حكاوي القهاوي (43)
(197)
زلة لسان
صدر تعليقاً من أحد المشايخ السلفيين، أثناء إلقائه لدرس في الدين، على نتيجة الاستفتاء التي جاءت بغالبية (نعم) للتعديلات الدستورية، فعلق الرجل فرحاً قائلاً (كانت هذه غزوة؛ اسمها غزوة الصناديق... قالت الصناديق للدين نعم)، ثم أخذ الرجل يكبر تكبيرة العيد وأكمل بعدها قائلاً (الشعب يقول نعم للدين... اللي يقول إن البلد ما نعرفش نعيش فيها.. خلاص أنت حر) وأشار الرجل بيده وكأنه يقول يطلع بره ثم أضاف قائلاً (ألف سلامة.. عندهم تأشيرات كندا وأمريكا). وعندما انتقد الكثيرون تعليق الرجل والتي كان واضح فيها أنه يقصد المسيحيين، جاء البعض ليبرر له كلامه بأنه مجرد زلة لسان ولا تعبر عن موقف رافض أو اضطهادي للمسيحيين.
وأقول هنا وتعليقاً على ما حدث أنه قد يعتذر شخصاً عما بدر منه من خطأ باعتباره مجرد زلة لسان ولا يقصد به شيئاً، ولا يجب الوقوف عند هذه الزلة وأخذها مأخذ الجد. غير أنه في علم النفس وفي نظرية التحليل النفسي على وجه الخصوص تعبر زلات اللسان أو زلات القلم عما بداخل الشخص ويحاول أن يخفيه، وبالتالي تكون هذه الزلات أفضل وأصدق تعبير عما يخفيه الشخص، مما يعني باختصار أن الرجل كان يقصد ما يقوله وأنه يعتبر مصر وطن للمسلمين واللي مش عاجبه يطلع بره.
إن فرحة هذا الشيخ الذي ينتمي لجماعة التلفيين، آسف زلة لسان وكنت أقصد السلفيين، تؤكد ما أشرنا إليه من قبل من أن الجماعات الإسلامية اعتبرت أن الاستفتاء معركة دينية بين المسلمين والمسيحيين وأن من لم يقل نعم فهو آثم. وبالمثل قام المسيحيون بالتأكيد على ضرورة قول لا حتى لا تصبح مصر إسلامية. وبالتالي فإن غالبية من قال (لا) أو (نعم) هو في الحقيقة لا يعرف لماذا اختار ما اختار. فهذا الربط بين الدين وقول (نعم) أو (لا) هو من قبيل الغباء الذي تفرد به رجال الدين الإسلامي والمسيحي في مصر. وهذا لا يعني في تصوري سوى أن للشيخ ذكاء مثل ذكاء رجل الدين المسيحي الذي قال أن مصر مسيحية وقد احتلها المسلمون منذ أربعة عشر قرناً. كان الله في عون مصر أن بلاها بأمثال هذا وذاك.
(198)
سلفيون أم تلفيون
استمتع السادات ومبارك بضرب القوى الوطنية وبث الفرقة فيما بينها واستخدام في ذلك سياسة فرق تسد، فخلق لكل جماعة الجماعة المنافسة لها حتى لا ينتهي الصراع بينهما ليستفيد الرئيس. وقد وصل بهما الحد إلى استخدام نفس التفكير في تعيين مستشارين الرئيس والوزراء فكان ممدوح سالم على سبيل المثال وفؤاد محي الدين يكرهان بعضهما البعض أيام حكم السادات ويستمتع السادات بصراع الديوك هذا إضافة إلى أن كلا منهما تبرع بالوشاية ضد الآخر، فيعرف الرئيس دون عناء كل ما يدور في الخفاء.
كان الحال كذلك بين صفوت الشريف وزكريا عزمي في عهد مبارك. سياسة فرق تسد هذه هي التي جعلت السادات يطلق سراح جماعة الإخوان المسلمين من السجون لضرب الشيوعيين والناصرين. وطبعاً حتى يضمن السادات استمرار الصراع وعدم انتهائه لصالح الإخوان المسلمين قام -وهذا ما اعتقده وبصدق– بفتح الباب على مصراعيه للجماعات الإسلامية فتكونت الجماعات السلفية والتي كان من المفترض منطقياً أن تقوم هذه الجماعات بالصراع مع الإخوان المسلمين لخلافهم على فهم الدين.
وبعد أن جاءت نهاية السادات على أيدي هؤلاء التلفيون قام نظام مبارك وكما هو واضح من الملفات التي تم كشفها عند انهيار جهاز أمن الدولة، قام نظام مبارك ممثلاً في جهاز أمن الدولة باحتواء هذه الجماعات السلفية واختراقها وتسليحها؛ إن لم يكن إنشاء بعضها لتنفيذ العمليات الإرهابية التي يريد النظام تحقيق فوائد من ورائها مثل حاثة تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، وتفجيرات شرم الشيخ.
فإذا عقدنا مقارنة بين جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية نجد أن الأخوان المسلمين يتميزون بالتنظيم الشديد وطاعة المرشد وعدم الخروج على أوامره، بعكس السلفيين الذين يتميزون بأنهم جماعات لا جماعة واحدة وأنه لا طاعة لديهم للفقيه إذا لم تعجبك فتواه. لهذا وجد فيهم النظام ضالته في وجود جماعات متناحرة تقضي بعضها على بعض والمستفيد من هذا الصراع في النهاية هو النظام القادر على توظيف هذا الصراع كما يشاء. لقد ساعد هذا التنوع والتفاوت بين هذه الجماعات السلفية إلى قدرة جهاز أمن الدولة على تكوين جماعات سلفية تابعة لها فكل ما هو مطلوب: استقطاب شخصٍ فاهمٍ أو يدعي الفهم للدين ليعطى له مساحة للدروس والخطابة الحماسية في مسجد من المساجد؛ فتكون له جماعة سلفية تأتمر بأمره وإن كانوا في الحقيقة يأتمرون بأوامر ضباط أمن الدولة الذين يقررون لشيخها ما يفعل وما يقول ومن يحارب ومن يصادق من الجماعات الإسلامية الأخرى وقد كشفت وثائق أمن الدولة بعد سقوطها عن بعض من هؤلاء.
يتميز المرشد لجماعة الأخوان من ناحية أخرى والذي يأمر فيطاع بأنه فاهم للدين، بعكس ما يحدث في الجماعات السلفية حيث تجد منهم من لم يقرأ في الدين سوى كتاب واحد هذا إن قرأه بل وقد يتحرك أحدهم بالتصرف بناء على فهم أو فتوى اقتنع بها أو لامست هوى في نفسه. وقد كان طبال إمبابة مثال لهؤلاء ليس ببعيد عن الأذهان، والحال كذلك مع بن لادن. فخرجت لهذا فتاوى بإهدار دم السادات وفرج فودة والشيخ الذهبي ثم ظهرت فتوى الآن بإهدار دم الدكتور البرادعي. لقد ساعد على انتشار هذا الفكر السلفي ضعف الأزهر وخضوعه وانبطاحه للنظام الحاكم حتى صار رفض الأزهر وكره الناس له جزءاً من رفض النظام فلا ثقة لدى الشعب في شيخ الأزهر ولا في المفتي.
الآن وبسقوط النظام أصبح كل جماعة سلفية وكل شيخ سلفي يفعل ما يشاء ولا مانع من أن يصنع من نفسه بطلاً ليروي لنا كيف كان أمن الدولة يعذبه لأنه ممسك على دينه. لقد أصبح هؤلاء يبحثون عن دور لهم في مصر ما بعد 25 يناير، وأحد أفضل السبل لخلق دور البطولة هو أن تجد عدواً تصارعه وتصرعه وليس هناك أفضل من المسيحيين ليكونوا عدواً حتى يكون السلفي من هؤلاء صاحب رسالة يستطيع بها أن يضحك على عقول البسطاء ليمشوا وراءه وليجعلوا منه بطلاً.
لهذا فإن على الأزهر مسئولية كبيرة إذا أردنا لمصر النجاة، فعلى الأزهر والمفتي أن يستقلا عن الحكومة وأن يتم اختيار شيخ الأزهر بالانتخاب وليس بقرار تعيين من رئيس الجمهورية، ذلك حتى يحظى الأزهر بثقة الشعب واحترامه ولا ينظر إليه باعتباره مجرد بوق يردد ما يريده النظام. كما ينبغي أن يكون الأزهر ممثلاً للوسطية في الدين بكل ما تعنيه كلمة الوسطية فيجب تطهير الأزهر من المشايخ الذين يتبنون أفكاراً متشددة في الدين نتيجة ميل هؤلاء لقوى دينية خارج مصر تملك المال لنشر أفكارها. كما يجب أن يكون للأزهر سلطة على أئمة المساجد فلا يعتلي المنبر في خطب الجمعة إلا من كان مؤهلاً علمياً ليكون داعية إسلامياً من الأزهر حتى نضمن وسطية الفكر الإسلامي الذي يشكل وجدان الناس البسطاء.
إن لم نفعل ذلك فقد تكون مصر مقدمة على حرب أهلية بين المسلمين والمسيحيين في حال زيادة سطوة الفكر المتشدد لدى بعض الجماعات السلفية والذي سيظهر في مقابله فكراً مسيحياً متشدداً حتى لو كان بهدف الدفاع عن النفس. حفظ الله مصر من كل سوء.. آمين
31/3/2011
ويتبع >>>>>>>>: حكاوي القهاوي (45)
واقرأ أيضاً:
كنت في التحرير.. لستُ أمّك!!/ منظومة الحرية/ الرؤية المستقبلية لمصر/ لا.... للإحباط/ حكاوي القهاوي