تم إعداد هذه الورقة العلمية بالاستناد إلى أطروحة الدكتوراه الموسومة (فاعلية برنامج إشراف معرفي في تحسين الكفاءة في تبليغ الأخبار المزعجة لدى المرشدين والاختصاصيين النفسانيين)، والتي قدمها الباحث في عام 2017 لاستكمال متطلبات نيل درجة الدكتوراه. تتكون هذه الورقة من جزئيين، أحدهما علمي يتطرق للتعريفات والنماذج الخاصة بتبليغ الأخبار المزعجة، وبعض الدراسات السابقة، إضاقة الى نموذج الأطوار الثلاث لتبليغ الأخبار المزعجة، حيث أن هذا النموذج جاء بعد توفيق الله ليكون أول نموذج لباحثٍ عربي يضع اسساً جديدة لهذا الفن. أما الجزء الثاني فهو برنامج تبليغ الأخبار المزعجة مقسم لجلسات إشراف وتدريب، علماً أنه لا يمكن الاكتفاء بقراءة هذه الورقة لتطبيق النموذج، والذي يحتاج إلى تدريب وإشراف من قبل شخص مؤهل كان قد تلقى التدريب على تطبيق النموذج.
ما هي الأخبار المزعجة:
قد يفقد الإنسان بطبيعته التوازن والقدرة على التعامل مع بعض الأمور، خاصة في أوضاع المصائب والكروب الضاغطة أو الحرجة منها، ويبدو ذلك جلياً في حالات الامراض الوبائية، فعلى الرغم من وجود بعض الوعي لدى الناس، إلا أن الوعي قد يكون محدوداً، وهذا القصور في الوعي يتيح المجال الواسع للعوامل الاجتماعية والنفسية لتتدخل في تفسير طبيعة المرض ( تايلور، 2008). فنرى ردود الفعل المختلفة لدى المواطنين، حتى لو لم يكونوا من المرضى والمصابين، وتتنوع ردود الفعل تلك بناءً على الظروف المتداخلة في حياة الإنسان، وتشير تايلور ( تايلور، 2008)، إلى أهمية العوامل التالية في تمييز الأعراض المرضية وتفسيرها:
1) تمييز العرض، والذي يشتمل على متغيرات أساسية تتداخل معه من مثل (الفروق الثقافية، العوامل الموقفية، الضغط النفسي، المزاج، تفسير الأعراض، الخبرة السابقة، التوقعات، خطورة الأعراض).
2) التمثيلات المعرفية للمرض، والتي تشتمل على متغيرات أساسية وهي (المخططات المعرفية للمرض، النماذج الأولية للمرض).
ومن طرف آخر نرى مقدار الحاجة لدى الطاقم الطبي ومقدمي خدمات الرعاية الطبية لمعرفة الظروف المحيطة، فالتواصل ما بين الطبيب والمريض يعتبر من جوهر المهارات السريرية، ونقص التدرّب على هذه المهارات قد تكون نتيجته فقدان ثقة الناس بمقدمي الخدمات الصحية (Jameel et al, 2011).
فمن الواجب على المتخصصين السريريين أن يكون لديهم مهارات التواصل اللازمة للتواصل والتعامل مع المريض من جهة، ومع اهل المريض من جهة أخرى، فكثيراً ما يواجه الطبيب مواقف صعبة يقف عندها أمام المريض أو أهله ويوجههم بحقائق طبية وعلمية مؤلمة، من مثل اكتشاف العدوى في الامراض الوبائية، أو الحديث عن وفاة أحد المرضى، أو الحديث عن تقدم المرض وتضاؤل فرص الشفاء. إن نقل الأخبار المزعجة له تأثير يتعدى المريض كشخص متلقي، فعملية نقل الأخبار الطبية المزعجة للمرضى حسب الدراسات الحديثة من أكثر المهمات الطبية الضاغطة بالنسبة للأطباء أنفسهم، حيث يمتد هذا التأثير للمتخصصين، وينبغي أن يعطى مرافقي وأسرة المرضى نفس مقدار الأهمية التي تعطى للمرضى أنفسهم، لكن عادةً ما يتم تجاهلهم، رغم معاناتهم من قدر كبير من الضغوط والتوتر، لذلك يعد تكيفهم جانباً هاماً لهم وللمريض أيضاً خاصة ان كان في الحجر الصحي. (Chaturvedi, 2012).
وبالنسبة للموقف الطبي في الخدمات الصحية النفسية، ومع معرفتنا بالوصمة الملحقة بالاضطراب النفسي لدى بعض أفراد المجتمع، فإن عملية التشخيص، أو إدخال المستشفى، أو تلقي العلاج النفسي سواءً الدوائي أو الكلامي، تغدو مسألة تجعل مقدمي الخدمة أحياناً في حيرة كبيرة للبحث عن الطريقة المثلى لتبليغ هذه الأخبار ونقلها سواءً للمريض أو أهله. وأشار جاليجيهير وزملائه (Gallagher et al, 2010) خلال دراستهم التي هدفت إلى معرفة طبيعة الخبرات لدى المنتفعين من العلاج في مرافق الصحة النفسية عند تلقيهم أخبار خاصة بصحتهم العقلية، إلى أن تلقي خبر التشخيص يتم إدراكه على أنه خبر سيئ، أو سبب للتشوش في حال تم تغيير طبيعة التشخيص المرضي.
ولذلك نرى اختصاصات طبية شمولية من مثل اختصاص الرعاية التلطيفية، أو الفرق الطبية الشمولية، تنظر للمرضى بنظرة "المريض ككل ووحدة واحدة" وهذا يعني أن الرعاية تكون شمولية وتأخذ في عين الاعتبار عناصر أساسية وهي (عملية الرعاية الطبية، والأعراض الجسمية، والمظاهر النفسية للرعاية الطبية، والتأثيرات الاجتماعية في الخدمات الطبية، والتأثيرات الثقافية، والمظاهر الأخلاقية في العناية، والمظاهر القانونية في العناية) (Thomas & Arnold, 2011)
وخلال الكثير من المراجعات للأبحاث والدراسات، نجد حقيقة أن الأطباء قد تدربوا على التعامل مع الأوضاع السريرية، لكنهم لم يتلقوا تدريباً - أو تلقوا القليل فقط - فيما يخص مهارات التواصل مع مرضاهم وعائلاتهم، لذلك نجد غالبية من المتخصصين يتواصلون مع المرضى بحسب فطرتهم عند القيام بتبليغهم بأي أخبار تخصهم (Khanuja et al, 2011; Vandekieft, 2001)، ولذلك نجد أن بعض الأطباء يحاول إخفاء بعض الحقائق أو تجنب الحديث عنها وذلك حرصاً على شعور المريض وعائلته، أو تجنباً لشعوره بالعجز عن التعامل مع الموقف كطبيب، بينما يلجأ بعضهم إلى استعمال تعبيرات مؤلمة غير عابئ بمشاعر المريض أو أهله، كالحديث عن استفحال الحالة المرضية، من غير أي مقدمات ومصارحة المريض أن عليه مواجهة أسوأ التوقعات، أو تحمل العلاجات وآثارها الجانبية، أو التعامل مع عدم قدرة المريض على إعالة أسرته.
وكشفت عدة دراسات استقصائية عن عدم رضى الأطباء المقيمين عن تدريبهم فيما يخص نقل خبر التشخيص، وعن حاجتهم إلى تعلم بعض الأساليب لتبليغ الأخبار في حال التشخيصات المرضية، إضافة إلى تطوير أساليب تواصل أفضل بالمستوى والطريقة بشكل علمي وعملي (Shellenberg et al, 2014). ومهارات التواصل، ومنها نقل الأخبار المزعجة، يجب أن تحوز على اهتمامٍ مناسب في المناهج التعليمية الخاصة بالمقررات الطبية، وفي التدريبات السريرية، ويعتمد شكل التدريب على مهارات نقل الأخبار المزعجة على طبيعة الوسط الطبي، والوقت المتاح لنقل الأخبار السيئة. (Park et al, 2010; Dibble, 2014)
يمارس نقل الأخبار السيئة من قبل الاختصاصيين المهنيين عموماً، حتى من قبل طواقم الإنقاذ، والإسعاف. والأطباء والاختصاصيين النفسيين في عملهم اليومي عليهم أن يواجهوا موقفاً يحتاجون فيه لنقل خبر ما لمريضهم. (Merker et al, 2010) علماً أن الطريقة التي ينقل بها المتخصص الأخبار المزعجة، تؤثر بوضوح على متلقي هذه الأخبار كالمريض أو مرافقيه، وهذا يعتمد على أسلوب تفسير وفهم الحالة المرضية والتعامل معها (Aein & Delara, 2014).
وقد تنوع الحديث عن أفضل الأساليب المتبعة لمساعدة الطبيب لقيامه بدوره بشكل إنساني في هذا الوقت العصيب، ورغم عدم وجود قواعد عامة ومحددة يجب اتباعها عند تقديم الأخبار السيئة للمرضى، ورغم عدم وجود طريقة مثلى لذلك في عملية تواصل الطبيب والمريض كما أشار أرنتسكا (Arnautska, 2009) فهو يرى أن نقل الخبر يعتمد على طبيعة كل مريض، وخلفيته، علماً بأن المستوى التعليمي والثقافي للمريض، والأسرة، والأصدقاء، وطبيعة الدعم المقدم من قبلهم له تأثير كبير.
إن افتقار المتخصصين إلى المهارات الضرورية للتواصل مع المرضى أو مرافقيهم، قد تواجه بردات فعلٍ مختلفة، وقد تكون ردات الفعل انفعاليةً جداً، وخصوصاً في عملية نقل الأخبار المزعجة لذى كان لابد من خمسة شروط أساسية لنقل الخبر بطريقة أفضل وهي: مهارات التواصل الفعَّال مع المرضى وعائلاتهم، والتحضير لبيئة ملائمة لتوصيل الأخبار المزعجة، وتقليل مستوى السلبيات التي ترافق الحالة المرضية، وإعطاء المهمة للأكثر معرفة في طبيعة الاضطراب وعلاجه، ومساعدة المريض وعائلته على اتخاذ القرارات العلاجية الأفضل. (Abbaszadeh et al, 2014).
المراجع :
1- تايلور، شيلي، ترجمة وسام بريك، فوزي طعيمة (2008) علم النفس الصحي، ط1، عمان: دار الحامد للنشر والتوزيع.
2- Jameel, Abid., Farooq, Muntajeeb., and Vllah, Salim,(2011) Breaking Bad News- Percptions of cancer Patients and Their velatives., JPMI, 25 (4): 304-308.
3- Chaturvedi, S. (2012). Psychiatric oncology: Cancer in mind. Indian Journal of Psychiatry, 54(2): 111-118.
4- Gallagher, A,. Arber, A., Chaplin, R., Quirk, A. (2010) Service users' experience of receiving bad news about their mental health., Journal of Mental Health 19(1:) 34-42.
5- Thomas, J., and Arnold, R. (2011). Giving Feedback. Journal of Palliative Medicine, 14, 233-239.
6- Vandekieft, G. (2001). Breaking Bad News. AMERICAN FAMILY Physician, 64, 1975-1978
7- Khanuja, S., Dongalikar, V., Arora, R., Gupta, A., and Singh, K. (2011). breaking bad news to patients and their relatives. International Journal of Students' Research,(1):141-142.
8- Schellenberg, K., Schofield, S., Fang, S., and Johnston, W. (2014). Breaking bad news in amyotrophic lateral sclerosis: The need for medical education. Amyotrophic Lateral Sclerosis and Frontotemporal Degeneration, 15, 47–54.
9- Park, I., Gupta, A., Mandani, K., Haubner, L., and Peckler, B. (2010). Breaking bad news education for emergency medicine residents: A novel training module using simulation with the Spikes protocol. Journal
10- Dibble, J. (2014). Breaking Good and Bad News: Face-Implicating Concerns as Mediating the Relationship Between News Valence and Hesitation to Share the News. Communication Studies,65(3): 223–243.
11- Merker, B. Hanson, W., and Poston, J. (2010). National Survey of Psychologists’ Training and Practice in Breaking Bad News: A Mixed Methods Study of the MUM Effect. Clinical Psychology in Medical Settings, 17(3): 212-219.
12- Aein, F., and Delaram, M. (2014). Giving Bad News: A Qualitative Research Exploration.
13- Arnautska, E. (2009). Breaking Bad News. Traki Journal of Sciences,8(2).
14- Abbaszadeh, A., Ehsani, S., begjani, J., Kaji, M., Dopolani, F., Nejati, A., and Mohammadnejad, E. (2014). Nurses’ perspectives on breaking bad news to patients and their families: a qualitative content analysis. Journal of Medical Ethics and History of Medicine, 1(7).
ويتبع>>>>>>> : تبليغ الأخبار المزعجة في الأزمات الوبائية2
واقرأ أيضاً:
مرآة النفس1 الارتباط بالحياة / مرآة النفس2 الإطار الذهبي/مرآة النفس3 قنطرة الجِسر