قالوا عن المرأة السعودية
كان خبير (المكياج) -في برنامج يعنى بالزينة في قناة مصرية خاصة- يضع طبقات كثيفة من الألوان على عيني (الموديل)، باعتبار أن الفتاة الخليجية تغطي وجهها عدا منطقة العين، ومن ثم تهتم بإبراز هذه المنطقة وتجميلها، وكانت إضافة الألوان تتم بصورة بدت لي لا نهاية لها! إلى أين يمضي؟ وأي صورة هزلية يحملها هذا الخبير عن الفتاة الخليجية؟. في السعودية الخروج بمكياج للعين بهذه الصورة يعد خروجا على الآداب العامة، بل السائد إما كشف الوجه أو تغطيته عدا العينين مع مكياج خفيف للعين إن وجد.
ما يحصل من بعض المصريين هو اختصار الفتاة السعودية في نمط معين، وقالب جامد، في تغييب للحكم المنصف، والتعامل مع الثراء الإنساني الخاص بكل فرد.
تنميط مصري
تعاملت مع مصريين على عدة مستويات، ومن أجيال مختلفة، بعضهم يعيش في جدة وبعضهم في مصر، وكان القاسم المشترك بين بعضهم هو الذاتية المصرية –إن صح التعبير- تلك الذاتية التي تحجزهم عن التواصل المستكشف الذي يقدر الاختلاف، ويحتفي به، فضلا عن عدم قدرتهم على تجاوز رؤيتهم الخاصة للحياة باعتبارها الرؤية الأمثل التي ينبغي أن تحاكم إليها ثقافات الآخرين.
وهذا نجده حتى عند بعض المصريين الذين يعيشون في المجتمع السعودي، والجهل عند هؤلاء يكون مركبا، لأن الصورة التي ينقلونها تكون مستندة إلى اعتقاد النظرة العليمة بتفاصيل الحياة في المجتمع السعودي، وهم في الحقيقة لا يرون إلا أمورا مجتزئة، يصدرون من خلالها أحكاما تعميمية.
على مستوى التعليم مثلا، كيف يمكن للأستاذة الجامعية أن تؤثر في طالباتها إيجابا وهي تتعامل معهن على أنه لا فائدة ترجى من توجيههن، لأنهم لا يهتمون إلا بما هو سطحي وفارغ المضمون، ولأنهم نتاج بيئة جاهلة ومتخمة ماديا أفرزت نفسيات لا أمل في إصلاحها، هكذا كنت أرى تعامل بعض الأستاذات المصريات في إحدى الجامعات السعودية (ولا يعني ذلك عدم وجود نماذج ممتازة من الأستاذات المصريات خلقا وعطاء علميا)، نعم هناك تجاوزات من الطالبات، وهناك خلل في المفاهيم عن التعليم وأهميته كغذاء للروح والعقل، لا شك في ذلك، لكن ما هو دور المعلم، أليست التربية هي الدور الأساس؟ وكيف يمكن القيام بهذا الدور إذا كان المعلم يتعامل بنفسية مترفعة، مزدرية للطالب؟
وقد جمعتني دورة تدريبية بإحدى الفتيات السعوديات، كانت أكثرنا تألقا بذكائها ودأبها، وعرفت فيما بعد –من غير طريقها- أنها تعول أسرتها لوفاة الأب، وتقوم بالادخار من مرتبها لتطوير قدراتها، قالت لي: كنت فيما مضى لا أكن احتراما للمصريين، ففي الجامعة صادفت نماذج تعاملنا بترفع، صدني عن الاستفادة والتعلم الحقيقي، وهذا لم يكن صوابا بالطبع، لكني لم أدرك ذلك حينها، ثم غيرت نظرتي إلى المصريين الفضائيات المصرية، متابعتي لها علمتني أن أحترم هذا الشعب، ولا أقع في التعميم ذاته الذي ظلمني، والذي عوملت وفقا له كجزء من صورة تنميطية كل السعوديات يشتركن فيها.
التغيير لا ينافي التقبل
وعلى مستوى الاستشارات الأسرية والاجتماعية، نجد أن الصورة التي تعالج على أساسها المشاكل الواردة من السعودية عند بعض المستشارين المصريين هي ذات الصورة التنميطية، وهذا لا يضر فقط بفهم المستشار وحكمته، ولكن يضر بالمستشير حين يجد نفسه تبعا للحلول التي تقدم من مستشارين لهم ثقلهم متخاصما مع بيئته الخاصة، وثقافته، وسعيه للتواصل معها هو سعي الناقم عليها، لا المتقبل لها -وتقبل وجود الخلل لا يعني الرضا عنه أو عدم السعي لتغييره- المدرك لجمالها كما ارتباكاتها.
من ذلك الصورة السائدة عن المجتمع السعودي من حيث ضيق أو انعدام مساحة المجال العام الذي يتعارف فيه الجنسان بالضوابط الشرعية، هذا موجود نعم وإن كانت هذه المساحة اتسعت في الأعوام الأخيرة، مع اتساع مجالات عمل المرأة، وكذا كثرة النشاطات التطوعية والثقافية التي يشترك فيها الجنسان، الفكرة التي يتم طرحها غالبا هي وجوب الوصول بالمجتمع السعودي إلى هذه الصورة (صورة المجال العام)، وشقاء الشباب من الجنسين إلى أن يوفقوا إلى تغيير طبيعة مجتمعهم، وهذا غير حكيم في تقديري، رغم أني أعتقد أن فكرة المجال العام هي النموذج الإسلامي الصحيح وعدم تمكنها في شرائح كثيرة في المجتمع السعودي هو خلل إلا أن هذا الخلل يمكن التعامل معه بعيدا عن الدرامية والتضخيم، الذي يفقد الشباب توازنه، وقدرته على التعامل المتبصر معه دون سخط يمنعه من الإحساس الإيجابي بحياته، والمرونة في تغيير ما يراه سلبيا كما هي الحياة في كل المجتمعات.
كثيرات من السعوديات يرفضن التضييق في حقوق لهن فيها سعة شرعا، لكن هذا التضييق هن يفقهن تماما أنه جزء من حياة يحببنها، ويحببن أن يتعاملن مع جوانبها المختلفة التي يرضين عنها وتلك التي لا يرضين عنها، لأنهن مرتبطات بها وجدانا وملامحا، ربما لو لم تكن كذلك لم يكن ليحببنها أو يشعرن بهذا الانتماء إليها.
في نمط الحياة الجداوي قد تفتقد السعوديات إشراق مساحات فيه لكن هذه العتمة لا تخل بجماله الخاص، ومساحات الهدوء والألفة، وعبر هذه المساحات تتكشف آفاقا مديدة عبر مرونة الحياة في جدة، هذه المرونة التي تتجاوب مع من يحسن التعامل معها، وتحرم من فضاءاتها المتشنجين روحا وفكرا.
حقوق بلا سكينة
أنا هنا لا أهون من شأن السلبيات الحاصلة في مجتمعنا، لكني أنبه على أن تنميط حياة المرأة السعودية وفقا لها، فيه جهل مستتر بسنة حياتية لا ينفك عنها مجتمع إنساني، وهي نسبية الحقوق، تبعا للثقافة والزمان والمكان، والأهم من ذلك هو العلاقة الوثيقة بين روابط الود والإحسان والفضل وبين الحقوق وتحصيلها، فعدم تطبيقنا لكامل قناعاتنا وتنازلنا عن بعضها تطبيقا لا فكرا أو تعبيرا، لا يعد كبتا أو غبنا أو قهرا كما قد يلتبس على البعض، بل قد يكون تحققنا بذواتنا في حفظ ودنا لأهالينا، واحترامنا لأعراف مجتمعنا، وترفقنا في الحديث عما نعده توعية وتبصيرا دون اصطدام أهوج أحمق يطيح بالقيم النبيلة، ويغيب فيه أن لدفاعنا عن حقوقنا وتمسكنا بها، أخلاقا، إذا لم نشبث بهذه الأخلاق تشبثنا بحقوقنا، فإننا سنتحصل على حقوق جرداء لا روح فيها ولا سكينة.
قناع اجتماعي
تواصلت مرة مع إحدى المفكرات المصريات التي أجد كتاباتهن نموذجا للفكر المتزن، وكنت أحدثها عن مقدار تأثري بكتاباتها التأصيلية، وفي ثنايا الحديث قالت لي: لم لا تزورينا في مصر، وأضافت بنبرة تجمع بين السخرية والشفقة: أم أن السفر بدون محرم حرام؟ لم أفهم حينها لم تتحدث بهذا الأسلوب؟ وكيف أنها لا تهتم ولو تجملا بوضع قناع اجتماعي في تعاملها مع قارئة مهتمة بكتاباتها، فتتحدث إليها بطريقة فجة لا ترى فيها عوجا. وبعد تجارب مماثلة حدثت لي ولبعض من أعرف اكتملت لدي الصورة، هناك خلل حقيقي في النظرة المصرية للمرأة السعودية، وهذا الخلل نجده عند بعض النخبة أكثر تمكنا، فبدلا من أن توضع سمات المجتمع السعودي، في موضع النظر المتأمل، والاحترام اللائق بثقافة مختلفة فروعا لا أصولا -نظرا لوحدة الدين- فإن كل هذه الأمور تهدر مقابل التعميمات التي تحجب بغشاوتها نور الفهم عن العقل والقلب. ولو تم التعامل مع المجتمع السعودي بروح التعارف على الجوانب المختلفة لديه، فإني أعتقد أنهم سيكسبون حينها نظرا أعمق، وروحا أكثر ودا وجمالا، ومعلومات أكثر ثراء وتنوعا.
والله أعلم
ويتبع : أوهام مصرية عن المرأة السعودية مشاركة
اقرأ أيضاً:
المرأة وحكمة الاختيار / الحنابلة والدور التنموي للمرأة / وهل نجح الحل البديل ؟