1- ملاحظات سريرية
الشيزوفرانيا هي أهم مرض من الأمراض العقلية أو النفسية. يفضل استعمال هذا المصطلح بدلاً من الفصام لشيوعه عالمياً.
هذا المرض النفسي أشد قسوة من جميع الأمراض النفسية، وفي جميع بلدان العالم يتم قياس مستوى الخدمات الصحية النفسية بمقدار رعايتها لهؤلاء المنكوبين بمرض نفسي لا يزال العلماء يلهثون وراء الجينات التي تتحكم فيه منذ عقود من الزمن. لا عجب أن يقول البعض أن الشيزوفرانيا مقبرة علم الوراثة. لكن الكفاح من أجل العثور على هذه الجينات لم يتوقف إلى يومنا هذا.
هنالك ثلاثة أبعاد طبية سريرية لهذا المرض وهي:
1- الأعراض الإيجابية (أو الموجبة) Positive Symptoms .
2- الأعراض السلبية (أو السالبة) Negative Symptoms .
3- الأعراض المعرفية Cognitive Symptoms .
يتطلب تشخيص هذا المرض وجود أعراض موجبة في مرحلة ما من تاريخ المرض. في غياب هذه الأعراض يكون التشخيص غير معتمد عليه. أما الحديث عن الشيزوفرانيا فهو الحديث عن مرض مزمن، ودون ذلك قد يكون الكلام عن اضطراب حاد مشابه للشيزوفرانيا وليس بالضرورة عن المرض نفسه. من جراء هذا الارتباك في المصطلحات الطبية المرادفة لهذا المرض تراه لا يزال من أكثر الأمراض تحدياً للطبيب النفساني حتى يومنا هذا، وربما هذا الارتباك يفسر تعثر اكتشاف الجينات المسببة لهذا المرض بصورة قاطعة.
يعتمد الطبيب النفسي في يومنا هذا على المعايير المتوفرة في مجلدين:
1- المجلد الرابع المنقح التشخيصي الإحصائي للجمعية الأمريكية للطب النفسي DSMV IV TR. هذا المجلد سيتم استبداله العام القادم بنسخة جديدة، ولكن من غير المتوقع أن يطرأ تغيير كبير على تشخيص المرض نفسه. لا تزال النسخة الجديدة تحت التحضير، ولكن في الوقت الحاضر تتميز هذه المعايير بما يلي:
٠ 6 أشهر من أعراض المرض إذا لم يبدأ العلاج.
٠ تدهور في الأداء الاجتماعي والمهني.
٠ لا وجود لصنف الشيزوفرانيا البسيطة Simple Schizophrenia .
2- التصنيف العالمي العاشر للأمراض (منظمة الصحة العالمية) ICD 10 : يتميز عن الأعلى بما يلي:
٠ شهر واحد لأعراض المرض.
٠ ليس بالضرورة وجود تدهور في الأداء الاجتماعي والمهني.
٠ وجود صنف الشيزوفرانيا البسيطة.
لا يزال الطب النفسي يعتمد على وجود أعراض صنفها الطبيب النفساني كرت شنيادر kurt schneider منذ أكثر من ستين عاماً. إذا تم اكتشاف واحد من هذه الأعراض فهذا كفاية لتشخيص الشيزوفرانيا وهي:
1- سماع الأفكار كصوت(هلوسة) وأحياناً تسمى صدى الأفكار Thought Echo.
2- سماع أصوات تتحاور فيما بينها Voices Heard Arguing .
3- سماع أصوات تعلق على سلوك المريض Running Commentary.
4- الإحساس بسيطرة خارجية على الجسم (التأثرية الجسدية) Somatic Passivity.
5- سحب الأفكار من العقل بقوة خارجية Thought Withdrawal.
6- إذاعة الأفكار وكأن كل فكرة جديدة تدخل العقل تذاع على الآخرين Thought Broadcasting .
7- غرس أفكار خارجية في العقل Thought Insertion .
8- الإدراك الوهامي Delusional Perception وهو أن تدرك شيئا ما في محيطك ومن جراء ذلك يتولد لك وهام Delusion لا علاقة له بالأدراك الأولي. على ضوء ذلك يطلق تعبير ثنائية العضوية Two Memberdness على هذه الظاهرة لتشخيصها بدقة.
9- تجربة المريض بأن الإحساس، الاندفاعات، والأفعال الإرادية هي من جراء فعل قوة خارجية أو أناس آخرين Passivity Experiences .
هذه الأعراض على غاية في الأهمية، فعلى ضوء ذلك لابد من محاولة ترتبيها بصورة أخرى كما يلي:
1- هلوسة سمعية Auditory Hallucinations .
٠ صدى الأفكار.
٠ أصوات تتحاور فيما بينها.
٠ أصوات تعلق على أفعال المريض.
2- الإدراك الوهامي.
3- الأعراض التأثرية.
٠ أعراض تأثرية فكرية ( سحب الأفكار، غرس الأفكار، إذاعة الأفكار).
٠ أعراض تأثرية جسدية.
لابد من الانتباه بأن الأصوات التي يسمعها المريض تتحدث عنه وكأنه شخص ثالث Third Person ، ولكن ذلك لا يعني بأن هناك أصواتا تتحدث عنه وكأنه شخص ثاني Second Person أو تخاطبه أو تأمره مباشرة Command Hallucination هذه الأصوات الأخيرة قد تأمر المريض إلى عمل ما وهنا تكمن خطورتها غير أنها لا تعتبر علامة مميزة للمرض.
إن وجود عرض واحد مما تطرق إليه شنايدر يكفي لتشخيص الشيزوفرانيا لذلك يطلق عليها أعراض الرتبة الأولى First Rank Symptoms وتُحاط هذه الأعراض بإطار مقدس في الطب النفسي، ولا يمكن أن نتصور طالباً في كلية الطب يستحق النجاح إن لم يكن له إلمام بها.
التصنيفات الفرعية للشيزوفرانيا Schizophrenia Subtypes :
لا يعير الكثير في هذه الأيام أهمية لهذه التصنيفات المدونة في الكتب والمجلدات، ولكن يكثر تداول هذه التعابير بين الأطباء النفسانيين دون غيرهم. هناك سبعة فروع وهي:
1- الزورانية Paranoid .
2- المراهقية . Hebephrenic
3- الجاموديةCatatonic .
4- غير متمايزة. Undifferentiated
5- المتبقيةResidual .
6- البسيطة . Simple
7- حالة العجز . Defect State
التشخيص التفريقي
إن تشخيص مرض الشيزوفرانيا عملية تشخيص إيجابية . متى ما تم فحص المريض بصورة علمية فمن النادر أن يخطأ الطبيب في الوصول إلى التشخيص النهائي.
هناك العديد من الأمراض التي تملأ الكتب الطبية حول أمراض تؤدي إلى أعراض مشابهة للشيزوفرانيا. معظم هذه الأمراض نادرة جداً وليس من المعقول محاولة شطب الواحد بعد الآخر لغرض الوصول إلى التشخيص الصحيح. من هذه الأمراض:
1- طبية عامة مثل نقص فيتامين B12 .
2- أمراض عصبية مثل الصرع.
3- معاقرة المواد مثل الأمفيتامين Amphetamine Abuse والإدمان المزمن على الحشيش Chronic Cannabis Abuse .
4- عقاقير طبية وفي يومنا هذا عقار التوبيراميت Topiramate المستعمل للصرع والشقيقة.
5- سموم مثل الزرنيخ والثاليوم.
6- أمراض طب نفسية مثل الثناقطبي.
القاعدة العامة لتشخيص الشيزوفرانيا هي :
1- المسار الطولاني للمرض يتميز بتدهور الأداء الشخصي والمهني.
2- فحص المريض عرضيا يتطلب وجود أعراض ذهانية لا يمكن تفسيرها بالمزاج لأنها غير متماشية معه Mood Incongruent وخاصة أعراض الرتبة الأولى .
قياس الشيزوفرانيا
هناك العديد من الوسائل لقياس المرض والتي تستعمل في مجال البحوث العلمية. يمكن تصنيفها كما يلي:
1- قياسات تشخيصية. واحد من أقدم وأفضل هذه القياسات هو ما يسمى فحص الحالة الحاضرة Present State Examination إن إتقان استعمال هذا القياس للتشخيص يساعد الطبيب النفساني في استيعاب أعراض الأمراض النفسية وكيفية التحري عنها باستعمال أسئلة واضحة وبصورة علمية. هناك قياسات أخرى متعددة تستند على تصنيفات الأمراض النفسية المتعددة.
2- قياسات حدة المرض: هناك العديد منها ولكن أكثرها استعمالا سريرياً لقياس استجابة المريض للعلاج هو جدول تقدير الذهان المختصر (Brief Psychotic Rating Scale (BPRS.
الأعراض السلبية أو السالبة:
تتميز هذه الأعراض بقلة استجابتها للعلاج قياساً بالأعراض الموجبة التي تم تطرق إليها بالتفصيل. كذلك يتم التركيز على هذه الأعراض من أجل تأهيل المريض علاجياً بعد السيطرة على الأعراض الموجبة. هذه الأعراض لا توجد فقط في الشيزوفرانيا، ولكنها أكثر الأعراض تحدياً للعلاج والتأهيل على المدى البعيد. هناك الكثير من المصطلحات التي تستعمل أهمها:
1- تسطح المزاج Affective Flattening .
2- انعدام الإرادة Avolition .
3- قلة الكلام Poverty of Speech .
الاعتلال المعرفي:
تتميز هذه الأعراض بوجودها منذ بداية المرض وتتناسب طردياً مع حصيلة المرض النهائية. لا تزداد هذه الأعراض في حدتها مع الوقت على عكس ما يتصور الكثيرون، ويمكن ملاحظة البعض منها في أقارب المريض. من هذه الأعراض ضعف في التركيز والذاكرة وحدة الذكاء. لا تستجيب للعلاج بصورة كاملة وسيتم تناولها بصورة مفصلة لاحقاً.
الهلوسة
بالإضافة إلى الهلوسة السمعية هناك أنواع أخرى تتناول جميع حواس الإنسان والتي يمكن مشاهدتها في المرض وخاصة في المراحل المتأخرة منها:
1- بصرية Visual .
2- ذوقية Gustatory .
3- شمية Olfactory .
4- لمسية Tactile.
الوهامات (أو الضلالات) Delusions:
تتميز الوهامات في المرض بكونها:
1- غريبة وعجيبة Bizzare .
2- عدم مطابقتها للمزاج.
يمكن تصنيف تجارب التأثرية بأنها أوهام السيطرة على الأفكار والوظائف الجسدية.
اضطراب التفكير الشكليFormal Thought Disorder
رغم أن هذه الأعراض لا يتم الاعتماد عليها لتشخيص المرض ولكنها من أهم الأعراض التي ترشد الطبيب لتشخيص الشيزوفرانيا والتحري عن أعراض المرتبة الأولى. عند سماع حديث المريض يتميز الكلام بما يلي:
1- الغموض Vagueness .
2- الخروج عن خط الحديث Derailment .
3- تفكك الارتباطLoosening of Association .
هناك العديد من المصطلحات المستعملة ولكن يمكن اختزالها والاكتفاء بالمصطلحات الثلاثة أعلاه.
الاكتئاب
يعاني كثيرون من المصابين بالشيزوفرانيا من أعراض اكتئاب وترى العقاقير المضادة للاكتئاب توصف لهم. تتراوح نسبة الاكتئاب بين 10% في الراقدين في المستشفى إلى 50% من المرضى الموجودين في المجتمع. أما تعبير الاكتئاب ما بعد النوبة الذهانية Post- psychotic Depression فهو لا معنى له ولا يجوز استعماله. يكثر الاكتئاب في المرضى الذي يعانون من الشك ووهامات الشك، وجود إدراك حول طبيعة المرض، والإدمان على الكحول والمخدرات.
على ضوء ذلك ترى أن ما لا يقل عن 10% من مرضى الشيزوفرانيا ينتحرون في نهاية الأمر وبطرق مثل الشنق والطعن. ومحاولات الانتحار تتراوح نسبتها بين 20-50% وتعطي إنذاراً للطبيب النفساني لاتخاذ جميع الوسائل الممكنة لمساعدة المريض اجتماعياً وصحياً. يكثر الانتحار في الذكور، بداية المرض في عمر مبكر، الإدمان، العزلة الاجتماعية، وعدم السيطرة على المرض طبياً.
السلوك المتكرر Repetitive Behavior :
يكثر مشاهدته في الشيزوفرانيا مثل:
1- العقعقة ( البيكا Pica ): أكل مواد غير غذائية.
2- العطاش Polydipsia : شرب كميات هائلة من السوائل.
3- الاكتناز Hoarding .
4- سلوك الشره Bulimic Behavior .
معاقرة المواد Substance Abuse :
يكثر هذا الاضطراب في الشيزوفرانيا ويُلاحظ فيما يقارب 50% من المرضى. يبدأ الجدال إن كانت المواد الكيمائية السبب الأول والأخير للمرض. ترى أقارب المريض يفضلون لوم المواد في ظهور المرض ولكن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك وسيتم التطرق إليه بالتفصيل في مقالات لاحقة.
الحركات المختلة غير الإرادية Involuntary Dyskinetic Movements
يكثر ظهورها بسبب المرض والعلاج ويمكن مشاهدتها في الأطراف والوجه. تظهر في 4% من المرضى عند التشخيص وتزداد نسبتها سنوياً لتصل إلى 40% بعد عمر الستين عاماً. هناك علاقة بين علاج المرض وهذه الحركات أيضاً وسيتم تناولها بالتفصيل في مقالات أخرى.
أعراض الوسواس القهري:
تتراوح نسبتها بين 15 – 25 % من المرضى.
نوبات الهلع Panic Attacks :
تظهر في ما يقارب 25 – 40% المرضى وكذلك في أقارب المريض.
العنف والشيزوفرانيا:
في معظم الحالات ترى هؤلاء المساكين ضحايا اعتداء الناس عليهم لكن إن حدث واعتدى أحد منهم على شخص ما من عامة الناس تبدأ الصحف بالحديث عن خطورة المرضى المجانين على عامة الناس ويبدأ رجال السياسة بسن التشريع بعد الآخر لإجبار المرضى على العلاج قانونياً. ربما هناك زيادة طفيفة في اللجوء إلى العنف في الشيزوفرانيا ولكنه يقل بوضوح مع العلاج وتوفر الخدمات.
الأمراض الطبية في الشيزوفرانيا:
يتعرض المرضى لأنواع متعددة من الأمراض الطبية من جراء الإهمال الاجتماعي وعدم توفر الخدمات الاجتماعية والصحية لهم. غير أن هناك مرضا واحدا يقل ظهوره عند هؤلاء المرضى بصورة ملحوظة وهو التهاب المفاصل الروماتيدي Rheumatoid Arthritis .
واقرأ أيضاً:
مقالات عن الفصام والوهام / الفصام والوهام Schizophrenias & delusions