قلما تتفحص صحيفة في الغرب، موقع على الإنترنت، أو تستمع إلى نشرة أنباء إلا وكان الحديث بين الحين والآخر يتطرق إلى المساواة بين الرجل والمرأة. أحياناً يصور الإعلام للجمهور بأن هناك صراعا دائما بين الجنسين وكأنه حلبة صراع بين محاربين، وكل جولة من هذا الصراع تمس الحياة الاجتماعية، المادية، السياسية بل وحتى الطبية.
لا شك أن الحديث عن المساواة بين الرجل والمرأة قلما يتوقف في جميع المجالات العلمية، الأدبية، القانونية، الدينية والتشريعية. يخوض الكثير من الناس، وبمختلف طبقاتهم الاجتماعية، العرقية، والدينية، في هذا المجال وترى الاستقطاب واضحاً في آراء الرجال، وكذلك النساء. القاعدة العامة تاريخياً يمكن تلخيصها بأن ثقل الرجل واضح للعيان على ميزان الحقوق الاجتماعية، المادية، فرص العمل، بل وحتى القضائية في أكثر الجرائم بشاعة وهي الاغتصاب. حتى في الغرب ترى أن إثبات هذه الجريمة البشعة صعب، والكثير من الجرائم لا تصل إلى قاعة المحاكم الجنائية والمدنية. أما في العالم العربي والإسلامي فإن الضحية قلما يجد من يمد يده بالعون، وفي القضاء المصري وإلى عهد قريب يسقط الحق الجنائي إذا طلب المغتصب الزواج من ضحيته.
بعد تلك المقدمة البسيطة للمحاربين، أحدهما رجل والآخر امرأة، لابد من وقوفهم على الميزان لأكثر من مرة قبل الحديث عن صراعهم في حلبة الحياة.
عملية الوزن الأولى: البعد السياسي
إن موقع المرأة اجتماعيا في العالم الغربي أقل حظاً من الرجل. هذا الاستنتاج واضح من خلال الإحصائيات المتوفرة علنياً والتي تشير إلى أن عدد النساء اللاتي يشغلن مناصب إدارية عالية أقل بكثير من الرجال. لتبسيط الأمر يمكن فحص الحقائب الوزارية في جميع البلاد الغربية وتلاحظ بأن الميزان يميل لصالح الرجل، وإن كانت الأحزاب السياسية تحرص بين الحين والآخر إبراز شخصية نسائية في المناصب العليا لتتفادى الانتقاد. في بريطانيا لم تبرز امرأة منذ غياب مارجريت تاتشر التي تركت آثارها في كل جانب من الحياة السياسية البريطانية.
حظ المرأة في فرنسا أقل من ذلك، وإن كانت المدام رويال أكثر ثقافة وموهبة من منافسها على الرئاسة الفرنسية آلمسيو ساركوزي الذي اشتهر اليوم بأنه أقل الزعماء شعبية في تاريخ فرنسا. أما في إسرائيل فحزب كديمة تقوده امرأة وحزب العمال في طريقه إلى تسليم الرئاسة إلى امرأة أيضاً. آما الاتحاد الأوربي فإن قيادة أنجيلا ميركل في ظل أشد أزمة اقتصادية عالمية قلما تتعرض للانتقاد، وما عليك إلا أن تقارنها بمثيلها الإيطالي الذي يميل دوماً إلى التهور، واليوناني الخالي من كل كفاءة تذكر.
آما في العالم العربي الإسلامي فإن ثقل المرأة سياسياً أقل بكثير حتى من العالم الإسلامي وغير الإسلامي في الشرق. الكل يعلم موقع الراحلات غاندي وبوتو في سياسة شبه القارة الهندية. الصراحة أن ليس هناك وجود سياسي جاد للمرأة في العالم العربي والإسلامي في الشرق الأوسط مقارنة بغرب وشرق المنطقة. لذلك حرصت اللجنة العامة لجائزة نوبل على منح جائزة نوبل بجدارة لامرأة إيرانية ويمنية في هذه الألفية من العصر.
إن ثقل الرجل سياسياً أكثر من المرأة عموما وفي جميع أنحاء العالم ولكن الفارق بين الجنسين أكثر بكثير في العالم العربي الإسلامي، وهذا من سوء حظ المجتمعات عموماً وخاصة العربية.
عملية الوزن الثانية: البعد العائلي
إن الارتباط بين الرجل والمرأة قانونياً، اجتماعياً، أو عرفياً عملية صحية للجنسين. كل إنسان يحتاج إلى وعاء يحتويه من متاعب الدنيا ومشاكل الحياة. ما لا جدال فيه علمياً بأن العامل الاجتماعي الأكثر إثباتاً لإصابة الفرد بالكآبة هو عدم ارتباطه بعلاقة دافئة صحية. ينطبق ذلك على الرجل والمرأة على حد سواء، غير أن دراسات العوامل الاجتماعية في مرض الكآبة كانت أكثر تركيزاً على المرأة عالمياً في العقود الثلاثة الماضية من العصر.
رغم ذلك يبدو بأن الرجل أكثر وقاية من المرأة من مرض الاكتئاب من العقد الثالث من العمر إلى العقد السادس. ولكن من المهم الإشارة بأن أمراض الإدمان وخاصة الكحول أكثر شيوعاً عند الرجال في هذه الفترة من العمر، وعلى ضوء ذلك يتوازن الرجل والمرأة في مجال الاضطرابات النفسية العاطفية.
إن العملية الوقائية للارتباط بين الجنسين بدأت تتغير عالميا في عصرنا هذا وبدأ سن الزواج بالصعود مع تطور المجتمعات. لكن الأغرب من ذلك أن هذا التغيير أكثر وضوحاً في المجتمعات الآسيوية التي تقدس الزواج والتي طالما تحدثت بأنه أحد أسباب نجاحها اقتصادياً وهي: اليابان، تايوان، كوريا الجنوبية وهونغ كونغ(٣). أصبح سن الزواج في هذه البلاد ٣٠ عاماً للمرأة و٣٣ عاماً للرجل. ما يقارب الخمس من النساء غير متزوجات في سن الأربعين. صاحب ذلك انخفاض معدل الإنجاب من ٥ أطفال للمرأة في الستينيات إلى أقل من طفلين هذه الأيام. يضاف إلى ذلك بأن الإعراض عن الزواج علاقته مباشرة بارتفاع التحصيل العلمي للمرأة.
إن هذه الظاهرة هي نتاج لنجاح المرأة اجتماعيا، ولكن أحد أسبابها هو المسؤوليات المتراكمة على المرأة في العصر الحديث. فهي تنجب الأطفال، ترعاهم، تجلب دخلا مادياً للعائلة والأكثر من ذلك في العالم الشرقي والغربي تتحمل رعاية والديها في الشيخوخة. لا عجب إذاً أن ترى المرأة بدأت تتجنب الزواج مع التطور الاجتماعي.
نلاحظ أن كفة الميزان لا تزال تميل إلى الرجل حتى يومنا هذا عالمياً. بالطبع ما يحدث في شرق آسيا لا يستبعد حدوثه في أماكن أخرى ومنه العالم العربي.
عملية الوزن الثالثة: السلوك العملي
بلا شك أن مصائب العالم الاقتصادية من فعل الرجل. حقيقة لا تقبل الشك في تهور العاملين في القطاع المصرفي من نيويورك، عبوراً بلندن، ونهاية في سويسرا. كذلك الأمر ينطبق على مأساة دبي الاقتصادية فهي نتيجة أعمال رجال فقط ولا ذنب للمرأة فيها. لا عجب إذا أن تترأس اليوم امرأة صندوق النقد العالمي، فقد أثبت الرجال أن تهورهم لا حدود له، وأن كفة الميزان تميل إلى المرأة ولا حاجة إلى عملية الوزن أصلاً بعد الكوارِث الاقتصادية من عام ٢٠٠٨ إلى يومنا هذا.
إن التعرض للإجهاد يمر بثلاثة مراحل مختلفة. المرحلة الأولى يصاحبها إفراز هورمون الأدرينالين لتهيئ الفرد للصراع الذهني والبدني. المرحلة الثانية يصاحبها إفراز هرمون الكورتيزول بأنواعه الذي يهيئ الفرد لاسترجاع ذكريات تجاربه الماضية والتهيؤ للعمل والاندفاع. أما المرحلة الثالثة التي قلما يصل إليها الإنسان، فهي مضاعفات لكثرة إنتاج الهورمون الأخير وبالتالي التأثير السلبي على كافة أعضاء الجسم مسبباً المرض بعد الآخر وضعف المقاومة الجسدية.
إن التأثير الناتج عن هورمانات الكورتزول والاندفاع المفرط قد يؤدي بدوره إلى التهور والمغامرة وخصوصاً من جراء تأثير أحد هورمونات الكورتزول وهو التستوستيرون(٢). المرأة تختلف عن الرجل في هذا المضمار لكون إنتاج الهورمون الأخير أقل نسبياً وبالتالي احتمال لجوئها إلى العمل المتهور أقل من الرجل. بعيداً عن العمل المصرفي ترى أن تصرف رجال السياسة المتهور جلب الويلات على شعوبهم، ولكن قلما ترى امرأة في منصب قيادي تصرفت بشكل متهور، ولكن حزمها للأمور كثيراً ما يبدو صائبا في ظروف سياسية واقتصادية صعبة.
يضاف إلى ذلك أن الوظائف العليا في القشرة المخية للمرأة تتميز عن الرجل بأنها أكثر ميلاً للتعاطف(٤)، وإن كان ذلك نتيجة غير مباشرة للوظائف الهرمونية، ولكنه قد يكون عاملاً إضافيا في عدم لجوء المرأة للفعل المتهور تحت الضغوط والإجهاد.
على ضوء ذلك ترى أن وزن المرأة على ميزان السلوك العملي أكثر ثقلاً.
الرجل والمرأة في العالم العربي
أما في العالم العربي الإسلامي إن الحديث عن المساواة بين الرجل والمرأة يصطدم في مسيرته بالشريعة الإسلامية مما يثير الكثير من العواطف والهواجس التي تتعارض أصلاً مع سماحة الدين الإسلامي، ويبدأ الحديث بالتوجه نحو الاستقطاب والحكم بعدم الخوض في هذا الأمر لتعارضه مع نصوص دينية. الحقيقة أن الإسلام في الألفية الأولى من تاريخ الأرض أعطى المرأة حقوقاٍ تعتبر ثورية في ذلك الوقت، ولكنها قواعد وحقوق تم إقرارها في وقتها، أما اليوم فترى هذه التشريعات تختلف كثيراً عما حققته المرأة عالمياً منذ القرن التاسع العشر من الألفية الثانية للعصر الحديث. تسمع بين الحين عن دعوات لمراجعة حقوق الميراث، تعدد الزوجات، الشهادة القانونية، ووصاية الذكر على الأنثى، ولكنها طالما تفقد الزخم المطلوب بعد فترة وجيزة.
لا أحد يمكن أن ينتقد موقع الكثير من النساء في التراث الإسلامي، فالسيدة خديجة (رض) مثال الذكاء والإخلاص والكفاح مع زوجها. كذلك الزهراء (رض) وكفاحها مع الإمام علي (ع). أما السيدة عائشة (رض) فكانت مصدر لكثير من التشريعات في ما يخص الرجل والمرأة. كذلك يمكن الاستنتاج بأن موقع المرأة اجتماعيا في مرحلة صدر الإسلام، عبر متابعة ما دونه صاحب الأغاني، إن مجالس سكينة بنت الحسين (ع) في المدينة المنورة(١) كانت مجالس أدب وفن رفيع على درجة عالية من الرقي إن قورنت بمجالس عصرنا هذا. غير أن التراِث الإسلامي لا يخلو من الأساطير التي ساعدت في تهميش موقع المرأة الاجتماعي مما ورد في النصوص الدينية اليهودية، المسيحية، والإسلامية على حد سواء.
إن الكثير من هذه الأساطير لعبت دورها في تهميش دور المرأة وفرض القيود في مجال الحرية الشخصية تدريجياً، والتي بلغت القمة في العصر الحديث. في السادس والعشرين من أيلول عام ٢٠١١ أعلن العاهل السعودي بأن للمرأة حق التصويت، بل وحتى الترشيح، للانتخابات في المجالس البلدية التي لا تمتلك سلطة تشريعية وتنفيذية وتم الترويج لها إعلاميا من خلال الفضائيات العربية. في اليوم التالي أصدر القضاء السعودي أمراً بإدانة امرأة تقود سيارتها ولم تتأخر هيئة الإذاعة البريطانية بوضعه على رؤوس العناوين حتى باشرت المحطات العربية بعدها بيوم بإعلان العفو الملكي.
في اتجاه آخر نرى بأن الإعلام العربي يحاول دوماً التركيز على إنجازات المرأة العربية المعاصرة. غير أن هذا الإعلام غير مستقل وممول حكوميا مما ساعد في تهميش دور المرأة وربما لم يكن متعمداً في ذلك. على سبيل المثال ترى الإعلام العربي أشار إلى تعيين امرأة قاضية، ولكن الطريقة التي تم فيها إبراز الخبر لم يكن مقنعاً على أقل تقدير ولم تتأخر المواقع الإلكترونية عن بثه شرقاً وغرباً والنيل من الجمهور العربي.
إن التغيرات التي تحدث في العالم العربي هذه الأيام ذات قطبين:
١- القطب أو التيار الغربي الذي ينادي بديمقراطية وحقوق إنسان تم تثبيتها في العشرين سنة الماضية في العالم الغربي والشرقي غير الإسلامي.
٢- القطب أو التيار الإسلامي يحتل موقع الصدارة أحياناً في الثورات العربية وإن لم يكن له دوراً في قيامها.
في نهاية الأمر فإن المجتمع العربي الإسلامي سيواجه مسألة حقوق المرأة وعلاقتها بحقوق الإنسان عالمياً. البعض يقول أن التجربة التركية الحديثة ستساعد في تجاوز هذه المحنة، غير أن البعض قد نسي أن التجربة التركية عمرها بدأ قبل ٩٠ عاماً وبعد قيام دولة علمانية، بل وأشد علمانية من الاتحاد السوفيتي، بدأت تتجه إسلاميا في السنوات القليلة الماضية فقط. ولا يمكن تعميم هذه التجربة، وتقليدها قد يكون مأساوياً إن راجع العالم العربي تاريخه وتفحصه جيداً.
إن على المجتمع العربي تدمير جميع القيود التي تشل من مشاركة المرأة في بناء المجتمع الحديث، فبدونها ليس هناك أمل وعليه المبادرة دون انتظار توصيات أمريكية وأوربية.
المصادر:
(١) الأغاني لأبي فرج الأصفهاني
(٢) آلايكونومست. الأول من تشرين الأول.٢٠١١
(٣) آلايكونومست. ٢٤ أيلول.٢٠١١
(٤) مخ الأنثى مقابل مخ الرجل. علم النفس اليوم. ١٦ آذار ٢٠٠٨
واقرأ أيضاً:
سيكولوجية الرجل/ المجتمع المصري وظاهرة رجل الأسرة الطيب/ عمل الرجل والمرأة