إلى عهد قريب كان الانتحار يُعدُّ حدثاً نادراً في مجتمعاتنا العربية وكان محصوراً عادة في فئات معينة لا يكاد يخرج عنها. فلم يكن يوماً في ثقافتنا خيارٌ اسمه الانتحار، حتى اعتدنا أن نستخدم التهديد بالانتحار للهزل والمزاح والسخرية كمن يتحدث عن المستحيل أو عن الصعود إلى القمر مشياً في الهواء.
ولكن فجأة وخلال أقل من عقد من الزمان، أصبح هناك ارتفاع ملحوظ في عدد حالات الانتحار في العالم العربي في السنوات الأخيرة وبدأ الأمر يشكل ظاهرة خطيرة وليس مجرد حوادث فردية معزولة. فلا يكاد يمر يومٌ دون أن نسمع عن حالة انتحار أو أكثر هنا أو هناك حتى اعتدنا على قراءة مثل هذه الأخبار والمرور عليها مرور الكرام. رجالٌ ونساء، شباب وفتياتٌ في مقتبل العمر وريعان الشباب، بل وأحياناً صرنا نسمع عن أطفالٍ يقدمون على الانتحار!
فما الذي حدث؟ ما الذي تغير؟ وكيف انتشرت هذه الجائحة فجأة؟ كيف وصلنا إلى أن يُقدِم الشيخ الذي يُحفِّظُ الصغار القرآن على الانتحار في نهار رمضان تاركاً وصية يطلب فيها العفو من الله!! وأن يُقدِم شبابٌ صغيرٌ بالكاد بدأت تتفتح زهرة شبابه على الانتحار لأسباب تافهة لو كنا قبل 20 سنة سمعنا أن أحدهم يفكر مجرد تفكير بالانتحار بسببها لضحكنا وظننا به الخبل.
ترى هل يعود السبب إلى انخفاض الوازع الديني بشكل عام في السنوات الأخيرة، أم إلى تزايد الضغوط والمشاكل النفسية والاجتماعية، أو ربما كان السبب هو تزايد الشعور بالعزلة والوحدة في عالم ما بعد السوشيال ميديا كما يقول قائل.
إن الحقيقة التي يجب أن نعترف بها أن هناك الكثير مما تغير في العقد الأخير من السنين، وأن الأمر مُعقدٌ وتتضافر فيه بالتأكيد عدة عوامل تساهم جزئياً في هذا التزايد المضطرد في أعداد المنتحرين أو من يحاولون الانتحار في منطقتنا العربية، وتبقى كل حالة بحد ذاتها حالة خاصة تختلف الأسباب التي توردها هذا الطريق المؤسف.
ورغم أن الأصوات بدأت تعلو هنا وهناك ولو على استحياء بالحديث عن الظاهرة، إلا أن المسكوت عنه حتى الآن هو الأخطر... بل في الحقيقة ربما يكون هو السبب الرئيسي لهذا التفشي المفاجيء والمرعب للظاهرة قبل أي عوامل أخرى.
إن أهم ما تغير خلال هذه السنوات هو الصورة الذهنية عن الانتحار في العقول، فقد دخل المجتمع في حالة من التطبيع مع الانتحار من مختلف النواحي، بدءاً باعتياد الأمر وكأنه أمرٌ طبيعي الحدوث، مروراً بالتضامن والتعاطف مع المنتحرين بشكل درامي يصبغ على الانتحار في الأذهان المريضة نوعاً من الاستشهادية والبطولة، وعبوراً إلى التبرير والدفاع عن المنتحرين وأحياناً باستخدام الدين نفسه وفق فهم أعوج له ولأحكامه، ووصولاً إلى حالة القبول بذلك الفكر الأحمق وتلك الثقافة المريضة الواردة إلينا من الغرب ومضمونها بالحق في الانتحار. فالفكر المادي الغربي الذي أصابه الغرور، وصلت به رحلة التيه إلى اعتبار أن حياة الإنسان بدلاً من أن تكون ملكاً لخالقه يستردها متى شاء هو سبحانه، أصبحت حياة الإنسان ملكاً له في مفردات ذلك الفكر، ويستتبع ذلك أنه يملك الحق والاختيار في إنهائها وقتما يشاء!!
بعبارة أخرى، لقرون طويلة، كانت فكرة الانتحار في عالمنا عربي من الخطوط الحمراء حتى لمجرد التفكير فيها خارج إطار الهزل، ولكن ما حدث الآن هو أنه قد كُسر في الأذهان ذلك الخط الأحمر الذي لم يكن ليجرأ على الاقتراب حتى من التفكير فيه سوى حفنة قليلة في حالات استثنائية نادرة، وأصبح الأمر وكأنه خيارٌ مطروح على الطاولة بشكل تلقائي في أذهان الجميع خصوصاً من الأجيال الصاعدة!! والحقيقة أن هذا لم يحدث بشكل بريء أبداً... بل أن هناك جهوداً صريحة مبذولة في الغرب لترسيخ هذا المفهوم تقودها جهات مشبوهة وتتزعم المناصرين لها شركات الإنتاج الفني في هوليوود بالدرجة الأولى.. وهي تنتقل إلينا حيناً بالتقليد الأعمى، وحيناً تتسلل إلينا عبر إنتاجهم الفكري والفني الذي يكاد يصبح الملهم الأول لأجيال بأكملها في ظل حالة الانهزام الفكري التي نعيشها اليوم، وطوراً هو ينتقل من خلال تواطؤ صريح أو ضمني، متعمد أحياناً أو عن جهل في أغلب الأوقات من وسائل الإعلام لدينا، بل والأسوأ حتى من بعض الأخصائيين والأطباء النفسيين بل وحفنة من بعض من ينتسبون زوراً أو جهلاً وغروراً إلى علماء دين!! يحدث كل ذلك مصحوباً بحالة من نشر التعاطف والتبرير للفعل والفاعل، والنتيجة فكرٌ جديد يترسخ في اللاوعي لدى الجميع لم تعد فيه فكرة الانتحار وراء الخطوط الحمراء، بل أصبحت في منطقة دون ذلك تزورها أفكار الكثيرين كل يوم.
باختصار، ما حدث أن فكرة الانتحار أصبحت خياراً مطروحاً ولم تعد من المستحيلات. ولذا يجب أن نستفيق جميعاً ونعيد رسم الخطوط الحمراء بشكل صحيح في أذهاننا وأذهان الأجيال الجديدة الصاعدة والتي تعاني فوق كل هذا من هشاشة نفسية وفكرية متعمدٌ إحداثها أيضاً ولكن لأسباب أخرى خارج نطاق حديثنا هنا، ولكنها تلعب أيضاً دوراً في تزايد وقوع هذه الظاهرة بعد أن أزيلت من منطقة المحرمات الفكرية. بل ولا بد أن نعود مراراً وتكراراً لتجديد رسم هذه الخطوط الحمراء كلما لمسنا أنها تتآكل تحت ضغط ذلك الفكر المدمر الوافد إلينا من بلاد العمِ سَام كما يحلو للكثيرين تسميتها، أو بلاد العمِّ السَّام كما أحب أنا أن أسميها.
إن حياتي وحياتك ليست ملكاً لنا للتصرف في إنهائها وقتما نشاء، ولا يملك أيٌ منّا هذا الحق مهما أدعى الحمقى من مدعي الحرية والحداثة عكس ذلك. فالحياة نعمة من الخالق علينا والانتحار لم يكن يوماً حلاً أبداً سوى في أذهان التائهين الذين غابت عنهم هذه الحقيقة.
واقرأ أيضًا:
التناغم بين الروح والمادة / كورونا... رقصة الرعب1
ولكن فجأة وخلال أقل من عقد من الزمان، أصبح هناك ارتفاع ملحوظ في عدد حالات الانتحار في العالم العربي في السنوات الأخيرة وبدأ الأمر يشكل ظاهرة خطيرة وليس مجرد حوادث فردية معزولة. فلا يكاد يمر يومٌ دون أن نسمع عن حالة انتحار أو أكثر هنا أو هناك حتى اعتدنا على قراءة مثل هذه الأخبار والمرور عليها مرور الكرام. رجالٌ ونساء، شباب وفتياتٌ في مقتبل العمر وريعان الشباب، بل وأحياناً صرنا نسمع عن أطفالٍ يقدمون على الانتحار!
فما الذي حدث؟ ما الذي تغير؟ وكيف انتشرت هذه الجائحة فجأة؟ كيف وصلنا إلى أن يُقدِم الشيخ الذي يُحفِّظُ الصغار القرآن على الانتحار في نهار رمضان تاركاً وصية يطلب فيها العفو من الله!! وأن يُقدِم شبابٌ صغيرٌ بالكاد بدأت تتفتح زهرة شبابه على الانتحار لأسباب تافهة لو كنا قبل 20 سنة سمعنا أن أحدهم يفكر مجرد تفكير بالانتحار بسببها لضحكنا وظننا به الخبل.
ترى هل يعود السبب إلى انخفاض الوازع الديني بشكل عام في السنوات الأخيرة، أم إلى تزايد الضغوط والمشاكل النفسية والاجتماعية، أو ربما كان السبب هو تزايد الشعور بالعزلة والوحدة في عالم ما بعد السوشيال ميديا كما يقول قائل.
إن الحقيقة التي يجب أن نعترف بها أن هناك الكثير مما تغير في العقد الأخير من السنين، وأن الأمر مُعقدٌ وتتضافر فيه بالتأكيد عدة عوامل تساهم جزئياً في هذا التزايد المضطرد في أعداد المنتحرين أو من يحاولون الانتحار في منطقتنا العربية، وتبقى كل حالة بحد ذاتها حالة خاصة تختلف الأسباب التي توردها هذا الطريق المؤسف.
ورغم أن الأصوات بدأت تعلو هنا وهناك ولو على استحياء بالحديث عن الظاهرة، إلا أن المسكوت عنه حتى الآن هو الأخطر... بل في الحقيقة ربما يكون هو السبب الرئيسي لهذا التفشي المفاجيء والمرعب للظاهرة قبل أي عوامل أخرى.
إن أهم ما تغير خلال هذه السنوات هو الصورة الذهنية عن الانتحار في العقول، فقد دخل المجتمع في حالة من التطبيع مع الانتحار من مختلف النواحي، بدءاً باعتياد الأمر وكأنه أمرٌ طبيعي الحدوث، مروراً بالتضامن والتعاطف مع المنتحرين بشكل درامي يصبغ على الانتحار في الأذهان المريضة نوعاً من الاستشهادية والبطولة، وعبوراً إلى التبرير والدفاع عن المنتحرين وأحياناً باستخدام الدين نفسه وفق فهم أعوج له ولأحكامه، ووصولاً إلى حالة القبول بذلك الفكر الأحمق وتلك الثقافة المريضة الواردة إلينا من الغرب ومضمونها بالحق في الانتحار. فالفكر المادي الغربي الذي أصابه الغرور، وصلت به رحلة التيه إلى اعتبار أن حياة الإنسان بدلاً من أن تكون ملكاً لخالقه يستردها متى شاء هو سبحانه، أصبحت حياة الإنسان ملكاً له في مفردات ذلك الفكر، ويستتبع ذلك أنه يملك الحق والاختيار في إنهائها وقتما يشاء!!
بعبارة أخرى، لقرون طويلة، كانت فكرة الانتحار في عالمنا عربي من الخطوط الحمراء حتى لمجرد التفكير فيها خارج إطار الهزل، ولكن ما حدث الآن هو أنه قد كُسر في الأذهان ذلك الخط الأحمر الذي لم يكن ليجرأ على الاقتراب حتى من التفكير فيه سوى حفنة قليلة في حالات استثنائية نادرة، وأصبح الأمر وكأنه خيارٌ مطروح على الطاولة بشكل تلقائي في أذهان الجميع خصوصاً من الأجيال الصاعدة!! والحقيقة أن هذا لم يحدث بشكل بريء أبداً... بل أن هناك جهوداً صريحة مبذولة في الغرب لترسيخ هذا المفهوم تقودها جهات مشبوهة وتتزعم المناصرين لها شركات الإنتاج الفني في هوليوود بالدرجة الأولى.. وهي تنتقل إلينا حيناً بالتقليد الأعمى، وحيناً تتسلل إلينا عبر إنتاجهم الفكري والفني الذي يكاد يصبح الملهم الأول لأجيال بأكملها في ظل حالة الانهزام الفكري التي نعيشها اليوم، وطوراً هو ينتقل من خلال تواطؤ صريح أو ضمني، متعمد أحياناً أو عن جهل في أغلب الأوقات من وسائل الإعلام لدينا، بل والأسوأ حتى من بعض الأخصائيين والأطباء النفسيين بل وحفنة من بعض من ينتسبون زوراً أو جهلاً وغروراً إلى علماء دين!! يحدث كل ذلك مصحوباً بحالة من نشر التعاطف والتبرير للفعل والفاعل، والنتيجة فكرٌ جديد يترسخ في اللاوعي لدى الجميع لم تعد فيه فكرة الانتحار وراء الخطوط الحمراء، بل أصبحت في منطقة دون ذلك تزورها أفكار الكثيرين كل يوم.
باختصار، ما حدث أن فكرة الانتحار أصبحت خياراً مطروحاً ولم تعد من المستحيلات. ولذا يجب أن نستفيق جميعاً ونعيد رسم الخطوط الحمراء بشكل صحيح في أذهاننا وأذهان الأجيال الجديدة الصاعدة والتي تعاني فوق كل هذا من هشاشة نفسية وفكرية متعمدٌ إحداثها أيضاً ولكن لأسباب أخرى خارج نطاق حديثنا هنا، ولكنها تلعب أيضاً دوراً في تزايد وقوع هذه الظاهرة بعد أن أزيلت من منطقة المحرمات الفكرية. بل ولا بد أن نعود مراراً وتكراراً لتجديد رسم هذه الخطوط الحمراء كلما لمسنا أنها تتآكل تحت ضغط ذلك الفكر المدمر الوافد إلينا من بلاد العمِ سَام كما يحلو للكثيرين تسميتها، أو بلاد العمِّ السَّام كما أحب أنا أن أسميها.
إن حياتي وحياتك ليست ملكاً لنا للتصرف في إنهائها وقتما نشاء، ولا يملك أيٌ منّا هذا الحق مهما أدعى الحمقى من مدعي الحرية والحداثة عكس ذلك. فالحياة نعمة من الخالق علينا والانتحار لم يكن يوماً حلاً أبداً سوى في أذهان التائهين الذين غابت عنهم هذه الحقيقة.
واقرأ أيضًا:
التناغم بين الروح والمادة / كورونا... رقصة الرعب1