أين العلم المصري الصيني
بعد انتهاء مباراة مصر والجزائر الفاصلة يوم 18 نوفمبر 2009 م (والتي فاز فيها فريق الجزائر) وجدت عددا من المراهقين والشباب في أحد شوارع القاهرة الرئيسية وقد ألقوا الأعلام التي كانت بأيديهم وراحوا يشعلون النار بصناديق القمامة، وراحوا يمحون الأعلام المنقوشة على وجوههم، واكتمل المشهد بالأنباء الواردة من الخرطوم وأم درمان تقول بأن جمهور المشجعين المصريين (وأغلبهم من الفنانين والإعلاميين وأعضاء الحزب الوطني الديموقراطي جدا وبعض أعضاء مجلس الشعب) كانوا يتخلصون من الأعلام التي بحوزتهم وال "تي شيرتات" التي رسم عليها العلم المصري حتى يأمنوا بطش الجزائريين.
وكانت صدمة وطنية حين اتضح أن العلم الذي يحمله شباب مصر صناعة صينية وربما يفسر هذا سرعة اختفائه أو تمزقه فهو كالمصنوعات الصينية يستخدم لفترة قصيرة أو لمرة واحدة مثل المناديل الورقية.
لسنا هنا بصدد إدانة سلوك أو إصدار حكم قيمي أو نقد فشلنا في صناعة علمنا الوطني أو إدارة الأزمة برمتها، بقدر ما نحاول فهم ما يجري، فقد كان البعض يستبشرون بخروج ملايين الشباب والمراهقين والكبار إلى الشوارع رافعين علم مصر ويعتقدون بأنها موجة عودة الانتماء حتى ولو كان انتماءا كرويا، المهم أن يحمل هؤلاء الشباب العلم المصري (بشرط أن يكون صناعة مصرية) ويرددون: "مصر"... "مصر" على أنغام الطبول.
كنا جميعا نريد أن نصدق عودة الانتماء على أمل أن يكون ذلك طاقة محركة تتعتع الوضع الراكد والمتجمد للوطن العزيز، ولكن الواقع أكد أن الانتماء الكروي انتماءا هستيريا صاخبا ووقتيا بالضرورة، وأن الانتماء الحقيقي له مواصفات وشروط مختلفة، وأن الحد الأدنى له أن يشعر المواطن بأن وطنه يمنحه احتياجاته الأساسية بشكل كريم وأنه يشعر بالعزة والشرف والفخر والكرامة بانتسابه إليه، وأن يكون هذا الانتماء حالة دائمة لا تهزها الأحداث والمواقف الصعبة بل تقويها.
جرح الانتماء
كنت مدعوا منذ شهور قليلة لإلقاء محاضرة في معسكر دولي للشباب عن الانتماء، وكان الحاضرون حوالي 340 فتاة مصرية في سن المراهقة وبدايات الشباب، وعلى الرغم من أنني حاولت أن أتكلم عن قضية الانتماء وإشكالياتها بشكل موضوعي إلا أنني لمست جرحا غائرا في نفوس الفتيات حول موضوع الانتماء فهن يتساءلن في براءة وصدق وغضب:
"كيف نشعر بالانتماء ونحن لا نجد لقمة العيش الكريمة"... "كيف نشعر بالانتماء وإخوتنا يموتون على شواطئ أوروبا غرقا بحثا عن حلم لم يجدوه في بلدهم"... "كيف نشعر بالانتماء وكرامتنا تهان كل يوم داخل بلدنا وخارجها"... "كيف نشعر بالانتماء ونحن لا نشارك في تحديد مصير هذا البلد".... "كيف نشعر بالانتماء ونحن نتلقى تعليما متخلفا ليس له علاقة بسوق العمل أو بالحياة"... "كيف نشعر بالانتماء ونحن لا نتلقى رعاية صحية في المستشفيات الحكومية؛
ولا نملك في نفس الوقت مصروفات المستشفيات الخاصة"... "كيف نشعر بالانتماء في ظل هذه الحياة الطبقية التي استولى فيها الأغنياء على الثروة والسلطة وراح الفقراء يتسولون أو يرتشون أو يبحثون عن الطعام في صناديق القمامة"... "كيف نشعر بالانتماء ونحن لا نجد عملا إلا بالواسطة أو الرشوة أو المحسوبية"... "كيف نشعر بالانتماء وأمريكا وإسرائيل يدوسون كرامتنا كل يوم"... "كيف نشعر بالانتماء بعد أن سقطت هيبة مصر وتطاول عليها الجميع"... "كيف نشعر بالانتماء والمصريون يهانون في الداخل والخارج ولا يجدون من يدافع عن كرامتهم"... "كيف... كيف..... كيف....".
كنت أشعر بالشفقة عليهن وعلى البلد من هذه المشاعر السلبية من فتيات في مقتبل العمر، وحاولت أن أقاوم هذه النزعة السلبية وأن أنزع عنهن فكرة الكفر بالوطن وأستشهد على ذلك بوقائع وأحداث كثيرة (بعضها شخصي من خلال إحساسي بالوطن في سنوات غربتي وبعضها عام) تبين قيمة الوطن على الرغم من كل المشاكل التي نحياها على أرضه، وأن هذا الوطن نعرف قيمته بشكل أوضح حين نعيش في الغربة، وحين نواجه التمييز ضدنا في البلاد الأخرى ولا نجد في النهاية غير حضن الوطن يضمنا رغم قسوة ظروفه واضطراب أحواله.
هذا الجرح الغائر تجده واضحا حين تتحدث إلى الشباب المصري فتجد أن أحلامهم مرسومة خارج حدود الوطن، وأغلى أمانيهم الحصول على فرصة تعليم أو فرصة عمل خارج الوطن، وبعد أن كانت إحدى سمات الشخصية المصرية حب الاستقرار، تغير الأمر وأصبح السفر أو الهجرة حلما أساسيا يداعب خيال غالبية الشباب إن لم يكن كلهم.
ضعف هيبة مصر
ومما يقوي الانتماء أن يكون الوطن له هيبة وعزة وكرامة وأن يكون مرفوع الرأس، أما إذا اهتزت تلك المعاني أو تراخت أو ضمرت فإن الإنسان لا يرغب في الانتماء إلى وطن مكسور أو ذليل أو خائف أو خاضع أو مرتعش أو تابع أو مطأطئ الرأس. ومصر من البلاد التي كانت لها مكانة وهيبة، وعلى الرغم من صغر مساحتها ومحدودية اقتصادها إلا أنها كانت تعتبر دولة عظمى حضاريا وثقافيا، ومركز ثقل عربي وإسلامي لا يستهان به.
وقد مرت مصر في السنوات الأخيرة بظروف وأحوال واتخذت مواقف هزت من هيبتها أمام الصلف الإسرائيلي والبطش الأمريكي والتطاول العربي، إذ تخلت مصر عن دور الدولة الكبيرة الرائدة ذات المواقف العظيمة المليئة بالعزة والكرامة والشرف، وتبنت مواقف رخوة مائعة براجماتية استسهالية، وتخلت عن كثير من واجباتها كدولة كبيرة في المنطقة، وأصبح انتماءها العربي شكليا هامشيا وانتماءها الإسلامي أضعف من انتماءها العربي ولا يتعدى المشاركة في اجتماعات منظمة المؤتمر الإسلامي على فترات شديدة التباعد وشديدة الضعف.
ولما انفض عنها العرب والمسلمون –لزهدها فيهم أو عدم إيمانها بهم– لم تجد إلا دور الميسر للسياسات الأمريكية وحامل الرسائل بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو بين الفلسطينيين بعضهم البعض، ودور الباحث عن لقمة العيش بعيدا عن المشاكل.
وكانت المواقف الرخوة والمترددة والغامضة أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان 2006 م والمجزرة الإسرائيلية في غزة 2008 م القشة التي قسمت ظهر البعير إذ بدأت الانتقادات اللاذعة لمصر على تراخيها وارتخائها في تلك الأحداث، إذ لم يستطع الجمهور العربي والإسلامي أن يفهم أو يتفهم أو يتقبل إصرار مصر على المشاركة في حصار غزة وإغلاق معبر رفح بينما إسرائيل تقوم بمجزرة وحشية ومحرقة ضد الفلسطينيين. وهكذا سقط عمود الخيمة العربية، وصغرت مصر في عيون العرب والعجم، وتشجع الكثيرون على انتهاك حرمتها والتطاول عليها.
ظهر الأمر جليا في صورة مظاهرات أمام السفارات المصرية إبان أحداث غزة بشكل خاص، واستمر الأمر في صورة عبارات لاذعة ضد مصر على مواقع الإنترنت صادرة عن شباب عربي ومسلم من كل مكان، وازدادت حدة التجريح لمصر قبل وأثناء وبعد مباراة مصر والجزائر في 18 نوفمبر 2009 م والتي انتهت بهزيمة المنتخب المصري وإهانة الجمهور المصري إهانة قاسية على يد جمهور جزائري غوغائي مدفوع بشكل منظم من قيادته السياسية أو العسكرية بهدف إهانة المصريين وإذلالهم، كل هذا مصحوبا برسائل على الإنترنت وفي الصحف تدور حول ذم مصر والمصريين ومعايرتهم بتحالفهم مع العدو الصهيوني والأمريكي. وقد يقول قائل: وماذا فعل بقية العرب أو المسلمون المنتقدون لتراجع مصر؟..
وهذا تساؤل منطقي إذ لم يفعل المنتقدون شيئا أكثر من الصراخ والسباب، ولكن رغم هذا كان الخاسر الأكبر هو مصر التي تخلت طواعية عن دورها المحترم فشجعت السفهاء على التطاول عليها وتمزيق علمها وإهانة مواطنيها ليس فقط في مباراة كرة قدم بين مصر والجزائر وإنما في كل مكان يتواجد فيه مصري. وهنا يشعر المصري بأن جنسيته المصرية تجلب له المتاعب، وأن بلده غير قادر على بسط حمايته عليه في أي بلد عربي أو أجنبي (دعك من التصريحات والتطمينات السياسية التي لا تر لها أثرا على أرض الواقع)، والمواقف والأحداث كثيرة حول إهانة المصريين وإذلالهم وضياع حقوقهم في كل مكان، ودائما ينتظر الناس موقفا حازما من بلدهم يعيد لهم حقوقهم أو كرامتهم فلا يجدوا إلا صمتا غير مفهوم أو تذرع بضبط النفس والحكمة والتعقل والحفاظ على المصالح العليا، وكأن كرامة المواطن وهيبة الوطن لا ينتميان إلى المصالح العليا، وكأن الحكمة وضبط النفس يتعارضان دائما مع القوة والحزم والكرامة. وإذا أضيف إلى هذا الضياع الخارجي للكرامة والحقوق ضياعا داخليا لهما يستشعره المواطن المصري في حياته اليومية تبينت أزمة الانتماء المصري في هذه الأيام.
التوظيف السياسي للانتماء الهستيري
لسوء الحظ تقابل المنتخب المصري مع نظيره الجزائري في المباراة النهائية للتأهل للصعود لمباريات كأس العالم، حيث تعاني كل من مصر والجزائر أزمات حادة في الانتماء، فمصر تتجاذبها انتماءات استقطابية عديدة فالبعض يحاول إحياء الانتماء الفرعوني (أطلق الإعلاميون الرياضيون على المنتخب المصري لقب الفراعنة)، والبعض يدافع عن الانتماء العروبي (امتدادا لنزعة القومية العربية في الستينات)، والبعض يحاول التمسك بالانتماء الطائفي القبطي (وهذا ينقسم إلى أرثوذكس وإنجيليين وكاثوليك)؛
وفريق كبير يرى الحل في العودة إلى الانتماء الإسلامي (وحتى هذا الانتماء يتفرق بين تيارات عديدة مثل الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعة الإسلامية والجهاد)، أما الجزائريون فيتوزعون ويتنازعون بين الانتماء العربي تارة والانتماء البربري تارة والانتماء الإسلامي تارة والانتماء الفرنسي تارة أخرى. ويوجد فريق آخر في كلا البلدين يكفر بالانتماءات كلها ويريد أن يحصل على لقمة عيش وحياة كريمة وآمنة ولكنه لا يجدها. أما فئة الشباب فإنهم يعانون جوعا إلى الانتماء حيث فشلوا في أن يجدوا وطنا يحبونه ويفخرون به ويتفانون في خدمته والولاء له.
ويبدو أن أولي الأمر في البلدين أسعدهم ذلك الانتماء الهستيري الكروي فساعدوا بشكل مباشر أو غير مباشر على إظهاره بل وإشعاله إلى أقصى درجة ممكنة حتى ولو وصل إلى حالات الخطورة، وتم السماح بالتعبير الحر المباشر عن الفرحة بانتصارات الكرة في حين كان يمنع التعبير عن الانتماء الوطني في قضايا أخرى سياسية أو اجتماعية أو عربية أو إسلامية حتى ولو كان المعبرون عن ذلك عدة مئات أو آلاف، وكان يحتج على ذلك بمنع تهديد حركة المرور أو سلامة الناس والممتلكات.
وقد التقط الإعلام الرياضي هذا الضوء الأخضر وذلك السماح والتشجيع للتعصب الكروي فراحوا يمدون ساعات البث الرياضي على القنوات الفضائية الحكومية والخاصة يشغلون الناس طول الوقت بأخبار الرياضة والرياضيين ويلهبون حماسهم ويحولون اهتماماتهم بالكامل نحو المستطيل الأخضر داخل أرض الإستاد. واندفع الناس في سذاجة يبحثون عن حياة بديلة في الملاعب ويخدرون وعيهم بمباراة أو أكثر يشاهدونها قبل النوم فينعمون بنوم هادئ وأحلام سعيدة.
وحدثت الخطيئة الكبرى في المباريات الكروية مع الجزائر وظهر التوظيف السياسي للكرة وظهر الاستغلال البرجماتي لمشاعر الجماهير الساذجة المندفعة الهائجة والمتحمسة، وتم توجيه الانتماء نحو الكرة والملاعب، مع توجيه الغضب نحو الخصم الكروي واعتبار المباراة معركة، واستخدام الأغاني الوطنية التي ألفت ولحنت وغنيت في وقت الحرب مع العدو الإسرائيلي وهاهي الآن يتم إذاعتها في وقت اللعب وقبله وبعده مع الفريق الجزائري.
وظهر السياسيون يحاولون أن يدخلوا على الخط ويظهروا في المربع المحبوب لدى الناس، وكان في تخطيطهم أن يعودوا من السودان بعد الفوز على الخصم الجزائري وهم محمولون على الأعناق ليتم ترسيمهم كأحباء للشعب وكقادة لمسيرته، ولم لا وقد أدت حكمتهم وجهودهم إلى النصر المبين، وكانت هناك آمال كبيرة معلقة على هذا النصر الكروي لتلميع وتصعيد وجوه بعينها.
وتورط الطرف الجزائري في نفس الأمر فدخلت القيادة السياسية على الخط الكروي لعلها تحل مشكلة مشروعيتها ومقبوليتها وجاذبيتها للجماهير الجزائرية، تلك الجماهير التي فقدت حلمها الديموقراطي بعد الانتخابات البرلمانية التي فازت فيها جبهة الإنقاذ وإذا بالجيش الجزائري يسرق هذا الحلم ويلغي الانتخابات ويعود بالحكم العسكري مرة أخرى حتى هذه اللحظة.
والأجنحة السياسية والعسكرية في الجزائر تريد أن توحد الجزائريين المنقسمين حول الكرة لتصرفهم عن الصراعات الداخلية التي تكاد تفتك بالجزائر منذ ألغيت نتيجة الانتخابات، وتريد أن تلمع السياسيين الحاليين وتجعلهم أبطالا شعبيين وتمحو عنهم تهمتهم في اغتصاب السلطة وفي قهر الشعب الجزائري وإلغاء إرادته في اختيار من يمثله ومن يحكمه.
والشعبين المصري والجزائري يعيشان ظروفا حياتية صعبة وإحباطات سياسية واجتماعية شديدة، وربما كانت فرصة الصراع الكروي منفذا لخروج الكثير من المشاعر الغاضبة عبر عمليات الإسقاط والإزاحة، وهذا يفسر لنا ذلك العداء المحموم الذي واكب المباريات الكروية بين البلدين.
والسياسيون في البلدين أغمضوا عيونهم عما يحدث أو باركوه أو شجعوه ليصرفوا الأنظار عن قضايا أكثر أهمية وعن صراعات أكثر إلحاحا، وليصدروا كل مشاكلهم إلى الخارج حتى يتفرغوا لترتيب أوراقهم في تثبيت كراسيهم ، وليذهب الجميع إلى الجحيم.
وعلى الرغم من أن النظامين المصري والجزائري قد باركا أو شاركا، إلا أن العديد من الدلائل تشير إلى تورط النظام الجزائري بشكل مباشر في إشعال النار إلى درجة خطرة من خلال دعمه المباشر لنقل نوعيات معينة من المشجعين وإمدادهم بوسائل الضرب والتهديد وتشجيعهم على القيام بمهمة إيذاء وإهانة الجمهور المصري بشكل منظم ومتعمد لا تخطئه العين.
وقد نجحت خطة النظام الجزائري بسبب ضعف وتراخي وتهاون النظام المصري في حماية المشجعين المصريين أو حتى تحذيرهم أو تنبيههم بما ينتظرهم في السودان، فوقع المشجعون المصريون في مصيدة نالوا فيها قدرا كبيرا من الضرب والإهانة والتحرش والإذلال.
وزاد الطين بلة رخاوة وارتخاء رد الفعل الرسمي المصري وعدم تقديره لمسألة جرح الكرامة المصرية ومسألة الإهانة التي لحقت بجمهور غالبيته من الإعلاميين والفنانين والسياسيين الذين تعودوا على التفاف الناس حولهم وإعجابهم بهم فإذا هم يطرحون أرضا في الشوارع وفي الحافلات ويسمعون أكثر الشتائم بذاءة من الجمهور الجزائري، ويتعرض النساء منهم لتحرشات قبيحة.
ومن السذاجة أن تفرح السلطة في الجزائر وتشعر بأنها انتصرت في المعركة الكروية وفي المعركة السياسية وأنها نجحت في إهانة المصريين وتأديبهم وأنها جعلتهم يهرولون في شوارع أم درمان يبحثون عن مأوى في أي بيت، وأنها أجبرتهم على إلقاء علم مصر أرضا وعلى خلع وإزالة كل الشعارات والعلامات الوطنية في لحظة هلع شديدة، إذ على الرغم من طيبة الشعب المصري وتسامحه إلا أنه حين تهان كرامته لا يسمح بأن تمر الأحداث دون أن يكون لذلك ثمن باهظ يدفعه الجزائريون في وقت ما، ومصر على الرغم مما تمر به من مشكلات قادرة –حين تخرج من دائرة القهر– على الرد على ما لحقها من إهانات.
ومن الخطورة أن يسكت النظام المصري –كعادته– ويتذرع بالحكمة والتعقل وضبط النفس، أو أن يستهين بحجم الإهانة التي تعرض لها المصريون في شوارع وأزقة السودان على أيدي شرذمة من صبية وبلطجية الجزائر، أو أن يهون من الأمر متمسحا في معاني الأخوة العربية (وهي حقيقة) دون محاسبة المخطئ حتى ولو كان شقيقا خاصة حين يتجاوز الأمر خلافات الأشقاء إلى الإيذاء المتعمد والإهانة المقصودة.
والذي يعرف الشعب المصري جيدا يدرك أنه شعب مسالم بطبعه ولا يميل إلى الثورة إلا في مواقف قليلة في تاريخه حين تنتهك كرامته الوطنية أو عقيدته الدينية أو تنتزع لقمة عيشه. إذن فنحن في هذا الموقف أمام إحدى الحالات التي تثير غضب المصريين وتستنهض ثورتهم ونقمتهم، ومن السذاجة أن يعتقد أحد أنه كان مجرد حدث كروي عابر يحدث في كل مكان بالعالم وأن الناس سرعان ما تنسى ما حدث وتنصرف إلى أمورها ومشاغلها بل يمكن تشتيت انتباهها بوسائل وأحداث جديدة فينسون ما حدث.
لست أعتقد أن ذلك ممكنا في هذه المرة، وأن الإهانة التي لحقت بالمصريين قد لا تقل عن تلك التي شعروا بها في 67 على أرض سيناء حين رمى بهم قادتهم الغافلين في أرض سيناء بلا غطاء جوي وتركوهم يواجهون بطش وتدمير الآلة العسكرية الإسرائيلية فماتوا تحت جنازير الدبابات، ومن عاش منهم قطع الصحراء ماشيا على قدميه بعد أن تخلص من ثيابه العسكرية التي كان يشرف قبل ذلك بارتدائها.
ويتبع>>>>>> : الانتماء الهستيري: الجرح النرجسي
واقرأ أيضا:
شيخوخة الضمير: دلالات النتائج / لعبة الكرة واللعب بالأوطان / لا مصر ولا الجزائر يستحقان.../ اعترافاتي الشخصية: مصر لما بتفرح / هزمنا جميعا قبل أن تبدأ المباراة / مصر كلها الآن ترقص كيف الجزائر؟ / كيف يفكر السيد الرئيس