إدمان الفتوحات العاطفية(1)
إدمان الفتوحات العاطفية (سيكولوجية متعددي العلاقات)
* طبيعة الرجل التعددية: وهذه مسألة فيها إشكاليات والتباسات كثيرة ولها تداعيات تستوجب التأمل الواقعي والتفكير دون تحيز أو شعارات تبعدنا عن الحقيقة وتزيد الأمور غموضا وتعقيدا خاصة إذا كانت مدفوعة برغبات وإرادات سياسية لا تعي ولا تقدر التركيبة النفسية للبشر والحكمة من ورائها على المستويات الأوسع والأعمق وليس على مستوى سطحي واحد. ففي إحدى الدراسات تبين أن النساء اللائي يتزوجن أكثر من مرة نحو 10% بينما الرجال الذين يفعلون ذلك يبلغون نحو 40%، وهذا التفاوت الإحصائي يدلنا على غلبة طبيعة التعدد لدى الرجل، وهو أمر مشهود على مدى التاريخ وفى الثقافات المختلفة والظروف المتعددة (قد يشذ هذا الأمر أحيانا ولكنه الشذوذ الذي يؤكد القاعدة ولا ينفيها).
وقد يعترض البعض على هذا الأمر ويستشهد ببعض الأمثلة على وجود التعددية لدى الإناث كما هي لدى الذكور في الحيوان والإنسان، وأن المجتمع الذكوري هو الذي يسمح بها أو يتسامح معها لدى الذكور ويحرمها على الإناث لمصلحة الذكور. ويرد أصحاب هذا الرأي على الإحصاءات السابقة بأن النساء يعددن علاقتهن سرا في أغلب الأحيان، في حين يعلن الرجال (الطائشون البلهاء) عن علاقاتهم وربما يتباهون بها كشهادة إثبات على جدارتهم وجسارتهم وفحولتهم (مأخوذة من فحل الثور.. يستاهل) الذكورية.
ولكن القاعدة الأوسع من الملاحظات والمعلومات والدراسات تؤكد الميل للتعددية لدى الذكور أكثر من الإناث. ونموذج المرأة التي تميل إلى التعددية الجنسية موجود وخاصة في البغايا (المومسات.. والعياذ بالله) وهو لا يقاس عليه لأنها نماذج غير سوية لا تشكل القاعدة الأساسية للنساء (ابتعدي أحسن لك، أنت ست محترمة، وطظ في التعددية وفى الرجاله كمان.. سمعتك وكرامتك أهم). والمرأة التي تميل إلى التعددية العاطفية غالبا ما تكون لديها سمات هستيرية أو نرجسية وهى اضطرابات في نمط الشخصية لا ينسحب حكمها على عموم النساء (دى برضه مش من مقامك).
وربما يكون وراء ذلك حكمة حيث أن المرأة تحمل أمانة حفظ النسب للطفل الذي تحمله من زوجها كما تحمل أمانة التربية الأخلاقية لأبنائها وبناتها ربما أكثر من الرجل نظرا لقربها منهم خاصة في مراحل حياتهم المبكرة، ولهذا يقال بأن المرأة هي مستودع الأخلاق في المجتمع، وهى أبعد عن الخيانة من الرجل بحكم فطرتها وبحكم طبيعة دورها الذي هيأها الله له.
ونسبة غير قليلة من النساء حين يحرمن من الزوج بسبب الطلاق أو الوفاة يرغبن عن الزواج مرة أخرى (ولو أن هذا مشروع لها دينا وعرفا) وتقول الواحدة منهن "إنني لا أحب أن أنكشف على رجل ثان"، وكأن فطرتها تميل إلى ذلك، وهذا عكس الرجل الذي يسارع بالزواج عند فقد زوجته (وربما في وجودها) وتراوده كثيرا أحلام التعدد في نومه ويقظته (لو قلت أنك لست منهم فسأعذرك إن كانت زوجتك بجانبك أو أنها أقنعتك بقدرتها على قراءة أفكارك).
وقد وجد كينزى (وهو -كما ذكرنا- من أشهر الباحثين في العلاقات والوظائف الجنسية.. كفانا الله وإياكم شرها) أن 25% من المتزوجات في المجتمع الأمريكي الأبيض يزنين، بينما يزنى من المتزوجين 45%، وفى هذا دليل إضافي على ميل أقوى لدى الرجل نحو تعدد علاقاته (عن الموسوعة النفسية الجنسية، دكتور عبد المنعم الحفني، 1999، مكتبة مدبولي، القاهرة).
وربما لهذا الميل شرع الدين مسألة تعدد الزوجات حتى تكون صمام أمان لهذه الرغبة الفطرية في ظروف بعينها وبشروط حددها الشرع كبديل صحي للعلاقات المنفلتة وغير المسئولة التي تضر بالفرد والمجتمع (خدي بالك.. إوعي تعترضي).
* ميول سادية: فالسادي (الذي يستمتع بإيذاء الآخرين وإذلالهم) يجمع أكثر من امرأة لإشباع حاجته في السيطرة والتحكم والإذلال، وهو يسعد بمشاعر الغيرة والألم لديهن جميعا، وقد يجمعهن في مكان واحد أو على سرير واحد، إمعانا في التشفي منهم والاستمتاع له .والسادي يبحث عن المرأة الماسوشية (التي تستعذب الألم يقع عليها) التي تسعد بساديته ويسعد هو بماسوشيتها (يتهنى سعيد بسعيدة.. وكل فوله ولها كيّال).
* دوافع أوديبية: بأن يتزوج الرجل فتاة صغيرة في سن ابنته فيسعد هو بإغداقها بالحنان الأبوي وتسعد هي بالاحتماء الطفولي به كأب. وقد يكون وراء هذا الزواج ميولا شبقية مستترة نحو المحارم (هذا كلام فرويد.. خد بالك، وما تعملهاش بلاش قلة حيا).
* الجوع العاطفي أو الجنسي أو كليهما: هذا الجوع يصيب الأشخاص الذين حرموا حنان الأم أو حنان الأب في الطفولة، وهذا يجعلهم يبحثون عن الحب والحنان بقية حياتهم لدى كل من حولهم، وهم لا يشبعون أبدا ولا يرتوون، بل يصل بهم الأمر إلى حد "التسول العاطفي" (شحاتين الغرام.. على رأى ليلى مراد ومحمد فوزي) بمعنى أنهم يأخذون المظهر الضعيف المسكين المحتاج الذي يستدر مشاعر الآخرين تجاههم فيقتربون منهم ويمنحونهم الحب والعطف والحنان وربما الجنس. وقد يلجأ الجوعى عاطفيا إلى رشوة الآخرين لحبهم والارتباط بهم فتجدهم يكثرون من الهدايا والخدمات للآخرين لضمان حبهم واستمراره (أرى كثيرين الآن يعلنون أنهم يقبلون الرشوة).
* الدونجوانية: هو نموذج شائع في متعددي العلاقات العاطفية والجنسية، وهو ما يطلق عليه "زئر النساء" (أكيد تعرفه)، ويقال أنه كان شابا حقيقيا عاش في أشبيلية بأسبانيا، وكانت له مغامرات عاطفية كثيرة حيث كان إغواء الفتيات والنساء من أقوى اهتماماته، وقد قتل والد إحدى ضحاياه حين حاول الدفاع عن ابنته والتصدي له، فظهر له بعد ذلك جماعة من الرهبان استدرجوه إلى حيث مدفن الأب القتيل وقتلوه هناك، وقد صور موزار هذه القصة في أوبرا دونجيوفانى.
وهناك نمطين لشخصية دونجوان هما:
1- دونجوان الوسيم: وهو يتميز بالجمال الأقرب للنموذج الأنثوي (وسيم وشعره ناعم وضاربه جيل)، ولذلك فهو يعانى من عقدة الذكورة، ولديه نقص داخلي عميق في الإحساس برجولته، ومن هنا يحاول في كل وقت أن يؤكد رجولته من خلال غزو قلوب الفتيات، وكل فتاة يفتح قلبها (أو جسدها) تعطيه تأكيدا على أنه رجل (بحق وحقيق)، وتوقع له في الأتوجراف على حقيقة ذكورته (التي يشك فيها).
2- دونجوان القبيح: ويطلق عليه طراز "كازانوفا" ، ويبدو قبيح الشكل، ولكنه يتميز بالجرأة والإقدام والاقتحام في علاقته بالنساء، وهذا يعوض قبح شكله، تلك الجرأة التي تجعله قادرا على اختراق المجال غير المنظور لكثير من النساء فيرتمين تحت قدميه (خاصة من لديهن ميولا ماسوشية أو شكوكا في جدارتهن الأنثوية)، فعلى الرغم من قبحه وسلاطة لسانه وقسوته ووقاحته إلا أن لديه قدرة استثنائية على فتح قلوب كثير من النساء يندهشن ويفاجأن بقدرته على اختراق حواجزهن، ويستجبن لصراحته وجسارته ووقاحته ويعتبرن ذلك صدقا ورجولة.
ونموذج "كازانوفا" لديه مشكلة قديمة في علاقته بأمه (تاني...!!) ، فنظرا لقبح منظره أحس برفض أمه له ونبذها إياه، وتكرر ذلك الرفض والنبذ من بقية النساء، لذلك فعلاقته بالنساء تهدف إلى امتلاكهن والسيطرة عليهن بكل ما يملك من وسائل السيطرة، ثم إذلالهن (كرموز لأمه أو بدائل لها... ندل وجبان وما عندوش أصل!!) واستحلالهن والعبث بهن. وهن يرضين بذلك تحت سطوة حبه وجرأته واقتحامه لأسوارهن ومعرفته بنقاط ضعفهن واحتياجاتهن وتلبيتها أكثر من غيره (يستاهلو بقى هانعمل لهم إيه).
مستويات الاحتياج والتعدد:
للإنسان مستويات متعددة من الاحتياجات تبحث عن الإشباع (وهذا تفسير وليس تبرير للتعدد)، وللتبسيط نوجز هذه الاحتياجات في المستويات التصاعدية التالية:
*المستوى الجسدي: وهو يبحث عن الإشباع الحسي الجنسي بدرجاته المختلفة.
*المستوى العاطفي: وهو يبحث عن إشباع المشاعر والأحاسيس، ويهفو نحو الرومانسية الصافية.
*المستوى العقلي: وهو يبحث عن إشباع رغبة التفاهم والتلاقي الفكري والولوج إلى دهاليز المعرفة والصعود إلى آفاق الفكر (ببساطة يقول أنا باحبها علشان دماغها كبير... أو هي تقول الشاب ده أو الراجل ده دماغ)، فالدماغ هنا هو أساس العلاقة.
*المستوى الروحي: وهو يبحث عن الإشباع مع شريك ذات مواصفات روحية خاصة يحمل الآخر معه إلى آفاق روحية تتجاوز العالم الحسي، وهذا المستوى نجده لدى المنتمين للجماعات الصوفية، ولدى الشعراء والفنانين.
وبناءا على هذه المستويات المتعددة للاحتياجات تنشأ رغبات في التعدد في صورة تباديل وتوافيق متعددة نضرب لها بعض الأمثلة للتوضيح والفهم:
فمثلا هناك زوج يستوفى من زوجته كل مستويات الاحتياج ولكن ينقصه منها الجانب الجسدي، أو يغريه في غيرها ذلك الجانب، فيتورط في علاقة على المستوى الجسدي (فقط) مع أخرى (قد تكون امرأة من مستوى اجتماعي أدنى.. جدا.. خادمة أو راقصة درجة ثالثة.. ولكنها تتمتع بمزايا جسدية مثيرة تفتقدها زوجته المحترمة جدا.. جدا)، على الرغم من استمرار علاقته بزوجته على المستويات العاطفية والعقلية والروحية (شوف الراجل الناقص الرمرام!!).
وفي حالة أخرى نجد زوجة تعيش علاقة مشبعة مع زوجها على كل المستويات ولكنها تفتقد فيه المستوى العاطفي، فتهفو إلى إشباعه من شخص آخر يثير مشاعرها ويحرك أحاسيسها ويأخذها في أجواء رومانسية ساحرة، وهى تقول: "زوجي رجل طيب وفيه كل المزايا لكنه غير رومانسي" (عيب عليكى يا هانم).
ومثال ثالث لزوج يجد في زوجته إشباعا للمستوى الجسدي لديه ولا يجد إشباعا لبقية المستويات فيبحث عن الإشباع للمستويات المحرومة (يا حرام) في أخرى أو أخريات (مش أحسن ما يموت من الجوع؟؟).
ومثال رابع لزوج يرى في زوجته أشياء كثيرة تسعده إلا أنه يجد في زميلته أو سكرتيرته أو إحدى تلميذاته قدرات عقلية يرتاح للتحاور معها لساعات طويلة (قال إيه بيتكلموا في الشغل!!) لذلك يستمتع بالحديث إليها بشكل مباشر أو على التليفون أو عن طريق الشات، وهو لا يريد منها أي شيء غير ذلك فهي مجرد عقل يحاوره (أو هكذا يبدو في أول الطريق، كفانا الله وإياكم شر نهايته)، وربما تنشأ بينهما مشروعات ثقافية أو علمية أو فكرية مشتركة، أو يكون ذلك مبررا لاستمرار هذه العلاقة على المستوى العقلي أو انتقالها لمستويات أخرى جائعة أو طامعة (وما أكثرها لدى أطفال الشوارع ورجالها ونسائها).
وقد تتوقف العلاقات السابقة عند الإشباعات الجزئية كما ذكرنا وقد تنتقل من مستوى لآخر حسب تغير شدة الاحتياجات وقدرة الطرف الآخر على إشباعها من عدمه أو ظهور مستويات مغرية بإشباعات عالية القوة أو الجودة.
إذن هناك احتمالات للاحتياج على مستوى أو أكثر ومحاولات للإشباع من أخرى أو آخر أو أخريات لهذه المستويات، وهذا يفسر لنا الكثير من العلاقات الجزئية أو الخيانات الجزئية. أما إذا فقد الإشباع على كل المستويات (أو ازداد الطمع والجشع والشره عليها) فإن الشخص يبحث عن إشباع كامل في علاقة خيانة كاملة للطرف الآخر وكأنه غير موجود.
وهنا يبرز سؤال: وهل لا بد من إشباع كل المستويات بالشكل الذي يريده كل إنسان لنفسه ؟... لو كانت الإجابة هنا بنعم فإننا بهذا نقر التعدد كحتمية إنسانية لا مفر منها، وفى الواقع فإن الإنسان لا يحصل على كل احتياجاته في أي شيء (ولا يجب أن يحصل) بل تبقى لديه احتياجات غير مشبعة، وهذا مفيد لنموه النفسي وتطوره على مستويات مختلفة، فدرجة من الحرمان مطلوبة للصحة النفسية، ودرجة من التسامي عن الاحتياجات الأدنى وتعويضها باحتياجات أرقى (في العلم والعمل والدين وخدمة المجتمع والارتقاء بالحياة) أيضا مطلوبة للصحة النفسية ولإنقاذ الإنسان من طمعه وجشعه وتورطه في الإشباع من المستويات الأدنى للاحتياجات.
أما إذا تغلب الطمع على الإنسان وسعى بشراهة لإشباع كل رغباته فإنه بذلك يبتعد عن الصحة النفسية ويدوس في نفس الوقت الكثير من القيم الاجتماعية والأخلاقية، وتفوته الكثير من ملذات النجاح والإنجاز والرقي والتحليق في الآفاق العليا للنفس والروح وهى أكثر إمتاعا وخلودا (للناس اللي بتفهم وتحس وتستحي).
ولا يوجد إنسان قادر على إشباع احتياجات إنسان آخر بشكل كامل، ومن هنا يبدو مفهوم الرضا بالمتاح من الشريك الشرعي (الزوجة أو الزوج)، ومحاولات إيجاد وسائل إشباع على مستويات أرقى –كما ذكرنا- مثل العلوم والفنون، والإصلاح الديني أو الاجتماعي، والارتقاءات الروحية، وهذه الإشباعات البديلة والأرقى هي مخرج صحي حتى لا يغرق الإنسان في احتياجاته الجسدية أو العاطفية الأدنى.
ويتبع>>>>>: إدمان الفتوحات العاطفية(3)
واقرأ أيضًا:
نفسي عائلي: زواج ثاني Second Marriage / نفسي عاطفي علاقات متعددة Multiple Relations / نفسي عائلي: خيانة زوجية Marital Infidelity