الاختلال الوظيفي الزواجي، الانفصال والطلاق(2)
أطفال الطلاق
إنّ الانطباع العام لكافة الناس قبل أن يكون انطباعنا السريري كأخصائيين في الصحة النفسية، هو أنه رغم أن الزيجات لم يحافظ عليها من أجل سلامة الأطفال، فإن درجة كبيرة من الإنكار تعمل في الأهل من الجنسين احتراماً لما يعنيه تخيرب عش الزواجية للأطفال، وبالحد الأدنى فإنها تعني انفصالاً عن أحد أعز شخصين مهمين في حياة الطفل، وفقدان لأهم الأوضاع الاجتماعية بالنسبة له. وقد أكدت الدراسات المعاصرة أن الأطفال قد يرتكسون للطلاق باكتئاب متوسط إلى شديد، أو مرض جسدي، أو حوادث وأعراض أخرى.
في عام 1971 بدأت كل من Judith Wallerstein (وهي عالمة اجتماعية) و Joon Berlin Kelly (وهي عالمة نفسية) بدراسة لمدة خمس سنوات عن 131 طفل من 60 عائلة مطلقة في ضواحي كاليفورنيا الشمالية. فوجدتا أن عدداً قليلاً جداً من هؤلاء الأطفال شعروا بالراحة بعد الطلاق، حتى في الحالات التي كان فيها صراع واضح بين الوالدين. وإن الأطفال قبل سن المدرسة غالباً ما يؤكدون بأنهم كانوا السبب في الطلاق, فهم خائفون، مرتبكون، حزينون ومهتاجون، يائسون وهم أيضاً يحاولون إنكار الانفصال، وفي الوقت نفسه يكونون عدائيين في تصرفاتهم.
أما أطفال المدارس الأولى (6 ـ 8 سنوات) فيظهرون أكثر معاني الحزن، وهؤلاء بشكل خاص أكثر من غيرهم يظهرون توقاً شديداً خاصاً نحو الرغبة برؤية الأب، وأساهم يتشابه كثيراً مع أسى آبائهم، وهم يظهرون صراعات على الحقوق أكثر بكثير من أطفال قبل المدرسة.
في حين الأكبر سناً (9 ـ 12 سنة) فإنهم قادرون على التعامل بشكل فعال أكثر لإخفاء كآبتهم، ولكنهم يظلون يشعرون بالنبذ والمهانة, والهجر والوحدة، والذي يميز هذا الصنف بشكل خاص عن الأطفال السابقين هو وجود غضب واع عميق يقود غالباً إلى تخطيط مع والد ضد الوالد الآخر.
أما المراهقون (13 ـ 18سنة) فهم قادرون على التعامل مع الطلاق بصورة أكثر واقعية من كل فئات الأعمار الأخرى، لكن العديد منهم يظل يشعر بالحرمان من الموقف الصحيح والدعم الوالدي اللازم لهم للنمو وتحقيق الاستقلال.
وجدت والرشتاين وكيلي Judith Wallerstein و Joon Berlin Kelly في النهاية أنه في كل فئات الأعمار هناك رغبة مستمرة برؤية الوالدين وقد عاد اتحادهما، وأن يحل هذا الوئام مكان الانفصال القائم.
وفي هذه المتابعة لخمس سنوات للعائلات الستين، تعجبت كلتا العالمتان والرشتاين وكيلي Judith Wallerstein و Joon Berlin Kelly لشدة وطول أمر الاضطرابات, وقد وجدتا أن 31% من الآباء و42% من الأمهات لم يصلوا بعد إلى ثبات نفسي أو اجتماعي، وأن 37% من الأطفال والمراهقين لا يزالون مكتئبين خلال هذه السنوات بشكل متوسط إلى شديد.
لقد أظهر تقرير Census لعام 1982 أنه في عام 1970 كان 11% من كل العائلات التي لديها أطفال يربي الأطفال من قبل والد واحد، ولكن في عام 1982 ارتفعت هذه النسبة إلى 21%، وقد قدر أن 45% من كل الأطفال المولودين في أية سنة سيعيشون مع أحد والديهم فقط، في وقت ما من حياتهم قبل سن الـ 18. والحقيقة أن الإحصاءات التي جرت مع مطلع الألفية الثالثة في أميركا عام 2002 تجاوزت هذه النسبة إلى ما يقارب 52%.
وبالنسبة لهذه النظرة. فمن المهم أن نلاحظ أن الآباء الذين يقومون بالوصاية على أولادهم، يزداد عددهم بناء على طلبهم, وأحياناً بناء على طلب الأمهات. وفي الحقيقة فعدد الأولاد الذين يعيشون مع آبائهم المطلقين قد ازداد كثيراً في السنوات الأخيرة. وكلا الزوجين ازداد عدد مطالبتهم بتحديد أوقات زيارات نظامية ومطولة بين الأولاد والأب. عندما تكون الأم هي الوصية، وذلك لاستفادة الأولاد من اللقاء المطول مع كلا الوالدين.
هناك توجه يعمل به في الغرب لتجنب الألم الناجم عن التنافس على الوصاية في المحاكم، وأن يشعر الولد بنفسه ممزقاً شعورياً بين الأم والأب، فإن الوالدين أصبحا يهتمان بتناوب الوصاية في تلك البلدان، والمسؤولية المتساوية في الاهتمام بالأولاد. فعلى سبيل المثال في عام 1983 اعتمدت 27 ولادية أمريكية قانون يبيح تناوب الوصاية، ومثل هذا الإجراء يعمل بشكل أفضل طبعاً عندما يعيش الوالدان في نفس المدينة وعلى علاقة جيدة بين بعضهما. ولكن قد يعاني الأولاد من الدخول في المحاكم عندما يسكن الوالدان في مدينتين مختلفتين، أو مع الوالدين المتخاصمين.
وهذا النمط من تناوب الوصاية في الغرب عموماً يقف كحاجز ضخم أمام بعض أنواع حالات الطلاق التي لا يريد فيها أيّ من الوالدين القيام بالوصاية على الأبناء. وفي حالات كثيرة في تلك البلاد تهجر المرأة أسرتها حتى دون انتظار الانفصال القانوني، وهناك أعداد متزايدة من النساء المتزوجات اللواتي كنا نقرأ إعلانات كتبت عنهن ببساطة أنهن مفقودات. وفي العقود السابقة كانت هذه الأمور تحدث مع الآباء. وإذ لم يكن هناك أحد ليهتم بهؤلاء الأبناء فيصبحون مسئولين من قبل الولاية، ويوضعون في مآوي الأيتام أو بيوت الاحتضان. وهذه المآسي الإنسانية التي تنجم عن انعدام المسؤولية الوالدية تحدث بكثرة لا يستهان بها في الدول الغربية، وقد يكون Rabbi Grollman محقاً عندما قال أن الطلاق ربما يكون أسوأ من الموت فيؤكد: "مع نهاية الألم، لقد مضى... أما مع الطلاق لم يمضي شيء".
أما في البلاد العربية والإسلامية، فالقوانين المعمول فيها في موضوع الوصاية على الأبناء مستمدة بشكل رئيس من الشريعة الإسلامية، وان تفاوت تطبيقها من بلد لأخر نتيجة الاجتهادات القانونية أو الشرعية أو غيرها في هذا المجال.
تشتت العائلة
يعتقد Urip Bronfenbrenner أستاذ الدراسات العائلية في جامعة كورنل، إن التشتت المتطور الذي ازداد في العائلة الأمريكية في العقود الأخيرة هو عامل كبير في درجة العزلة والغربة بين الشباب والراشدين في مجتمع أميركا اليوم.
وإن الطلاق له دور في التشتت بشكل أكيد، وكذلك التمدّن، وكثرة الحركة وابتعاد مناطق العمل عن الإقامة، ومما ينجم عنه وجود ساعات طويلة تصرف على الطرقات، وتضيق العائلة الواسعة، والارتفاع السريع في معدل عمل الوالدات.
وإن النسبة المئوية للعاملات خارج البيت في أميركا هو أكثر بكثير منه في عام 1955، وكما أوضح برونفينيرتر أن الازدياد الأكبر حدث لأمهات الأطفال قبل سن المدرسة، وفي عام 1980 كان 43% من الأمهات المتزوجات واللواتي لديهن أولاد تحت الست سنوات يعملن، وكان عدد الأطفال لهذه الأمهات سبعة ملايين طفل في الولايات المتحدة الأمريكية، في حين كانت متوفرة أماكن لرعاية 1.6 مليون طفل فقط.
ويجب أن يلاحظ أيضاً أن الاقتصاد المتضخم الذي بدأ يغلب منذ السنوات الأخيرة من السبعينات من القرن الماضي هو سبب الأكبر لعمل الزوجين، فقد أجبر كثيراً من النساء المنزليات بمغادرة المنزل من أجل العمل، في عام 1980 كانت 51 % من الأمريكيات يعملن خارج المنزل فتفوق عدد النساء العاملات على المنزليات بذلك لأول مرة في تاريخ أمريكا، وفي نهاية عام 2000 أصبحت هذه النسبة أعلى من 69.8 %.
أما الإحصائيات المتعلقة بالصحة العقلية للأطفال والمراهقين في الولايات المتحدة الأمريكية فهي مرعبة، إذ إن معدل الانتحار بين الأطفال بعمر 10 إلى 14 عاماً قد ازداد قرابة الثلاث مرات ونصف، عنه قبل 40 سنة، ومعدل الانتحار بأعمار المراهقين بين 15 و 19 عاماً ازدياد أكثر من 4 مرات، وإن الجرائم العنيفة من قبل الأطفال تزداد بسرعة كبيرة، ومعدل جرائم السطو المسلح والاغتصاب وعموم الجرائم بين المراهقين قد تضاعف مرتين خلال العشر سنوات الماضية، وتضاعف قرابة الخمس مرات خلال الثلاثين سـنة الماضية. وهناك ازدياد مرافق في الهروب من المدرسة، وإدخال الكحول والعقاقير والمخدرات إلى المدارس، والسرقات في حرمات المدارس، والاعتداءات على الأساتذة.
وإذا ما استمرت الحالة الحالية فقد قدر أن واحداً من كل تسعة شباب في أميركا سيظهر في المحاكم قبل عمر 18 سنة!.. وسأتحدث لاحقاً عن ظاهرة تستدعي التوقف عندها وهي ارتفاع أرقام حالات الأطفال المساء إليهم، وكما أوضح برونفينيرير أيضاً: إن الإساءات الكبيرة للأطفال تحدث في عائلات الوالد الواحد، والسبب يعود إلى الأم نفسها، وهي حقيقة تعكس تشتت الحالة التي تعاني منها بعض النساء الشابات اليوم. ومن الواضح أن الوالدية، وبشكل خاص الأمومة لم تعد مضبوطة بنفس الأحكام -كما كانت عليه سابقاً – خاصة في المجتمع الأميركي المتغير بسرعة مدهشة.
فماذا يحمل المستقبل؟
بناء على النظرة الواضح من خلالها هوة واتساع وقسوة الخلل الزواجي، فإن الموجودات الغريبة ليست بمعدلات الطلاق المتزايدة، ولكن باستمرار وإعادة اختيار الزواج كإجراء أساس لأغلبية الراشدين في أميركا. والكرب الزواجي قد ينبع من طيف واسع من الأسباب التي تشمل العوامل داخل النفسية وبين الأشخاص.
بالإضافة لذلك اللافت للنظر في السنوات القليلة الماضية في الولايات المتحدة الأمريكية على أن الضغوط الاجتماعية والثقافية قد قوّت الطريقة التي يختبر بها الزواج أثناء المرحلة التطورية للمراهقين والشباب الصغار، ولهذا فالزواج عندهم أصبح وسيلة أساسة في "البحث الوبائي المالي عن النفس"..
على كل، كل هذه المعلومات تحتاج لزمن ودراسة دقيقة وعميقة أكثر حتى تفهم بشكل أفضل، وربما يكون العائد مضاعفاً. وإن فكرة أكثر واقعية عن ماذا يتوقع أن تقدمه العلاقة الزوجية، وقبول أوسع لفكرة العلاقة المتسـاوية بحق، يمكن أن تغني بالفعل النمو والتطور الفردي لكلا الزوجين.
ومازال الحديث مستمراً......... الاختلال الوظيفي الزواجي، الانفصال والطلاق(4)
واقرأ أيضًا:
أسباب فشل الحياة الزوجية / التراكمات في الحياة الزوجية(2) / الطلاق المتحضر (تسريح بإحسان) / آداب الطلاق في الإسلام