حكاوي القهاوي (17)
(77)
هل نحن المغفلون؟
في حديث للشيخ القرضاوي على شاشة الجزيرة أوجز الرجل فأنجز عندما عقد لنا مقارنة بين فرعون موسى وما يجري في عصرنا الحديث من حكام الطغاة. قال الرجل لقد ذكر الله اسم فرعون في القرآن أربع وسبعين مرة في حين ذكر موسى عليه السلام ستة وثلاثين مرة، مما يشير إلى شدة تحذير الله عز وجل من فرعون وأمثاله في كل العصور. فإذا كان فرعون موسى يمثله كل حاكم مستبد طاغية، فإن هامان فرعون إنما يمثله السياسيون الذين تجدهم في حاشية الحاكم وكذلك ترزية القوانين الذين يفصّلون كل شيء كما يبغي الفرعون. كذلك كان قارون؛ فعلى الرغم من أنه من قوم موسى إلا أنه تضامن لتحقيق مصلحته الشخصية مع فرعون؛ فكان من الأركان الأساسية لحكم الفرعون.
يمثل قارون في العصر الحديث تلك الرأسمالية المستغلة الفاسدة التي تتضامن مع الحاكم لتحقيق مصالحها. كذلك فإن جنود فرعون نجدهم اليوم ممثلين في رجال الأمن الداخلي الذي يتخلون عن الشعوب ويعذبونهم سواء في المظاهرات أو في سجون النظام فقط من أجل خدمة الفرعون، وقد وصفهم القرآن بأنهم لمجرمون وسيلقوْن مصير فرعون وسيغرقون معه في اليم. أما الشعب فإن الفرعون يسعى إلى استغفاله حتى يطيعونه ويؤلهونه كما في قوله عز وجل "فاستخف بهم". وقد ربط الرجل في دقة شديدة بين المجتمع والفرعون، فالمجتمع السيئ يفرز الحاكم الظالم. والشعب الذي يرى الحاكم الظالم ولا يرده فإن الله يوشك أن ينزل بهم العذاب. وتحتاج مواجهة الحاكم الظالم إلى القيام بما فعله موسى؛ أي بالمعارضة السياسية الصادقة. ويجب على الشعب ألا يخشى شيء في هذه المواجهة فالرزق مقسوم والأجل محتوم.
نفهم من ذلك أنه حتى يتمكن الفرعون من شعبه فيجب أن تكون له البطانة الفاسدة والرأسمالية المستغلة ورجال الأمن الذين يحمون الفرعون ويعذبون الشعب، ثم أخيراً الشعب المغفل. وحتى يمكن لنا أن نسقط الفرعون يجب لنا أن نعارض بصدق وألا نخشى على أرزاقنا أو أرواحنا، فنكون مستعدون لمواجهة رصاص أمن الفرعون. نفهم أيضا أن حال مصر مع فرعون موسى أفضل من حالنا اليوم ذلك لأن فرعون موسى كان إلهاً فقط؛ وهامان كان رجل سياسة فقط وقارون كان رجل مال فقط، كما أن القرآن قد ذكر لنا عن فرعون وعن زوجته التي كانت من الصالحين؛ ولم يذكر لنا شيئاً عن أبناء فرعون أو أزواج بناته واستغلالهم لسلطة الفرعون. فهل كان فرعون عاقراً أم أنها ميزة تحسب له على الفراعنة المحدثون.
فراعنة اليوم ليس كفراعنة الأمس؛ لقد صار قارون عضو لجنة السياسات في الحزب؛ بل وشغل كرسي هامان فصار وزيراً، كما تم تخصيص الأراضي لهامان في التجمعات الجديدة، واستولى على التوكيلات والمشاريع فصار مثله كمثل قارون. كما لم يكتفي الفرعون بالألوهية بل تقاسم الأرباح مع هامان وقارون. أمران لم يزدادا سوءا على ما أعتقد منذ فرعون موسى إلى عصرنا الحديث وهما الشعب المغفل وكذلك رجال الأمن الداخلي الذين لهم نفس الزي الرسمي ونفس الأداء وذات المصير. الشيء المفقود في عصرنا الحديث هو موسى الذي يبدو أنه رحل إلى تونس وبلاد أخرى غيرنا، فبقينا على ما نحن فيه؛ ذلك لأننا شعب يخاف على رزقه وعلى روحه، وأننا بنيان آيل للسقوط، فلو أن فينا موسى لغرق الفرعون ومن معه. تحية لكم أهل تونس ومبارك علينا.
(78)
عبقرية التجربة التونسية
إن لم نكن نملك علاجاً للغضب بإزالة أسبابه؛ فعلينا أن نجيد إدارته. هذا ما يجب علينا استيعابه سواء كان على مستوى الفرد أو الجماعة أو السلطة. فسوء معالجة الغضب أو إدارته سيؤدي حتماً إلى الانفجار الذي قد يأخذ شكلين، الشكل الأول هو الانفجار للداخل كما يجسده لنا سلوك إيذاء الذات بدءاً من الإدمان على المخدرات وحتى إقدام المرء على الانتحار، الشكل الثاني وفيه يكون الانفجار إلى الخارج؛ كما هو الحال في حالات الاعتداء على الآخرين وأرواحهم أو على الممتلكات الخاصة والعامة.
حرية التعبير والتظاهر والإضراب كلها أشكال محمودة لإدارة الغضب؛ في حال عدم القدرة على التعامل مع أسبابه. ولكن عندما تحول السلطة بين ممارسة هذه الأشكال السلمية فلن يبقى لنا سوى إما الانفجار للداخل فتتزايد أعداد المدمنين ومحاولات الانتحار، أو أن يكون الانفجار للخارج فيجرى مثل ما جرى في أحداث 18 و 19 يناير عام 1977. هناك الكثيرون ممن ينفجر غضبهم للداخل كما فعل بوعزيزي ولا يتحرك أحد؛ ولكن تجسدت عبقرية التجربة التونسية في تحول الغضب من كونه موجهاً إلى الداخل بإحراق بوعزيزي لنفسه إلى التحرك المباشر للتعامل ولعلاج أسباب الغضب بإزالتها. وهنا جاء قرار الشعب التونسي بالخروج والعصيان المدني السلمي حتى تزول السلطة المستبدة، وبأقل قدر من الخسائر الناتجة عن أي عدوان للخارج من تدمير للممتلكات العامة والخاصة. عبقرية التجربة التونسية تجسدت في كيفية تحول شرارة بو عزيزي إلى تحرك ثوري شعبي ضد أسباب هذا الغضب.
من يريد محاكة التجربة التونسية فلا يحاكيها في حرق نفسه كما فعل بوعزيزي، بل يحاكيها في التحرك الشعبي. من يريد محاكاة التجربة التونسية فعليه أن يضع نصب عينيه أنه إنما يطبق أسلوباً فعالاً في علاج الغضب بإزالة أسبابه وليس الوقوف عند حد إدارة مشاعر الغضب مع ترك الأسباب على حالها كما هي. هذه هي عبقرية التجربة التونسية؛ وعلينا أن نثق في نجاحها فهي مجربة ومضمونة النتائج وهروب بن علي خير دليل. ولكن هناك شروطا يجب الالتزام بها لضمان النجاح، وهذه الشروط هي خروج الشعب للشارع وعدم العودة للمنازل مهما طال الوقت وإن استمر الأمر لشهور حتى تزول أسباب الغضب ويسقط النظام. لهذا فنحن لسنا بحاجة إلى بوعزيزي لإشعال الشرارة لأنها بالفعل مشتعلة، نحن فقط في حاجة إلى تطبيق ما تعلمناه من التجربة التونسية. كان بوعزيزي شرارة الثورة في تونس؛ وتونس الآن هي شرارة الثورة لنا.
24/1/2011
ويتبع>>>>>>>>> : حكاوي القهاوي (19)
واقرأ أيضاً:
هيلن كيلر معجزة لن تتكرر / ولمَ لا؟ / حكاوي القهاوي