الحالة النفسية للشعب المصري بعد الثورة
في يوم الخميس 12\5\2011م اجتمع فريق نفسانيون من أجل الثورة لمناقشة حالة الصراع والإستقطابات الحادثة بين بعض فئات المجتمع بعد الثورة، وكان أبرزها الأحداث الطائفية في أطفيح وإمبابة والمسيرات والإعتصامات الطائفية إضافة إلى الإضرابات والاحتجاجات الفئوية، وقد خلص المجتمعون إلى النتائج والتوصيات التالية:
٠ إن الاستقطابات والانقسامات والصراعات الحالية لها جذورها الممتدة إلى فترة ما قبل الثورة حيث حرص النظام السابق على تفتيت المجتمع لكي تستقر له الأمور. والفتنة الطائفية موجودة من قبل الثورة ولكنها اشتعلت أخيرا نظرا لحالة الانفلات الأمني.
٠ إن الحالة الطائفية تمر بمراحل وهي: الأفكار الطائفية ثم المزاج الطائفي (المشاعر الطائفية) ثم المناخ الطائفي ثم الصراع الطائفي ثم المواجهات الطائفية وأخيرا الحرب الأهلية الطائفية، وللأسف الشديد فإن الوضع في مصر قد وصل إلى مرحلة المواجهات الطائفية وهذا يستلزم حذرا وجهدا مخلصا لنزع الفتيل قبل فوات الأوان.
٠ وإن حالة القمع والكبت التي سادت قبل الثورة حين انقشعت خلفت وراءها رغبة في التعبير الحر الذي ربما يصل إلى حد الصخب لدى بعض الفئات.
٠ لا نتخيل قيام دولة مدنية بدون مجتمع مدني قوي، ولا نتخيل قيام دولة ديمقراطية بدون ديمقراطيين.
٠ يحتاج المجتمع المصري أن يخرج من إطار الخطابات المتصارعة إلى خطابات بنّاءة تركز على القواسم المشتركة بين الفئات المختلفة.
٠ ولكي ننتقل إلى مرحلة الوفاق عل أسس سليمة فنحن نحتاج إلى المصارحة والتي هي بمثابة عملية فتح الخراج وتنظيفه.
٠ تأتي الكثير من أحداث البلطجة والنزاعات الطائفية من العشوائيات وتتم على أيدي مهمشين أهملهم النظام السابق وأهدر آدميتهم وأذلهم واحتقرهم على مدى سنوات طويلة، ولذلك أصبح من الضروري أن نهتم بهم وباحتياجاتهم وأن نشعرهم بآدميتهم ونقوم بإعادة تأهيلهم.
٠ نسبة الأمية العالية (30% من المجتمع لا يعرفون القراءة والكتابة) تشكل خطرا كبيرا حيث يتم السيطرة على تلك الفئات وتوجيهها وجهات خطرة. والأمية ليست فقط في القراءة والكتابة بل لدينا أميات أخرى كالأمية السياسية والأمية التربوية والأمية الثقافية.... الخ.
٠ العملية التعليمية تحتاج لمراجعة شاملة من حيث المناهج وطرق التدريس والقائمين على التدريس، ويكون هدفنا من التعليم تخريج أجيال تستطيع أن تفكر بطريقة علمية وطريقة نقدية، وتعرف معنى الحوار البنّاء، وتشعر بقيمة الإنسان. ونحتاج لأن نربي أطفالنا على مبادئ المساواة ومنع التمييز على أساس الجنس أو اللون أو الدين.
٠ للإعلام دور كبير في تنوير المجتمع وحثه على التفكير الإيجابي والتوافق نحو البناء، ولكن للأسف مازال الإعلام المصري وخاصة الحكومي يعاني من مشكلات عديدة، ومازالت الرموز القديمة مؤثرة فيه، وكلنا يتذكر مواقف الجهاز الإعلامي السلبية أثناء الثورة، فقد فشل هذا الجهاز بشقيه الحكومي والخاص في مواكبة الثورة (بل كان ضدها في أغلب الأحيان)، وكان الناس يتابعون أحداث ثورتهم من القنوات العربية والأجنبية.
٠ نحتاج لوجود أخصائيين نفسيين في كل مؤسسة تربوية على أن يتلقوا تدريبا جيدا للقيام بوظائفهم في الرعاية النفسية، وعلينا أن نعلي من شأن الإرشاد النفسي والعلاج النفسي والرعاية النفسية عموما، وأن يكون ذلك مرادفا لمعنى إعادة التوازن، وإعادة فهم الإنسان للحياة، وإعادة فهم دوره في المجتمع الإنساني والمحلي.
٠ لوحظ أن الصراعات والاحتقانات تزداد حين تلجأ الدولة للموائمات السياسية والتوافقات السطحية بعيدا عن سلطة القانون، وهذا يؤدي إلى تراكمات سلبية وإحساس بعض الفئات بالظلم والقهر وذلك يؤدي إلى انفجارات عنف مع أي مؤثر ولو بسيط، ولهذا لابد من إعمال سيادة القانون في كل الأحداث ومع كل الأشخاص دون أي اعتبارات طائفية أو سياسية.
٠ التعليم الديني في المدارس والجامعات مهملا، لذلك لا يتلقى النشء معلومات صحيحة عن دينهم من مصادر موثوق بها، ويترك الأمر مفتوحا لأشخاص وجهات تلقي للناس معلومات دينية عشوائية تشكل أرضية خصبة للتطرف وكراهية الآخر وتكفيره أو تفسيقه ومحاولة استئصاله. والحال هكذا يشعر الناس بهشاشة دينهم وأن دخول شخص أو خروج آخر يقوي أو يهدد هذا الدين. كما أن التعليم الديني لا يؤكد على فكرة الحرية الشخصية في الأديان، والتي هي مكفولة شرعا وقانونا لكل إنسان رجلا كان أو امرأة وبناءا على ذلك لا يحق لأي شخص أو أي جهة بسط الوصاية على شخص تحول من دين إلى دين، وفي حالة وجود مشكلات يتم حلها بسلطة القانون وليس بضغوط الأفراد أو المؤسسات الدينية. وعلينا أن نعرف من يعلم ماذا وكيف؟.. فكثير من التعليم الديني يتلقاه الناس في غرف مغلقة أو زوايا أو معابد أو أديرة أغلبها بعيد عن التمحيص العلمي المنضبط.
٠ هناك أماكن معروف أنها قابلة لاشتعال صراعات طائفية منها على سبيل المثال "العمرانية" و"شبرا" والمنيا والإسكندرية، ولهذا يجب نزول مجموعات من المثقفين وقادة الفكر وعلماء الدين والخبراء النفسيون لعمل ندوات وورش عمل وحلقات نقاش، وذلك لتعديل الاتجاهات في تلك المناطق مع عمل برامج تنموية مشتركة تستوعب طاقات الناس بعيدا عن النزاعات الطائفية.
٠ الثورة المصرية بقدر ما كانت عظيمة إلا أنها لم يكن لها قيادة موحدة ولم تفرز نظرية للحكم حتى الآن، وهذا قد جعل كل مجموعة شاركت في الثورة تعود لتتمركز حول قيادتها الأصلية، ثم تتصارع هذه المجموعات مع بعضها البعض على الرغم من ذوبان تلك المجموعات في ميدان التحرير وميادين مصر إبان أيام الثورة الأولى، لذلك يجب على المفكرين وصناع الرأي والمتخصصين أن يبدأون في صياغة نظرية للحكم يلتف حولها الناس ويطبقوها في شكل موسسات راسخة تحافظ على سلام وتماسك المجتمع.
٠ بعد نجاح الثورة في إسقاط النظام انشغل الناس كثيرا بالصراعات الحزبية والدينية والسياسية، ونسوا مساحات أخرى مهمة في حياتهم منها مثلا الاقتصاد الذي أصبح في حالة حرجة والسياحة التي توقف تدفقها والتعليم الذي يحتاج إلى ثورة، والإعلام الذي لم يواكب الحدث بشكل جيد حتى الآن. إذن فنحن بحاجة لأن نوجه أنظار الناس إلى المساحات الأخرى في حياتنا، تلك المساحات المنسية رغم أهميتها.
٠ المجتمعات لا تتغير فقط بالأفكار والمعلومات بل تحتاج إلى تغيير اتجاهات واكتساب مهارات إيجابية بنّاءة.
٠ ونظرا لما لوحظ من تكرار دخول مسيحيات في الإسلام بسبب مشاكل زواجيه وما نتج عن ذلك من أخطاء وأحداث طائفية خطرة، لذا يجب البحث المرن في موضوعات الأحوال الشخصية للإخوة المسيحيين بما يحقق التوافق داخل الأسرة على أساس من التراضي المتبادل.
٠ وقد انتهى المجتمعون إلى توصية بدراسة موضوعات حيوية مثل: التعليم والإعلام والأزهر والكنيسة والاقتصاد، كل ذلك من الناحية النفسية، وذلك للوصول إلى حالة من الصحة النفسية لكل طوائف الشعب على أساس علمي سليم.
نفسانيون من أجل الثورة
عنهم:
أ.د أحمد شوقي العقباوي
أ.د محمد غانم
أ.د محمد المهدي
أ.د وائل أبو هندي
أ.د خليل فاضل
واقرأ أيضاً:
قنا: البحث عن.. جملة مفيدة/ أهم من الاستفتاء، وأخطر من ثورة مضادة/ ثورة 25 يناير ومكامن الخطر/ الفاسدون وراثة أم تربية؟