السيكولوجية الفطرية للعلمانية والدين: خلل نفسي وليس صراع فكري
قبل الخوض نفسيا بذلك لابد من تحرير المصطلحات لغويا، فالعَلمانية بفتح العين تعني الدهرانية أو الدنيوية كما جاء بأصولها السلفية عند الغرب وصراعه مع الكنيسة أي لا يوجد شيء متعالي على الإنسان فلا خالق ولا قيم ولا آخرة ولا بعث ولا نشور فالإنسان خالق ورب نفسه وصانع قيمه وتاريخه وقدره
والدين يعني من الدين بفتح الدال أي علاقة بين دائن ومدين وحق للدائن على المدين ونقصد به هنا بالدين السماوي وهو الإسلام والمسيحية واليهودية والصابئة وليس الأديان الوضعية المادية التي تبلغ عددا كبيرا جدا
وقبل الخوض بتفصيل ذلك لابد من توضيح الطبيعة النفسية للإنسان، فالنفس البشرية تتكون من ثلاث مكونات أساسية وهي الغرائز الترابية أو البدائية أو الحيوانية بتعبير بعضهم وهي لا تؤمن ولا تتفعل إلا بالمحسوسات المادية عن طريق الحواس الخمسة من مؤثرات سمعية وبصرية وحسية وغيرها كحب المال والجنس والظهور والمناصب المادية والقيم السلبية كالحسد مثلا
المكون الثاني هو الغرائز الفطرية وتضم القيم الدينية والخلقية كغريزة الغائية والعلية والتي تطرح على الإنسان عند بلوغه ما يسمى الأسئلة الوجودية الثلاثة وهي من خلقك ولماذا خلقك ودوره بحياتك وما مصيرك بعد الموت وهو ما يسمى مرحلة التفكير الأخلاقي والمعرفي المجرد حيث تتفتق هذه الغرائز وتبدأ بالعمل بنهاية الطفولة وبداية المراهقة وهذه الأسئلة الوجودية الثلاثة هي محل صراع وخلاف الفلاسفة والأديان والعلمانيين عبر التاريخ قديمه وحديثه حتى يوم الناس هذا
المكون الثالث من الغرائز هو الغرائز المعرفية وهي مسؤولة عن التفكير والفك والتركيب والاستدلال وغيرها من غرائز وهي محل الإرادة والتكليف
علاوة على أن هناك قانونين منطقيين علميين يحكمان الوجود بأكمله قضه وقضيضه هما قانون الدور وقانون العلية الأول يعني أنه لا يمكن للشيء أن يخلق نفسه والقانون الآخر أنه لكل موجود غاية بوجوده ربما نعلمها ولا نعلمها، والخلاف بين الدين والعلمانية هو الاحتكام لهذه القوانين المنطقية فدعاة العلمانية بفتح العين يؤمنون بنظرية داروين وأن أصلهم حيوانات متطورة ولو سلمنا معهم بذلك السؤال الآخر فمن خلق تلك الحيوانات نتابع حتى نصل للكائنات وحيدة الخلية ثم الصدفة والعدم وحسب قوانين المنطق أن العدم لا يخلق شيء والصدفة باطلة علميا يبقى الخيار الأوحد الآخر هو وجود خالق لكل شيء
وهنا مكمن الخلل النفسي فأتباع الأديان السماوية يقرون بوجود خالق وفق قوانين المنطق التي ترشده إليه الأسئلة الوجودية الثلاثة حسب الغرائز الفطرية بينما العلمانية تحاول إنكار قوانين العلم والمنطق بسبب تغلب الغرائز الحيوانية عليها فهي لا تؤمن إلا بوجود واحد ذو بعد وحيد يؤمن باللذة المادية التي تهيمن على خريطته النفسية فهو يلهث خلف الأشياء المادي معتقدا هي سبب السعادة كالجنس والمال والمنصب والشهرة ولكنه ما يلبث أن يشبع رغبة وغريزة حيوانية عنده حتى تتفجر رغبات أخرى فيعيش بحلقة مفرغة من هذا الوهم المادي فيسهل قود واستغلال هؤلاء لمشاريع وأجندات خاصة كونه يمكن التحكم بالأسباب المادية من خلال قانون العصا والجزرة
بينما الذي يؤمن بوجود خالق فهو يؤمن بأسباب متعالية خارقة للخالق فهو يتوافق مع قوانين المنطق بأن له خالق ونهاية بعد الموت ومحاسبة ودور للخالق لحياته اليومية فمهما واجهته منغصات ومعضلات حياتية فإنه يعرضها على أبعاد الوجود كاملة وهو مستعد يضحي بجسده المادي مقابل اليوم الآخر عكس الآخر الذي يتمسك بالحياة حتى آخر لحظة لأنه يعتقد بالفناء الأبدي بعد الموت ويسأل هل من مزيد!
ومن الناحية النفسية فإن العلماني أكثر شخص متناقص مع نفسه منطقيا ويعيش قلق وخوف وبدل عبادة الخالق فإنه يعبد الأشخاص الذين يشبعون غرائزه المادية لأنه لا يمكن إسكات غرائز التدين عنده، بل إشباعها بشكل مشوه حتى لا تبقى مصدر قلق ووحشة عنده لأن الإنسان يدرك أنه ضعيف ولا يملك قرار حياته ولا موته، ولكن بسبب الخلل النفسي بخريطته النفسية ينكر ذلك لذلك يسهل تجنيد هؤلاء الأشخاص لأن ما يؤمنون به يسهل التحكم به وبمتناول اليد عكس الإنسان الرباني، كما أن نسبة الأمراض النفسية والإدمان والانتحار والحسد والدموية والعنف والتطرف تنتشر بنسبة أكبر عند هؤلاء مقارنة بغيرهم
أما أتباع الأديان السماوية فهم متفاوتين بالإيمان بين جزء أقرب للعلمانية وجزء متجرد من الأسباب المادية فهؤلاء أشجع وأكثر عقلانية ومنطقية وأوسع عقلا من غيرهم والأديان السماوية جميعها مكملة لبعضها البعض وختمت بالدين الخاتم الإسلام والذي يختلف عن غيره بوجود تشريع للحياة الدنيا بجميع المجالات موضوع من قبل خالق الإنسان فهو أدرى فيه كأي كتلوك لأي ألة رغم اتفاق تلك الأديان حول مبادئ عامة كوجود الخالق والأخلاق ولكن تختلف بصفات وصورة هذا الخالق ودوره بالحياة فالإسلام يعتبر العهد النبوي والراشدي هو نهاية التاريخ البشري أي المنظومة القيمية والدينية بينما العلم والمعرفة متطورة حسب الزمان والمكان بينما العلمانية فهي كل يوم بتخبط وكل يوم لها نهاية من الإنسان الإله إلى موت الإله إلى نهاية التاريخ الليبرالي إلى صراع الحضارات إلى الجندرة ومهما حاولوا تلطيف وتلميع مفهوم العلمانية فهذه حقيقتها النفسية والتاريخية
وختاما فإن الدين الخاتم يسعى للارتقاء بالإنسان من مجرد كائن يلهث خلف غرائزه الحيوانية إلى مخلوق كريم بيد خالق عظيم يسعى لإشباع غرائزه الفطرية بالتعالي عن الأسباب المادية والعمل بصفات خالقه حتى تصبح الأخلاق الإيجابية هي المسيرة لسلوكه، بينما العلمانية تسعى لتسفل الإنسان وأنه مجرد حيوان يسعى لإشباع غرائزه المادية
وشتان بين إنسان يزعم أنه خليفة الله وإنسان يعتقد أنه حيوان
فمن أولى أن نسمع له ونطيعه ونتبع شرعه الخالق الثابت الصفات والأسماء أم المخلوق المتغير كل يوم بدون أي سمت ثابت، لذلك تشترك وتصطف جميع الأيديولوجيات والأديان الوضعية بمشترك واحد بالعلمانية بدرجاتها المختلفة من الخفيفة حتى اللائيكية ضد وجود خالق وبفصل الدين عن الدولة والحياة والمقصود به فقط الإسلام بالعهد النبوي والراشدي لعدم امتلاكها تشريع واضح يشمل جميع مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والشخصية الذي يمتلكه فقط الدين الخاتم لذلك أمر طبيعي يتصدر المشهد رجال دين من جميع الأديان الوضعية بالمطالبة بالعلمانية أي رفض التشريع الإسلامي لأن البديل التشريع العلماني الذي يؤمنون به كدين لهم
فهم يدافعون عن دينهم العلماني المتغير كحركة التوربينات الهوائية والآخرون يدافعون عن دين الله الثابت بقيمه الخلقية والدينية المتطور بأدواته وأساليبه المعرفية والعلمية
ولله في خلقه شؤون
واقرأ أيضًا:
سيكولوجيّة التضحية وأزمة الحداثة وعلم النفس / غزة والغاز والانزياحات الجيوبوليتكية بالمنطقة