بعض المقال فيما بين النفس والقرآن من اتصال2
*التأثير الموسيقي للقرآن:
بات معروفاً أن الموسيقى تلعب دوراً كبيراً في العلاج النفسي، وخاصة في علاج القلق والصدمات والاكتئاب، وكافة الحالات التي تحتاج إلى استرخاء، وطريقة نظم القرآن وترتيله على النحو المتبع يمكن أن يكون شفاءً من هذا الباب، وهو ما يتأثر به كل من ألقى السمع منصتاً إلى آيات الذكر الحكيم ونظمها وأنغام تلاوتها، ولو لم يفهم معاني الكلمات، وخاصة إذا كانت تتلى بصوت عذب، وإيقاع منضبط. وتنتشر على شبكة الإنترنت مقاطع كثيرة لأجانب لا يتحدثون العربية تأثروا وتأثرن لسماع تلاوة آيات القرآن.
*التأثير السلوكي للقرآن:
العلاج السلوكي قائم على ضبط وتعديل ممارسات الإنسان، وتحويل القرآن والمعرفة به، وهديه، ومعانيه، وأهدافه إلى خلق ثابت ومستقر يعني ضبط وترشيد وتصحيح السلوكيات المرضية الضارة، والقدوة في هذا هو الرسول الخاتم الذي كان خلقه القرآن.
*التأثير اللغوي للقرآن:
العلاقة بين اللغة والتفكير وثيقة وعميقة، وضبط اللسان العربي لا يكتمل إلا بوعي القرآن، وتدريب اللسان عبر تلاوته.
اللغة المضطربة بين فصحى وعامية، والخليط بين عربية وأعجمية مرتبطة بالتفكير المعتل، واضطراب وتشوش العقل، وارتفاع معدلات القلق والأرق.
*صور وتراكيب نفسية:
کما ذکرنا سابقاً فإن القرآن يتضمن مدونة شاملة لتراكيب نفسية متنوعة، وأتصور أن دراسة الآيات التي تتناول هذه التراكيب يمكن أن تمثل إضافة لمحاولات تصور وتشخيص خلل اضطرابات النفس والشخصية، وربما إضافة تشخيصات، ومفاهيم جديدة.
كما يمكن أن تمثل هذه الآيات مدخلاً وأداة رائعة في تبسيط المفاهيم الخاصة بالمرض النفسي، والصحة النفسية، والوعي، والوقاية خير من العلاج.
وفي المدارس الأحدث التي تتناول الأجزاء الداخلية للنظام النفسي سنجد إشارات قرآنية للتعريف بهذه الأجزاء، وحسن إدارة ديناميات حركتها، وتوازن اتساق تناغمها معاً لإنتاج السلام والسواء النفسي.
*التوافق كعلاج:
كما أن التوافق الداخلي مهم للصحة النفسية، فإن التوافق والانسجام المجتمعي الأوسع، بل والتوافق الإنساني العالمي له دور كبير في الصحة النفسية للبشر.
وإصلاح وتحديد أبعاد العلاقات الصحية المتراحمة بين الناس في دوائرهم المختلفة، وتقليل الصراعات والضغوط الناتجة عن الشقاق، واضطراب التواصل، هذه كلها من القضايا التي اهتم بها وعالجتها آيات القرآن.
إن علاجاً مثل العلاج البيْشخصي Interpersonal يعتمد على إصلاح شبكة العلاقات المحيطة بالإنسان والداعمة له.
القرآن يرسم تقاليد وطقوس وآداب العلاقات بين الأرحام، بين الرجال والنساء، بين الفرد والجماعة، وبين جماعة المؤمنين وغيرهم. بل إنه يفصِّل أحياناً فيما من شأنه أن يكون خطة مفصلة لإصلاح ذات البين، أليس هذا هو المعنى العميق لعلاج ما "بين الناس"؟!
*التأثير المائي:
في تجارب معملية تحسَّن انتظام بلورات الثلج عند تعريض المياه إلى آيات القرآن، أو تلاوة أسماء الله الحسنى، والماء يشكل أكثر من 80% من كتلة أجسادنا ومكوناتها، أي أن الماء الذي يتعرض للقرآن يصير ذا تأثير إيجابي على الجسم ومكوناته.
ولا نزعم بحال أن القرآن هو الشفاء الوحيد الذي أنزله الله لعباده ليداووا به نفوسهم وأبدانهم.
ولا نرى أن كل ما يقال حول العلاج بالقرآن هو صحيح ونافع، ولكن نرى أن الوقت قد حان لمزيد بحث ودرس وفحص وتمحيص وتمييز لما بين القرآن والنفس من اتصال، وما ينتج عن هذا من مقترحات ونظريات وعلاجات.
لقد كان القرآن من لحظة نزوله وحياً ملهما، ومنطلقاً لعلوم وفنون وثقافة وأسس حضارة سادت ما تمسكت به جوهراً وهدياً.
وسيظل القرآن نقطة بدء صحيحة وموفقة لمن يريد استعادة سبق، أو زمام مبادرة، أو صدارة حضارة.
من طبيعة القرآن أن يعطي بسخاء بمقدار ما ننهل، وما نبذل من جهد في الأخذ عنه، والبحث فيه، وبمقدار التحضير الجيد للأسئلة التي نطرحها عليه، وهو لا يخلق ولا يبلي من كثرة الرد.
المهم: أن نسأل.
والله أعلم.
خاتمــة:
هو إبحار في بحر محيط بلا شطآن لاستطلاع أفاق اللقاء بين النفس وأغوارها وتضاريسها، وبين القرآن العظيم.
خلال الدراسة في الفصل المنصرم وفي مبحث التفسير وشروط المفسر وآدابه خطر لي أن فك شفرات النص القرآني مثل فك شفرات النص البشري كلاهما علم جليل يتعامل مع معجزات ربانية فيها أسرار، وتحتاج إلى مهارات.
توقفت أمام الآثار المعروفة عن هذا البرنامج التكويني، والبناء المنهجي لشخصية الصحابة الذين كانوا إذا تعلموا من الرسول صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل. قالوا: "فتعلمنا القرآن والعلم، والعمل جميعاً"
فماذا تبقى من علل نفسية بعد تكوين متين هكذا؟!
وكما تتنوع مدارس تفسير القرآن تتنوع مدارس علم النفس، ولكن علوم تفسير النفس وعلاجها في القرآن وبالقرآن ما تزال محتاجة لجهود المتأخرين كما اهتم بها المتقدمون من سلفنا الصالح في زمانهم، وقضايا عصرهم.
ومعرفة أسباب النزول تتضمن معرفة الجو النفسي الذي نزلت فيه الآيات، وستكون هذه إضاءة ملهمة لفهم آيات القرآن.
قد نصل من تتبع وتجميع هذه الفسيفساء والخيوط إلى نسج متكامل يكون بمثابة ما سألني عنه كثيرون مؤخراً من تفسير نفسي للقرآن، أو قراءات نفسية في آيات.
وكما أن تفسير القرآن يحتاج إلى تحصيل علوم شتى فإن فهم النفس، وقراءة نصها البشري يحتاج إلى علوم شتى، إذ كيف يجرؤ على الاقتراب من إعجاز الله في خلقه: "النص البشري" المبدع، من لم يدرس ويفهم منوال إعجازه في خطابه للبشر!!
وأثناء مذاكرتي للعلوم التي ينبغي للمفسِّر إجادتها، وهي "خمسة عشر" في قول السيوطى قفز إلى ذهني فوراً محاضرة مهمة لأستاذي الدكتور الرخاوي اهتم فيها بتوضيح العلوم التي ينبغي للطبيب والمعالج النفسي إجادتها.
وقد سمعت منه هذه المحاضرة مرتين بزيادة وتنقيح في الثانية التي ألقيت في مؤتمر علمي متخصص.
وعلت الدهشة وجوه الحاضرين وهو يتساءل: كيف يقترب من النفس من لا يعرف علوم الفلسفة، واللغة، وثقافة المحيط الذي يعيش فيه المريض، وتعاليم معتقده، وتاريخ نشأته وأحوال جسده وصحته، وتأثيرها على نفسه، وشبكة علاقاته، ومستوى التزامه الديني، وعلم تكوين المجموعات، وكاد أن يقول إن العلوم المتضمنة في الأنثروبولوجيا كلها مهمة!!
وكانت يستنكر - رحمه الله- أن يكون القول في النفس تعاملاً وفهماً وعلاجاً نهباً لكل من هب ودب ممن فاتهم تحصيل هذه العلوم، أو قدر معقول منها.
أرجو أن تكون هذه الإشارات بداية لجهود نحتاجها بشدة في زمان زادت فيه الأوجاع واستعصت على العلاج .
المراجــع
- مقتطفات متعددة من مقالات وأبحاث على موقع الرخاوي rakhawy.net
- القرآن يتحدى - بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي للعلاج بالقرآن بين الدين والطب النفسي - أبو ظبي - ١٠ - ١٢ أبريل 2007.
- وائل أبو هندي (٢٠٠٢) - نحو طب نفسي إسلامي - دار نهضة مصر.
- وائل أبو هندي : الوسواس القهري من منظور عربي اسلامي، سلسلة عالم المعرفة، عدد ٢٩٣ يونيو ٢٠٠٣
- تفسير التحرير والتنوير: الطاهر بن عاشور، الدار التونسية للنشر، ١٩٨٤.
- Rajagopal D., Mackenzie et al (2002):The effectiveness of a spiritually-Based intervention to alleviate subsyndromal Anxiety and Minor depression Among older Adults. Journal of religion and health, V 41 2:153 - 166.
- Hall DE, Koenig HG (2004): Conceptualizing "religion". how language shapes and constrains Knowledge. in the study of religion and health. Perspect Biol Med 2004; 47:386-401
- Hall DE (2006): Letter to the editor. The Journal of the American Board of Family Medicine 19:431-433
- Guess HA, Kleinman A, Kusek JW, Engel Lw (2002) :The science of the placebo - London: BMJ Publishing.