العلاج الأسري الوظيفي Functional family Therapy واختصارا (FFT) هو أحد العلاجات الأسرية القائمة على الأدلة البحثية (المسندة) Evidence-Based Treatments في علاج مدى واسع من الاضطرابات السلوكية للمراهقين (كالجنوح، واضطراب المسلك، وتعاطي المواد المؤثرة نفسياً، والسلوكيات المضادة للمجتمع، واضطراب المعارضة المتحدية، والعنف الأسري، وغيرها) الذين يتراوح أعمارهم من (11- 18) عاماً وأسرهم خلال مدة تتراوح من ثلاثة إلى ستة أشهر، بمعدل يتراوح من 8-12 جلسة لمدة ساعة في الجلسة الواحدة للاضطرابات الخفيفة والمتوسطة، وبمعدل من 26-30 جلسة لمدة ساعة في الجلسة الواحدة للاضطرابات الحادة.
ويخدم هذا العلاج حالياً أكثر من ثلاثين ألف أسرة سنوياً ويضم أكثر من ألف وخمسمائة معالج في حوالي أكثر من ثلاثمائة موقع حول العالم تشمل ثلاث عشرة دولة هي الولايات المتحدة الأمريكية، والنرويج، والسويد، وهولندا، وبلجيكا، وإنجلترا، ونيوزلندا وأستراليا وأيرلندا والدنمارك، وكندا وتشيلي وأسكتلندا، ومصر، وسنغافورة. وجاءت الطبيعة المنهجية والإكلينيكية لهذا العلاج من نتائج الأبحاث والدراسات العلمية التي أُجريت على المراهقين الجانحين وأسرهم على مدار أكثر من أربعين عاماً في أماكن ومجتمعات ثقافية مختلفة، حيث أثبت فعاليته في خفض معدلات الانتكاسية للسلوكيات المضطربة لدى المراهقين الجانحين بنسبة تراوحت من 25% -60% ، بالإضافة إلى فعاليته في خفض التكاليف العلاجية مقارنة بالعلاجات الأخرى التى تتعامل مع المراهقين وأسرهم.
فقد بدأ الاهتمام منذ أواخر العقد السادس من القرن الماضي ( 1969)، بتأسيس منحى علاجي فعال للتغلب على التحديات الإكلينيكية التي تحول دون نجاح البرامج العلاجية المستخدمة في التعامل مع أسر المراهقين الذين يعانون من الاضطرابات السلوكية، من خلال الأبحاث الإكلينيكية المبكرة لكل من جيمس ألكساندر وزملائه (James F. Alexander& his colleagues) بجامعة يوتا الأمريكية، عندما لاحظوا مقاومة أسر الجانحين في تطبيق البرامج العلاجية التي تقدمها مكاتب خدمات المراقبة التابعة لمحاكم الأحداث، فقاموا بدمج الأسس النظرية والثقافية التي استخدمت في تلك الفترة لعلاج المشكلات السلوكية والإكلينيكية كنظريات التحليل النفسي والسلوكية والأنساق والتعلم الاجتماعي والاتصال بالخبرات والأبحاث الإكلينيكية المبكرة ونماذج التدريب من خلال فرق بحثية مستقلة والتعاون مع المراكز التى تتعامل مع المراهقين الذين يعانون الاضطرابات السلوكية (محاكم قضاء الأحداث، ومؤسسات الإيواء) في نموذج إكلينيكي يهدف إلى:-
1-فهم الأسباب التي تؤدي إلى مقاومة هذه الأسر للعلاج، واستخدام التدخلات العلاجية التي تزيد من دافعية أفراد الأسرة نحو التغيير، وتقليل السلبية وإعطائهم الأمل في التغيير الإيجابي.
2-استمرار المحافظة على التغيير الإيجابي لمدة طويلة من خلال تنمية مصادر القوى الداخلية الخاصة بالأسرة مع مراعاة الاختلاف الثقافي لكل أسرة.
3-تحسين قدرة الأسرة على تحقيق التغييرات الإيجابية في المستقبل من خلال إعادة دمج أفراد الأسرة بالمصادر المجتمعية خارج النسق الأسرى.
وقاما كل من (ألكساندر وبارسونز، 1982) (Alexander & Parsons,1982) بوصف هذا العلاج في مجلدهما الإكلينيكي الأول تحت عنوان "العلاج الأسري الوظيفي: المبادئ والإجراءات"، ثم قام (ألكساندر وزملاءه، 1998) (Alexander,etal.,1998) بنشره كدليل للعلاج الحديث ضمن سلسلة المطبوعة الزرقاء لبرامج منع العنف، كما أضاف كل من ألكساندر وزملاءه موقعاً للتدريب والإشراف على التنفيذ الناجح للعلاج وتحسين قدرة المعالج على تنفيذ الأهداف العلاجية بنجاح سواء داخل الجلسات أو بين الجلسات أو في خلال فترة المتابعة بالتعاون مع مركز دراسة وبرامج منع العنف ومكتب قضاء الأحداث ومنع الجنوح، وعدد من الولايات والمجتمعات المحلية التي تتعامل مع المراهقين وأسرهم، وتطوير نظام الخدمات الإكلينيكية ( Clinical Services system CSS ) وهو نظام يساعد المعالجين على المراقبة والمتابعة والتقييم المستمر للنتائج ومدى التزامهم بتنفيذ العملية العلاجية.
وتقوم فلسفة هذا العلاج علي افتراض أساسي هو أن الاضطرابات السلوكية التي يعانى منها المراهقين هي مشكلات علاقاتية ( Relational Problems ) تتعلق بطبيعة العلاقات بين أفراد الأسرة والأنساق البيئية المتعددة المتصلة بهم، أكثر من كونها مشكلات فردية، فالسلوكيات الفردية داخل الأسرة هي وسيلة يحقق الفرد من خلالها احتياجاته العلاقاتية الشخصية، والتي يشار إليها بالنتائج الوظيفية للسلوك أو الوظائف العلاقاتية ( Relational Functions ) بين أفراد الاسرة، حيث تتضمن هذه الوظائف بعدين أساسين هما: البعد الأول: الصلة العلاقاتية الذي يحدد درجة الترابط أو الاستقلالية بين أفراد الأسرة، والبعد الثاني: التدرج الهرمي للعلاقات الذي يحدد قوة التأثير بين أفراد الأسرة، حيث يكون أحد الأطراف أقوى تأثيراً (بدنياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً) من الطرف الآخر في العلاقة، حيث يركز العلاج الأسري الوظيفي على إعادة تنظيم هذه الوظائف العلاقاتية وتعديل أنماط الاتصال غير المنظم بين أفراد الأسرة التي تؤدي لاستمرارية السلوكيات المضادة للمجتمع، بالإضافة إلى العمل على معالجة عوامل الخطورة والحماية التي من شأنها أن تخفض أعراض هذة الاضطرابات السلوكية .
كما يقوم النموذج الإكلينيكي للعلاج الأسري الوظيفيClinical Model of FFT على فكرة أن التغيير يحدث خلال مراحل تتحقق مع مرور الوقت، حيث أن هذا النموذج لديه من المرونة التي تسمح للمعالج باستخدام استراتيجيات علاجية متتابعة تحقق درجة عالية من النجاح، وتتخلل كل مرحلة من هذه المراحل تقييماً إكلينيكياً محدداً، وأهدافاً علاجية محددة، وكذلك مهارات علاجية محددة يستخدمها المعالج لتحقيق هذه الأهداف المرحلية بنجاح.
ويشمل هذا النموذج الإكلينيكي خمس مراحل متتالية هي:-
1- مرحلة الارتباط بأفراد الأسرة Engagement Phase
2- مرحلة الدافعية Motivation Phase
3- مرحلة تقييم العلاقات Relational Assessmet Phase
4- مرحلة تغيير السلوك Change Behavior Phase
5- مرحلة التعميم Generalization Phase
نستنتج مما سبق عرضه، بأن العلاج الأسري الوظيفي علاج منهجي شامل في التعامل مع الاضطرابات السلوكية للمراهقين وأسرهم، فهو منحى نسقي متعدد Multi-systemic Approach، يركز على الأبعاد الوظيفية المتعددة التي لها علاقة بالمراهق (المراهق نفسه، والأسرة والمجتمع الخارجي) وكذلك العوامل التي تسهم في تشكيل خبرته سواء كانت (بيولوجية، أو سلوكية، أو انفعالية، أو معرفية، أو ثقافية أو علاقاتية) وذلك في سياق يسمح بفهم كل ما يحدث في العملية العلاجية من تقييم وتدخل وتخطيط في إطار العلاقة بين أفراد الأسرة والمعالج من جانب وأفراد الأسرة بعضهم البعض من جانب آخر.
واقرأ أيضاً:
مفهوم الأسرة وفلسفتها / بنية الأسرة وأثرها في تطور الأطفال / التنشئة الأسرية الموجهة نحو الصلاح الإنساني5 / أبناؤنا والأسر المعتلة