الحيل الدفاعية (3/6)
ما يزال حديثنا متواصلاً عن الحيل الدفاعية التي يلجأ إليها العقل الباطن لتفادي الوقوع في براثن القلق
Genaralization حيلة التعميم:
تخيلوا معي هذا المشهد اللامعقول:
مريض يشكو من ألم بالبطن وما أن يراه الطبيب حتى يسأله عن البلد التي أتى منها... وحين يعرف أنها موزمبيق يبدأ في عصر ذاكرته: موزمبيق وألم في البطن؟..... أين سمع بهذا من قبل.....؟
وسريعاً يصل إلى التشخيص: الزائدة الدودية...... هكذا بدون أي كشف قياساً على مريض موزمبيقي كان قد رآه منذ أعوام....
لحظات ويكون المريض في غرفة العمليات......
طبعاً هذه الصورة لم تحدث في الواقع وإنما يحدث شيء شبيه به في تعاملاتنا اليومية مع بعضنا البعض......: بدلاً من أن نتعب أنفسنا في فهم الشخص الذي نتعامل معه والموقف الذي نواجهه..... وتخلصاً من قلق عدم المعرفة والإحساس بالعجز وربما بالضآلة أحياناً.... نلجأ إلى حيلة التعميم:
نستدعي من الذاكرة حادثاً فردياً..... واستسهالا نستخلص منه حكماً عاماً نحتفظ به في أضابير ذاكرتنا درساً لا يمس ولا يراجع من حين لآخر..... وحين يأتي أي موقف يتشابه مع الحادث الفردي في جزئية ولو صغيرة.... ولو تافهة.... نستخرج هذا الحكم العام من ذاكرتنا ونطبقه على الموقف الحالي......
إنه نوع من الطفولية في التفكير..... تماماً كالطفل يسألك ما هذا الذي تفتحه وتغلقه يا بابا فتجيبه إنه الباب يا حبيبي..... فينطبع في ذهن الطفل أن كل ما يفتح ويغلق هو إذاً باب..... ينطبق هذا على النافذة وينطبق أيضاً على درج المكتب.......
* الكاتب محمود عوض له رواية شهيرة عنوانها يعجبني: أرجوك لا تفهمني بسرعة.....
لا تفهمني ماذا؟ بسرعة.....!
فالفهم السريع فهم متسرع مبني على التعميم...... والإنسان –أي إنسان– يستحق دائماً أن يكون حالة خاصة.....
حيلة التعويض Compensation:
ربما كانت حيلة التعويض تحمل في طياتها أحياناً قدراً من الجوانب الإيجابية: فحين يشعر إنسان ما بفشل ما إزاء مجال معيَّن.... ينقذه من قلق الفشل وعذاب الانكسار أن يحاول تعويض هذا الفشل بالنجاح في مجال آخر...... فتجده قد شحذ كل طاقاته وامتلأ إصراراً على النجاح وأتخذه مسألة حياة أو موت........
فمثلاً الشاب الذي لم تسعفه إمكانياته البدنية في التفوق الرياضي تجده قد تفوق في مجال الأدب والشعر...... والعكس صحيح.....
كل إنسان إذاً يحتاج لأن يكون له مجال تميز...... بل أن بعض علماء النفس ذهبوا إلى حد أنهم اعتبروا أن كل سلوكيات الإنسان في حياته هي مجرّد محاولات لتعويض ما يشعر به من نقص....... إلا أن ما يمارسه البعض بشكل أكثر شيوعاً هو حيلة التعويض بالعدوان: من لم أستطع مجاراته في تفوقه يشعرني بعجزي...... فإن لم أتمكن من قتله بالسيف قتلته بالكلمة: بالإشاعات حيناً وبالاغتياب لاذع السخرية أحياناً...... تماماً هي نفس المشاعر التي عبّر عنها نزار قباني حين كتب:
يا ست الدنيا يا بيروت...
نعترف الآن إنا كنا منك نغار...
وكان جمالك يؤذينا!!!
ويتبع........ الحيل الدفاعية (5/6)
واقرأ أيضاً:
صراع في الدماغ: الحيل الدفاعية/ الحيل الدفاعية (1/6)/ الحيل الدفاعية (2/6)