يزدحم الإعلام والمواقع الاجتماعية بنظريات متعددة لتفسير الأحداث العالمية في الآونة الأخيرة والبعض من هذه الآراء قد تقع ضمن إطار ما نسميه نظريات المؤامرة. نظريات المؤامرة هي معتقدات تفيد بأن أحداثًا أو مواقف معينة تُدار سرًا من قبل جهات قوية. تسعى النظريات النفسية إلى تفسير سبب تصديق الناس لنظريات المؤامرة، من خلال النظر في العوامل الإدراكية والعاطفية والاجتماعية. فيما يلي بعض النظريات والمنظورات النفسية الرئيسية:
١- التحيزات الإدراكية والاستدلالات البسيطة
• التعرف على الأنماط: البشر مهيؤون لاكتشاف الأنماط، حتى عندما لا تكون موجودة. غالبًا ما تستفيد نظريات المؤامرة من هذه النزعة من خلال تقديم تفسيرات تبدو مترابطة للأحداث المعقدة.
• التحيز للتناسب: يميل الناس إلى الافتراض بأن الأحداث الكبيرة يجب أن يكون لها أسباب كبيرة، مما يجعل المؤامرات تبدو أكثر منطقية عند مواجهة أحداث كبيرة مثل الأوبئة أو الاضطرابات السياسية.
• التحيز التأكيدي: يميل الأفراد إلى البحث عن المعلومات التي تؤكد معتقداتهم المسبقة وتفسيرها وتذكرها، مما يعزز نظريات المؤامرة التي يعتقدون بها بالفعل.
٢- الحاجة إلى السيطرة واليقين
• نظرية التحكم التعويضي: تقدم نظريات المؤامرة شعورًا بالسيطرة في المواقف الفوضوية أو غير المؤكدة. من خلال عزو الأحداث إلى أفعال مقصودة بدلاً من الصدفة، فإنها تقلل من القلق.
• عدم التسامح مع الغموض: بعض الناس لديهم قدرة منخفضة على تحمل الغموض ويلجؤون إلى نظريات المؤامرة لتقديم تفسيرات واضحة، حتى لو كانت خاطئة
٣ -العوامل الاجتماعية والثقافية
• نظرية الهوية الاجتماعية : يمكن أن تعزز نظريات المؤامرة الهوية الجماعية، خاصة عندما تصور النظريات الجماعة بأنها ضحية لأفعال خبيثة من جماعة أخرى.
• عدم الثقة في السلطات: أحداث تاريخية مثل التستر الحكومي (مثل فضيحة ووترغيت) تغذي الشكوك حول الروايات الرسمية، مما يجعل نظريات المؤامرة أكثر جاذبية.
• غرف الصدى: وسائل التواصل الاجتماعي والمجتمعات ذات التفكير المماثل تضخم معتقدات التآمر من خلال عزل الأشخاص عن وجهات النظر المتناقضة.
٤- العوامل الدافعية
• الحاجة إلى التفرد: يمكن أن تجعل نظريات المؤامرة الأفراد يشعرون بالتميز أو التفوق، وكأن لديهم "معرفة مخفية".
• القلق الوجودي: يمكن لنظريات المؤامرة أن تعمل كآليات للتكيف مع المخاوف الوجودية من خلال تقديم روايات تضفي معنى على الأحداث.
٥- المنظورات النفسية المرضية
• البارانويا والشك: المستويات العالية من البارانويا، التي غالبًا ما تكون موجودة في اضطرابات مثل اضطراب الشخصية قد تجعل الأشخاص أكثر عرضة للإيمان بنظريات المؤامرة.
• الذهانية: سمات معينة مثل التفكير السحري أو التشوهات الإدراكية ترتبط بزيادة احتمال الإيمان بنظريات المؤامرة.
• القلق والتوتر: المستويات العالية من التوتر، خاصة أثناء الأزمات، يمكن أن تزيد من القابلية للاعتقاد بالمؤامرات أثناء البحث عن تفسيرات تخفف من المخاوف.
٦- الحاجات المعرفية
• الحاجة إلى المعرفة: بعض الناس لديهم رغبة قوية في فهم العالم وشرحه. تقدم نظريات المؤامرة أطرًا تبدو منطقية تلبي هذه الحاجة، حتى لو كانت غير دقيقة.
• عدم الثقة في السلطات المعرفية: عدم الثقة في العلماء أو الخبراء أو الصحفيين يمكن أن يؤدي إلى الاعتماد على تفسيرات بديلة.
٧- علم النفس التطوري
• آليات بقاء الجماعة: ربما يكون التطور قد فضل الشك كآلية حماية ضد التهديدات المحتملة من الجماعات الأخرى. يمكن اعتبار نظريات المؤامرة امتدادًا لهذا الشك الوقائي.
٨- السياقات الثقافية والتاريخية
• الرنين التاريخي: يمكن أن تضفي المؤامرات الحقيقية في التاريخ، مثل مشروع "إم كي ألترا" MK Ultra لوكالة الاستخبارات الامريكية CIA في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي مستهدفاً تغيير تفكير الانسان من خلال استجوابهم و السيطرة عليهم، أو عمليات التستر التجارية، مصداقية على نظريات المؤامرة الحديثة.
• السرديات الثقافية: قد تكون بعض الثقافات أو الفئات الاجتماعية أكثر ميلاً للتفكير بالمؤامرة بناءً على التجارب التاريخية الجماعية (مثل الاستعمار أو القمع النظامي).
الخلاصة
تستمر نظريات المؤامرة لأنها تلبي احتياجات نفسية وعاطفية واجتماعية. ورغم أنها قد تقدم راحة مؤقتة أو إحساسًا بالتضامن، فإنها غالبًا ما تأتي على حساب التفكير النقدي والثقة في المؤسسات الشرعية والتماسك الاجتماعي. يمكن أن يساعد فهم هذه الأسس النفسية في تطوير استراتيجيات لمواجهة انتشار معتقدات المؤامرة.