط للذات، الغرور، الإعجاب بالنفس والتركيز على الذات دون الآخر.
قدّر الباحثون انتشار هذا الاضطراب في المجتمع الكلِّي بنسبة 6.2% أي أن من كل 100 شخص في بعض المجتمعات، 6 منهم مصابون بهذا الاضطراب. لكن هذه النسبة قابلة للزيادة والنقصان في المجتمعات المختلفة وحسب الظروف المتباينة. لذلك تشير دراسة الدكتورة "جين تونج1 وزملاؤها، (2009)"، بأن اضطراب الشخصية النرجسية على وشك أن تتبدل إلى اضطراب وبائي وسيع الانتشار. هذا الاستنتاج كان نتيجة دراسات متعددة أغلبها طبقت على طلبة الجامعة في أمريكا. ففي دراسة شملت 37,000 طالب وطالبة في الولايات المتحدة أظهرت نتائجهم بأن نسبة اصابتهم بهذا الاضطراب ارتفعت جداً مقارنة بالثمانينيات.
بغض النظر عن الإحصائيات الموجودة في الدراسات والكتب والمقالات، لو سألت اليوم طالبا جديدا في الجامعة من هو أعظم جيل؟ من المحتمل جدا أن يشير إلى المرآة!!.
فقد أشارت إلى ذلك دراسة مسحية على طلبة الجامعة الجدد في أمريكا حيث طلبوا منهم أن يقيموا أنفسهم حسب قدراتهم العقلية والجمالية، وهذه دراسة يتم إجراؤها منذ عام 1966 إلى الآن وقد وجدوا أن الجيل الحالي هو أكثر الأجيال نرجسية!!.
توصلت الدكتورة جين تونج وزملاؤها خلال بحثها بأنه خلال الأربعين سنة الماضية هناك ازدياد موحش في عدد الطلبة الذين وصفوا أنفسهم بأنهم فوق المعدل من حيث القدرات الأكاديمية، الدافعية للإنجاز، القدرات الحسابية، والثقة بالنفس. ولكن من حيث الصفات الأقل فردية فكان هناك انخفاض جزئي حين يطلب منهم أن يقيِّموا أنفسهم حسب صفات مثل روح التعاون، فهم الآخرين، والروحانية. ولكن لم يجد الباحثون ارتباطاً إيجابياً بين آراء الطلبة حول أنفسهم وقدراتهم الحقيقية.
تعتقد الدكتورة تونج أن الصفات السلبية والمدمرة، في حالة ازدهار بسبب طريقة التربية، ووسائل الإعلام وثقافة المشاهير وسهولة الحصول على الاعتبارات، فكل ذلك جعل الناس يبدون أكثر نجاحاً مما هم عليه بالفعل.
وتضيف بأنه قد انتشر عبر العقدين الماضيين بأن الثقة العالية بالنفس وحب الذات والاعتقاد بقدراتك هي مفتاح النجاح، بينما المثير في الأمر أن هذه المعتقدات المنتشرة جداً والمتجذرة عميقاً هي في الواقع غير صحيحة.
أسباب انتشار النرجسية:
هذا التغيير الملحوظ في سلوك الشباب والنزعة القوية إلى الفردية والأنانية حثّ الباحثين على دراسة أسباب هذه الظاهرة في العصر الحالي وكانت بعض الأسباب كما يلي :
1- ارتفاع ملحوظ في نسبة النرجسية والعدوانية في الأغاني المتداولة بين الشباب2. فبعد أن كانت الأغاني في حب المحبوب ومدى احتياج العاشق للمعشوق تبدلت إلى أغاني اتهام المعشوق بالخيانة وبيان الاستغناء عنه وتوفر العشاق وعدم انحصاره في معشوق واحد. هذا بالاضافة إلى الأشعار العدوانية والرغبة في الانتقام !.
2- وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر والفيس بوك والانستغرام تغذي الشخصية النرجسية، حيث تشجع الناس بوضع صور عن أنفسهم بوضعيات مختلفة وغالباً مثيرة تجذب لهم تعليقات مبالغة في المدح والإطراء، وهذا يضخم النرجسية لدى الأشخاص. كما أن العبارات التي يصف بها الأشخاص أنفسهم في تويتر والفيس بوك أيضاً تشير نرجسيتهم وتؤيدها. ففي دراسة تمت في جامعة Illinois أظهرت النتائج بأن مستوى النرجسية يرتبط ارتباطاً إيجابياً مع ميزان الفعالية في الفيس بوك. وكان باستطاعة الباحثين التعرف على أصحاب الدرجات العالية في النرجسية عن طريق دراسة صفحاتهم علي الفيس بوك3. كما أن ارتفاع عدد المتابعين إلى مئات الآلاف يعزز نرجسية الشخص ويجعله يشعر بالتمايز والمرغوبية القصوى.
3- في الفضاء المجازي اختفت العديد من التعاملات الفيزيائية التي كانت تكبح العديد من السلوكيات والألفاظ غير المسموح بها، لذلك نرى أن وهامات العظمة، النرجسية، الخباثة، الاندفاعية، والتصرفات الطفولية، طفحت على السطح. حيث أن الصفات التي يظهرها الإنسان حين يكون أنلايناً تختفي من شخصيته حين يكون أفلاين4.
4- كتب التنمية الذاتية والتي تؤكد على أنك تستطيع أن تحصل على أي شيء تريده إذا كنت تعتقد حقاً أنك سوف تحصل عليه، ليست إلاّ إبرا مغذية للنرجسية. حيث بينت دراسات الدكتور "بوميستر"5 والذي كتب 2003 صفحة حول تقدير الذات في إطار بحوث ودراسات وكتب، بأن الدلائل ضعيفة حول تأثير ارتفاع تقدير الذات على النجاح والإنجاز. وأظهر أن تقدير الذات والنجاح كلاهما يرتبطان بعوامل أخرى أهم مثل الأسرة الجيدة. بالاضافة إلى أنه اكتشف بأن ضبط الذات يرتبط بالنجاح أكثر من تقدير الذات. والذي يحصل من الحث على أهمية تقدير الذات يؤثر على تضخيم النرجسية أكثر من تحقيق الانجازات.
5- تكرار عبارات مثل أنت عظيم، اكتشف شخصيتك العظيمة، ضاعف حبك لذاتك، تضخم النرجسية ولم تجد الدراسات أي علاقة بينها وبين الإنجاز. ويرى الباحثون بأن تشجيع الناس كي يشعروا بمشاعر جيدة تجاه أنفسهم بغض النظر عمّا يفعلونه، سوف يفقدهم الدافع للعمل.
لا يخفى علينا خطورة ارتفاع عدد المصابين بهذا الاضطراب في المجتمع والذي من شأنه تدمير العلاقات الاجتماعية والأسرية وهذا واضح في ارتفاع نسب الطلاق والأخطر من ذلك عدم اكتراث الأبناء بقوانين البيت والمدرسة حيث يجدون أنفسهم أجدر من جميع أولئك.
المراجع:
1- Jean M. Twenge. (2009). Status and Gender: The Paradox of Progress in an Age of Narcissism. Sex Roles. doi:10.1007/s11199-009-9617-5.
2- DeWall, C. N., Buffardi, L. E., Bonser, I., & Campbell, W. K. (2011). Narcissism and implicit attention seeking: Evidence from linguistic analyses of social networking and online presentation. Personality and Individual Differences, 51, 57-62.
3- Bergman, S. M., Fearrington, M. E., Davenport, S. W., & Bergman, J. Z. (2011). Millennials, narcissism, and social networking: What narcissists do on social networking sites and why. Personality and Individual Differences, 50(5), 706-711. doi:10.1016/j.paid.2010.12.022
4- Aboujaoude, Elias, (2012): Virtually you: The dangerous power of the e-personality.
5- Baumeister, R.F., Campbell, J.D., Krueger, J.I. & Vohs, K.D. (2003): Does high self-esteem cause better performance interpersonal success, happiness, or healthier lifestyles? Psychological Science in the Public Interest, 4, 1-44.
التعليق: خير مصدر للاطلاع على حقيقة هذا المفهوم هو الرجوع إلى المجلد الخامس للجمعية الأمريكية للأطباء النفسانيين عام 2013 وهو لا يقبل النقاش.
في الصفحة 671 يذكر أن دراسات انتشار هذا الآضطراب في المجتمع تتراواح بين صفر (لا وجود له) إلى 6.7 %.
لا يوجد هذا التفاوت في أي اضطراب نفسي أو عضوي أبداً مما يوضح أن اضطراب الشخصية النرجسية خرافة لا قيمة لها في الممارسة السريرية.
كذلك إن تسميته بوباء غير مقبولة خاصة أن كلمة وباء هي مصطلح إحصائي يعني أن الفرد ينقل مرضاً ما إلى عدد معين من الذين يتصل بهم.
إن كان الرقم أكثر من 1.5 % كان وباءً بحق دون ذلك ينتهي أمره.