تأملات في مسيرة الفكر والشعور
* في مسيرة الفكر والشعور والتفاعل مع الحياة والتاريخ والعلم وفي طريق تنفيذ الفوائد من العلم على أرض الواقع ظهرت لي بعض العثرات وهذه العثرات متشعبة في مناحي الحياة الفكرية والعملية والاجتماعية والنفسية والدينية ومن ضمن هذه الأشياء هو ما أسميه تساقط أقنعة التميز لشخصيات ظننا بها أنها متميزة وفريدة وأنها كوادر مختلفة وتربينا على حبهم وقراءة كتبهم ولكن ظهر لنا نتائج أقوالهم الخاطئة وسوء نواياهم الخبيثة وضعفهم أو جهلهم أو ظهر لنا من هو أولى منهم بالقراءة والاهتمام وذلك بعد كثرة القراءة والإطلاع.
* وعند وزن أعمال وأقوال هؤلاء بميزان التاريخ والعلم والواقع فظهر لنا تساقط لأقنعة تميزهم أمام العلم وتساقط لأقنعة تميزهم أمام التاريخ، وتساقط لأقنعة تميزهم أمام الواقع. والأخيرة تساقط أقنعة التميز أمام الواقع لا تقتصر على أصحاب المناصب أو شخصيات التاريخ أو أصحاب العلم ولكن أنا وأنت وكلنا مهددون بهذا التساقط في رحلة تنمية الذات والقدرات الشخصية وسوف أتكلم عن كل نوع من التساقط بمعزل عن النوع الأخر لأن الأمر جد خطير ونبدأ بإذن الله بتساقط أقنعة التميز أمام العلم والبقية في مرة قادمة بإذن الله.
الخلط بين العالم وشبيه العالم
* ظهر الخلط بين العالم وشبيه العالم وبين المجتهد والجاهل وبين العلماء الراسخين في العلم وبين المبتدئين فيه. فظهر لنا بعض الشيوخ الكبيرة والمشهورة إعلاميا التي تقول بأقوال في مسألة شرعية لم يقل بها أي عالم من قبل من المتقدمين أو المتأخرين وعندما يزن كلامهم أهل الاختصاص والراسخون في العلم بالأدلة الأصوب والأوضح من أدلتهم وبتحقيق علمي لقولهم يجدون أنهم لم يصيبوا في شيء مما قالوا قط!
* وظهر لنا أدباء ومفكرون ينشرون أرائهم في المجتمع وهذه الآراء إما أنها تنافي الدين في أمور هي من أعمق أعماق الدين أو أنهم يدعون إلى سلوكيات تضر بحياتنا الاجتماعية أو النفسية فمن تكلم في غير علمه وتخصصه أتى بالعجب العجاب.
أحوال الناس في هذا الخلط
* الناس بين مؤيد ومعارض فبعضهم يغالون في التزكية على أحدهم بدون تحقق ولهم رأيهم، وبعضهم يغالون في نقد نفس الشخص ولهم رأيهم وأدلتهم.
* خلف ذلك الفرقة والعداوة وأدى لظهور التعصب المذهبي والتعصب لشخصي لأشخاص بعينهم بدون وضع منهج يرفع من قيمة الدليل والمعنى قبل أن يرفع من قدر أشخاص بعينهم.
* فالباحث والمتعلم والقارئ في حيرة بأيهما يأخذ خاصة "العامة الذين لا يستطيعون الترجيح بين الأقوال أو اختيار السلوكيات الأكثر نفعا" على الصعيد النفسي والاجتماعي.
من الذين تتساقط أقنعتهم
لا أقصد بمن تتساقط أقنعة تميزهم كل من يخطأ خطأ وهو كثير الصواب وثقة وصاحب علم لا ينكره أحد لا أقصد هؤلاء لأنهم أصحاب علم ومنهج منضبط ولكن ربما يخطئون بلا قصد بل يكون ذلك محاولة منهم لمعرفة الصواب كشيوخ الإسلام الكبار أو المفكرين والشعراء الكبار لكن باقي علمهم متميز وفريد ومفيد وصفات من تتساقط أقنعة تميزهم وهم ما أقصدهم
* هم الأشخاص الذين ينتسبون للعلم العميق والفكر المستنير وهم ليسوا كذلك.
* هم من يعرفون ظواهر الأشياء ولا يعرفون دليلها أو ضررها بعمق وتشعب أو يجهلون فهمها الفهم الصحيح ولا يمتلكون دلائل وقرائن على ما استنبطوه من النصوص أو الأحداث أو يمتلكون أدلة واهية ضعيفة لا تصمد أمام الأدلة القوية الواضحة.
* هم الذين لا يطلبون من العلماء الراسخين في العلم مراجعة أعمالهم ليقوموها ويقيموها.
* هم الذين يكثر خطأهم عن صوابهم وضررهم عن منفعتهم.
* هم الذين لا يبحثون عن المسائل من وجهات نظر مختلفة قبل أن يضعوا رأيهم.
أمثلة للتفريق بين خطأ العالم كثير الصواب وخطأ الجاهل
ليس معنى كلامي أن يكون الشخص بلا أخطاء ومعصوما من الخطأ، ولكن هناك فرقا بين خطأ عالم وخطأ جاهل وخطأ مجتهد وخطأ مبتدع وخطأ يضر وخطأ يهلك فقد أخطأ شيوخ كبار في الإسلام أخطاء ربما كبيرة ولكنهم من أصحاب الاجتهاد والعلم وأن رأيهم يحتمله الدليل حتى يتبين الخطأ والشبهة فيه ويكونوا هم أول من يرجعوا عن هذا الرأي ولا ينكر أحد أثر علمهم وفكرهم على الأمة، ومن ضمن أخطاء أو غفلات العلماء كثيري الصواب والعلم:
(1) انتقاد المحدث الناقد الدار قطني صنع البخاري في بعض الأحاديث في صحيحه ورد على الدار قطني العلماء دفاعا عن البخاري بشكل علمي محايد ولم ينقص هذا من قدر الدار قطني فهو عالم مجتهد يستفيد من كتبه أهل الحديث وقال رسول الله: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر). (صحيح البخاري)
(2) أورد الشيخ العلامة ابن كثير أحاديث كثيرة ضعيفة بل وموضوعة في بعض كتبه ولم ينتقص هذا من قدر علم ابن كثير وأهمية مؤلفاته الفريدة بل قام علماء الحديث بتحقيق بعض كتب ابن كثير لتكتمل الفائدة ويعم النفع.
ضرر استمرار الخلط بين العالم وشبيه العالم
* لا نقوم بتحقيق علم وسلوك هؤلاء لمعرفة مقدار ما توصلوا إليه من العلم لأن كل إنسان حر في حب العلم وحب الازدياد منه وتحمل مشقاته، ولا نقوم بتفقد سرائرهم ونواياهم لأننا سنترك سرائرهم إلى الله ليحاسبهم على أخطائهم، ولكننا نقوم بتحقيق علمهم وأقوالهم لأنها أقوال في أشياء أساسية هامة تتعلق بفكر الإنسان وسلوكه ومعتقداته وضرر استمرار هذا الخلط علينا
1- نضيع الوقت في كتب أشباه المفكرين والعلماء دون النظر في أقوال الآخرين من أهل التخصص والرسوخ في العلم.
2- ربما قال أديب أو مفكر من من تنتشر كتبهم بسلوكيات تفسد علينا حياتنا الاجتماعية والنفسية ظنا منهم أنهم يشاركون في حل المشكلة مع أنهم لم يدرسوا علم النفس أو الطب النفسي بل يجب عليهم عند التحدث في الموضوع أن ينقلوا قول العلماء والمتخصصين فيه أو تراجع آرائهم من قبل متخصصين.
3- في مثل هذا الخلط سوف يفقد علم محكم للعلماء بدعوى أن هذا الشيخ أو هذا الكاتب أو هذا المؤرخ أخطأ في ناحية، أليس هو ببشر؟ ولكن باقي علمه مفيد ومبهر فنأخذ الرأي الأصوب في هذه المسألة من عالم أخر.
كلمة للتاريخ
كفانا قتلى من علمائنا وقدواتنا الذين قتلوا في حرب إسقاط الرموز التي قادها الحاقدون وأشباه العلماء، والجاهلون لإسقاط رموز الدين والفكر والسياسة والأدب في تاريخنا وفي حياتنا المعاصرة بدعوى النقد والتصحيح والعلم، فأصبح علم رموزنا مقبورا في المكتبات وسيرهم الذاتية لا يعرفها إلا المتبحرون في العلم، وبدلوها بشخصيات يتخذها المجتمع رموزا وهى ليست إلا أشباحا لشخصيات مؤثرة فالحذر الحذر ولنسعى جميعا في وضع منهج يرفع من قيمة الدليل والمعنى والتجربة قبل أن يرفع من قدر أشخاص بعينهم فالحق أحق أن يتبع .
أعمال العلماء مع أهل البدع والأهواء ومحاولة للتعميم
* هذا الموضوع قديم لكنه يجدد ثوبه في كل عصر باختلاف الشخصيات وهو يندرج تحت علم الجرح والتعديل (سوف نتكلم عنه بشيء من التفصيل) ولنا في الأئمة القدماء أمثال الحافظ ابن حجر وشيخ الإسلام ابن تيمية والفقيه الإمام أحمد أسوة حسنة في تعاملهم مع أهل البدع
* فقد كان هناك خلاف على توثيق بعض رواة الأحاديث وتضاربت الأقوال فيهم بين مجرح وموثق لنفس الشخص، وبين ما هو متأرجح بين هذا وذاك وذُكر هذا في كتاب تهذيب الكمال (للمزي) فنهض الحافظ ابن حجر واستخلص من الكتاب القول الفيصل والوسط في الراوي من كل هذه الآراء المختلفة على الشخص الواحد وألف كتابا سماه (تهذيب التهذيب).
* شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام أحمد ابن حنبل ألفوا كتبا في الرد على الفرق الضالة مثل الصوفية والزنادقة والأشاعرة أو الفرق المبتدعة بشكل علمي إظهارا الحق وإتباعا للدليل.
* قام علماء بتحقيق كتب العلماء الكبار وشرحها لمنع الفهم أو التأويل الخاطئ لها.
محاولة التعميم من أجل إظهار الحق
هل نحتاج لمثل ما فعله ابن حجر في التهذيب وإلى ما فعله العلماء الكبار من ردود على أهل البدع والكلام والجهلاء وإلى تحقيق وشرح كتب العلماء الكبار في كل مجالات الحياة التي تستقيم بها سلوكيات الإنسان وأفكاره ومشاعره؟ وهي مجالات الدين والتاريخ والصحة والسلوك.
رسالة إلى أشباه العلماء والمفكرين وإلى المبتدئين في العلم
* لا أدعى أنني من أصحاب العلم أو القدرة على موازنة الرجال بل هذا منهج السابقين في رحلة علمهم وينبغي للمبتدئين في العلم العمل بهذه النصائح
1- الرجوع عن آرائهم إذا تبين الخطأ فيها وتوضيح ذلك فقد تراجع الأئمة الأربعة عن بعض أقوالهم بعد مراجعتهم للصواب.
2- زيادة علمهم وعدم الاقتصار على كتب أو شيوخ بعينها (العلم الشرعي) أو كاتب أو مؤرخ واحد بل يبحثوا في الموضوع من وجهات نظر متعددة ففي كتب العلماء الكبار يعرض المؤلف الآراء كلها في الموضوع الواحد سواء التي تتفق مع رأيه أو التي تتعارض معه ثم يرجح ما يراه صحيحا ويذكر حجته في ذلك الترجيح.
3- إتباع طريقة المنهج العلمي في الاجتهاد في العلم الشرعي واتباع المنهج العلمي في البحث بالنسبة للعلوم المادية والإنسانية.
شبهات قوية والرد عليها
* هذا الموضوع يحمل شبهات كثيرة تحجب الرؤية السليمة للأمور وتمنعنا من بناء منهج يرفع من قيمة المعنى والدليل والتجربة قبل أن يرفع من قدر أشخاص بعينهم
أولا شبهة أن أعمال هؤلاء المنتسبون للعلم حرية فكر وتعبير عن الرأي
الرد على الشبهة
* حرية الفكر والتعبير عن الرأي ليست في كل شيء لأنها شيء شخصي يعني عندما تقول أحب نوع معين من الطعام وأحب هذا الأسلوب غير أن تقول أن التدخين حلال أو أن هذا الأسلوب صحي ومفيد وتقول هذه حرية رأي فلا.
* لابد للرأي من دليل أو تجربة لتعزيز هذا الرأي فبعض من يقولون بأشياء غاية في الرفض والضرر يتحججون أن هذا حرية فكر ورأي وإذا قالوا دليل فأنه ضعيف لا يصمد إمام الأدلة القوية أو تأويل فاسد لا يحتمله الدليل فيقول من يقول بعدم حرمة التدخين أو من يجيز إمامة المرأة للرجال في الصلاة أو غير ذلك هذا حرية فكر وربما لم يدرس العلم الشرعي بعمق على يد متخصصين والأغرب من ذلك أن يسموه الناس بالمفكر الإسلامي لك الله يا أمة الإسلام.
لقب المفكر الإسلامي
وبالمناسبة لقب المفكر الإسلامي لا يكون مكتملا في الباحث إذا اعتمد على الفكر فقط بدون معرفة الدليل الشرعي الراجح والصحيح فلابد أن يكون دارسا للعلوم الشرعية وعلى يد متخصصين وأن يطلب من العلماء الكبار مراجعة بحثه ثم بعد ذلك يستخدم فكره لفهم النصوص واستنباط الحكم منها مع بقاء قيمة الدليل وأن يحتمل الدليل ما استنبطه منه وفي هذه الحالة يكون هذا اللقب مكتمل ملائم لطبيعة المسلم السوي الذي يتبع الدليل ويعمل العقل لأن هناك من يلقب بالمفكر الإسلامي وهو غير دارس للدراسات الإسلامية بدعوى أنه يفكر في أمور دينية فالحذر الحذر من من يصنفون تحت لقب مفكر إسلامي وهم غير مؤهلين علميا لحمل العلم الشرعي الإسلامي.
فأغيثونا أغيثونا يا ذوي الاختصاص والخبرة ويكفي ضحايانا التي هلكت في حرب إسقاط الرموز.
وللحديث بقية............
اقرأ أيضاً:
حياتنا تيك اواي للمشاعر/ سنة رابعة مجانين وكلنا طيبين/ لم يعجبني عنوان الموقع.... مشاركة/ جمعة الشوان أنت في أعيننا/ المعايشة الوجدانية للأحداث/ اسم الموقع الترجيح بين الآراء/ اسم الموقع الترجيح بين الآراء تعليق ومتابعة/ التعديل لا التغيير ونعم مجانين ابننا/ التعديل لا التغيير مشاركة