بصائر نفسية إسلامية (3)
القيم والكرامة والحياء
"إن لكل دين خلقاً، وإن خلق الإسلام الحياء" (رواه ابن ماجة ومالك). كلمة قالها صلى الله عليه وسلم ولخص فيها أخلاق المسلم في كلمة واحدة (الحيــاء) ليس الحياء بمعنى خشية الناس وهيبتهم التي تجعل الإنسان ضعيفاً منكمشـاً يتنازل عن حقه أو يجبن عن قولة الحق، وليس الحياء بمعنى حَقْرِ النفس وازدرائها وعدم إدراك قيمتها، فلا يرى نفسه أهلاً لأن يثبت ذاته بين الناس، بل يبتعد دائماً إلى الظل وإلى الهامش يستتر فيه عن عيونهم التي يتوقع منها أن تنظر إليه بتعالٍ واستخفـاف، إنمـا الحياء الذي هو جُماع خلق المسلم عكس هذا وذاك، إنه شعور مبعثه الجرأة في الحق وعدم خشية أحد إلاّ الله وحده، ومبعثه إحساس بالكرامة والقدر واحترام الذات والنِّدّية للناس أجمعين بلا دونية ولا إحساس بالنقص لأي سبب من الأسباب، وبلا كبر ولا استعلاء على خلق الله الذين جعلهم خالقهم سواسية كأسنان المشط، والأكرم لديه أتقاهم له، وأشقاهم لديه المستكبرون العالون في الأرض.
والحياء فيه شبه بالخجل من حيث أنه يمنع صاحبه من ارتكاب بعض الأفعـال، لكن بينما الخجل يمنع صاحبه من فعل ما هو مقتنع به وراغب فيه ويرى فيه الخير والحق والمصلحة فإن الحياء يمنع صاحبه من الوقوع فيما يرى نفسه جديرة أن يصونهـا عن الوقوع فيه، إنه يمنع صاحبه من مخالفة قيم الخلافة في الأرض ومكـارم الأخلاق لأنه يرفض أن يهين نفسه ويربأ بها عن أن ترتكب ما لا يليق بخليفة الله في أرضه.
إن الحياء يمنع المسلم من أن يظلم أو أن يعتدي أو أن يبخل أو أن يجهل أو أن يزني أو أن يكذب، لأن المسلم يرى نفسه خليفة لله في أرضه جديراً بأن تتحقق فيه صفات الله وأخلاقه إلاّ ما حرم عليه منها كالعظمة والكبرياء، لذا كان احترام الذات لا بد منه للمسلم كي يتخلق بخلق الحياء، وكان لا بد لنا من معاملة أطفالنا بكل الاحترام منذ سنواتهم الأولى حتى يتعلموا احترام أنفسهم وينغرس فيهم الإحساس بالكرامة والندية للناس جميعاً ثم نغرس فيهم قيم الاستخلاف في الأرض فيكون خلقهم الحياء يجمعون فيه بين قوة الشخصية والشعور بالقدر والجرأة الأدبية وبين مانع من داخل أنفسهم ينهاهم عن فعل المنكرات ويدعوهم إلى فعل الخيرات.
اقرأ أيضاً :
التربية: دعوة إلى الله ! / حتى نعْدل إن عاقبنا / مفهوم اللغة في حياة الطفل / أولادنا في رمضان1