بدأت الجولة الثانية للثورة بمليونية يوم الجمعة 8 يوليو 2011م حين خرج ملايين المصريين مرة أخرى إلى ميدان التحرير وبقية ميادين مصر حيث شعروا أنهم أخطأوا حين لم يكملوا المشوار ولم يستمروا في الإعتصام والإحتشاد الثوري بعد تنحي حسني مبارك وحين اعتقدوا –خطأ– أن إسقاط مبارك يعني إسقاط النظام. اكتشف المصريون أنهم –كعادتهم– تسرعوا في الإحتفال بالنجاح قبل أن يكتمل سقوط النظام ولهذا عليهم أن يدخلوا امتحان الملحق في ثورتهم، وعليهم أن يستعيدوا لياقتهم الثورية، وعليهم أن يستعدوا لجولات متتالية حتى تحقق الثورة أهدافها.
اكتشف المصريون عيبا مزمنا فيهم، وهو أنهم لايجيدون إكمال الأشياء حتى نهايتها بنفس الجودة التي بدءوا بها، لايجيدون التشطيب والتقفيل، وهذا يجعلهم يخسرون كثيرا في الأشياء الكبيرة والصغيرة، فهم قاموا بحرب أكتوبر العظيمة ولكنهم أهدروها سياسيا حين توقفوا مبكرا واحتفلوا مبكرا وسلموا المقاليد لأمريكا أملا في أن تكمل هي سيناريوا النصر فإذا بها تحوله لهزيمة سياسية، ويحدث هذا على مستوى التصنيع في مصر حين نغزل قطنا متميزا وننسجه ونصنع منه ملابس رائعة ولكننا لا نجيد التقفيل والتشطيب فترجع الملبوسات المصدرة للخارج بسبب هذا العيب الذي نحسبه هينا وهو في حسابات الناس عظيم.
اكتشف المصريون أنهم ثاروا ونجحوا في إسقاط رأس النظام، ولكنهم لم يحكموا بل لم يشاركوا في الحكم، إذ لم يمثلهم في الحكومة غير رئيس وزراء "طيب" و"حنين" و"مسامح" في حقه وحق الثورة، هو الوحيد الذي جاء من ميدان التحرير بينما جاء بقية الوزراء من ميدان مصطفى محمود ومن لجنة سياسات جمال مبارك. اكتشف المصريون أن رأس النظام قابع في شرم الشيخ دون استكمال محاكمة ونجليه قابعان في طره لا أحد يعلم ماذا تم ويتم معهما وبقية رموز النظام يتفلتون ويحصلون على براءات متتالية رغم شهادة الشعب على جرائمهم السياسية التي هي أهم من جرائمهم المالية التي اقتصرت المحاكمات عليها وكأننا نحاكم محاسب في شركة خاسرة أو متعثرة . اكتشف المصريون أن قتلة الثوار على وشك غسل أيديهم من دم الشهداء ليعودوا إلى أعمالهم في وزارة الداخلية وكأن شيئا لم يكن.
اكتشف المصريون أن سلطة مابعد الثورة لا تثق بقياداتهم الثورية حيث ضنت عليهم ببعض المقاعد الوزارية في حكومة ما بعد الثورة، وتساءل الناس لماذا لم يعين زكريا عبدالعزيز وزيرا للعدل، وممدوح حمزة وزيرا للإسكان، وإبراهيم عيسى أو بلال فضل أو علاء الأسواني أو حمدي قنديل وزيرا للإعلام، وعصام العريان وزيرا للصحة، وعمرو خالد أو عبدالرحمن يوسف أو مصطفى النجار أو شادي حرب وزيرا للشباب، وصفوت حجازي وزيرا للأوقاف؟.
لماذا استبعد الثوار ورموزهم وقادتهم من المناصب الوزارية في الحكومة الثورية أو التي من المفترض ومن المنطقي أن تكون ثورية لتحدث التغيير الجذري المعبر عن الثورة؟. هناك احتمالات كثيرة لذلك نذكر منها أن السلطة الحاكمة:
٠ لا تثق في رموز الثورة من ناحية الكفاءة أو من ناحية الإنضباط
٠ مازالت تثق في ممثلي النظام السابق
٠ لاتريد تغييرا كبيرا وإنما بعض إصلاحات جزئية متدرجة وببطء محافظة على الإستقرار
٠ لا ترى ماحدث ثورة تستوجب حضور الثوار في المشهد، وإنما مظاهرات تستلزم تغيير بعض الوزراء دون تغيير في فلسفة الحكم
٠ تريد أن تستبقي القرارات في يدها –وحدها– لسبب لا يعلمه أحد غيرها
والنتيجة أن وجد الثوار أنفسهم خارج منظومة الحكم، وأن عليهم إذا أرادوا شيئا من السلطة القائمة أن يتوجهوا مرات ومرات إلى ميادين التحرير لتتحقق مطالب جزئية صغيرة جدا، ولهذا عليهم أن يستعيدوا لياقتهم الثورية نظرا لحاجتهم لجولات متتالية من الثورة لحين تحقيق الأهداف.
واكتشف المصريون أنهم استدرجوا للدخول في خلافات ونزاعات حول الدستور أولا أو الإنتخابات أولا، وانقسموا إلى إخوان وسلفيين وليبراليين وعلمانيين وقوميين ويمينيين ويساريين، وداخت رؤسهم بين نقاشات الدولة المدنية والدولة الدينية بينما جسد الثورة يتآكل يوما بعد يوم، وأنه بينما الثوار يتفرقون ويتشرذمون بدأ أركان النظام السابق يستعيدون عافيتهم ويلملمون صفوفهم ويتهيئون للإنقضاض على ما تبقى من الثورة.
هنا كان لابد من عودة الروح وعودة الوعي والكف عن الخلافات الهزلية والثرثرات الفارغة والعودة إلى ميدان التحرير، وكانت العودة قوية ومدوية وتحمل رسائل الإحباط والعتاب والغضب إلى من وكلتهم الثورة لإدارة بقية خطواتها، فهل تصل الرسالة إلى من يهمهم الأمر فعلا قبل فوات الأوان؟ وهل نرى الثوار في دائرة الحكم فعلا لا رمزا؟.
واقرأ أيضاً:
منظومة الحرية/ الرؤية المستقبلية لمصر/ مشروع الثورة، والوعي الجمْعي الجديد/ الحضور الشكلي للإخوان في مليونية الإسلاميين