صراع في الدماغ: الحيل الدفاعية
تحدثنا في الأسبوع الماضي عن الصراعات الداخلية للإنسان بين ما يتمناه وبين ما بالإمكان وتحدثنا عن ثلاثة أنواع من الصراعات وقلنا أن العجز عن حل الصراع يوَّلد القلق.... وقلنا أن الإنسان حينئذ يلجأ إلى الحيل الدفاعية التي يمليها عليه العقل الباطن ليدفع عن نفسه الوقوع في هذا القلق....
في هذه السلسلة من المقالات سنتحدث عن الحيل الدفاعية: سنذكر أكثرها شيوعاً...... وسنحاول أن نوضح بالأمثلة كيف أننا نمارسها يومياً بشكل متكرر؟
1- حيلة الإزاحة Displacement :
أن تزيح شيئاً معناه أنك تنقله من مكانه إلى مكان آخر تراه أكثر ملائمة له........ والإنسان في حياته اليومية يتعرض لتوترات عديدة قد تدفع به إلى حالة من الغضب....... ولأن إخراج هذه الشحنة الغاضبة ليس دائماً أمراً متاحاً ومسموحاً به..... ولأن استمرار كتمانها أمر مزعج ويقلل من احترام المرء لنفسه..... فإن الشحنة الغاضبة لابد أن تخرج.... ولكن تخرج تجاه من؟
هذا هو السؤال والإجابة: بالإزاحة......!
وهذا بالضبط ما اعتاد واحد صاحبنا أن يفعله: صاحبنا هذا يعود من عمله وهو يغلي من الغضب والغيظ: الغضب لأنه سمع من مديره ما لا يرضيه والغيظ لأنه لم يستطع بالطبع أن يرد عليه وأسرها في نفسه إلى حين ميسرة...... وها هي الميسرة قد أتت حين عاد إلى المنزل ووجد فيه من؟ وجدها هي: الغلبانة المستكينة المنكسرة التي لا تجرؤ أن ترفع عيونها فيه....... وكانت الخناقة الكبيرة التي أفرغ فيها صاحبنا كل غضبه ثم ذهب لينام وهو في حالة من التوازن......... فماذا فعلت هي؟
هي أيضاً تحتاج إلى التفريغ..... وتتوالى السلسلة: تنقل مصب الغضب ممن يستحقه –وهو زوجها– إلى مصب آخر لا يستطيع أن يفتح فمه معها: ابنها الصغير..... الذي بدوره ينقل هذا الغضب إلى لعبته فيؤنبها بشدة أو ربما يقوم بتكسيرها.......
وهنا تتوقف السلسلة: فاللعبة لا تنطق!
وهكذا سلسلة من الإزاحات الهدف منها تفريغ الغضب الناتج عن عدم القدرة على مواجهة المصدر الحقيقي للغضب.......
2- حيلة الإبطال Undoing :
الإبطال هو أن تتبع عملاً سيئاً يزعجك تماما ويؤنب ضميرك بعمل حسن كما لو كنت تمحي وتبطل مفعول العمل السيئ............ وهذا أمر حسن طالما دخل في إطار الخطأ الذي يعتذر عنه ...... أتبع السيئة بالحسنة تمحها....... متفقون طبعاً ....... انفعلت على شخص ما دون حق وظلمته فذهبت إليه معتذراً ومطيباً خاطره وراداً إليه حقه.......
ولكن ماذا لو اعتمد رجل ما في توازنه النفسي على حيلة الإبطال مستغلاً فهمه الخاطئ لسماحة الدين؟ ماذا لو أن رجلاً ما اعتاد الغش والكذب والتطفيف في الميزان –مثلاً– واعتمد في توازنه النفسي على أن خمس صلوات في اليوم كفارة لما بينهم؟ ماذا لو استكان لهذا المفهوم فصار منهجه في الحياة وفي التعامل مع الناس دون أن تشغله للحظة مسألة أن من لم تنهه صلاته عن فعل المنكر فلا صلاة له ودون أن يذكِّره أحد أن التوبة الحقيقية تستلزم أن يكره المرء العودة إلى ما فعل كراهة أن يقذف به في النار وأن يحاول إصلاح ما أفسد بخطئه الذي يتوب عنه......
ويتبع........ الحيل الدفاعية (2/6)