يتعرض التيار الإسلامي لزلزال عنيف في هذه الفترة بسبب الأحداث السياسية في مصر وبقية دول الربيع العربي على وجه الخصوص, وقد يقوم المنتمون لهذا التيار بإسقاط الأمر على القوى والتيارات المناوئة لهم فلا يستفيدون من هذه الأزمة ولا يغيرون الوضع القائم, ولهذا نقترح محاولة التأمل الذاتي والنقد الذاتي فهي أجدى في التغيير بناءا على قاعدة "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم", وهذا لا ينفي مسئولية الآخر عن الأزمة, ولكنه يعلي من مسئولية المأزوم في العمل على الخروج من أزمته, وهذا ما يسمى في علم النفس بوجهة الضبط الداخلية وهي دليل على النضج الفردي والاجتماعي, كما أن التغيير يكون أسهل في وقت الأزمات (مثل تشكيل الحديد وهو ساخن). وفيما يلي بعض النقاط المقترحة لتغيير استراتيجيات العمل الإسلامي بناءا على قراءة تاريخية ونفسية لسلوك ذلك التيار عبر سنوات ممتدة:
1- الابتعاد عن السرية في العمل مهما كانت المبررات, وذلك لمحو صورة الجماعة السرية التي يكتنفها الغموض وتحيط بها الشبهات وترتبط تاريخيا بقابلية اللجوء للعنف أو إفراز مجموعات تنتهج العنف.
2- التفرقة بين الدين كمعتقد وغاية وبين التنظيم كوسيلة, ولا يجوز إعطاء التنظيم نفس قداسة الدين, أو استخدام الدين كوسيلة للحشد من أجل مصلحة التنظيم وتقويته أو الحفاظ على بقائه. فالدين مقدس بحكم انتسابه لله مباشرة ولكن التنظيم اجتهاد بشري يجوز بل يجب نقده وتطويره طول الوقت حتى لا ينحرف عن الطريق. ويجب الحذر من أن يتحول التنظيم إلى صنم يعبد أو إلى أيقونة مقدسة لا يتم الدين إلا به في نظر القادة والأتباع, أو أن يتحول التنظيم إلى حالة من النرجسية الجماعية التي تتضخم معها ذات القادة والأتباع والذات الاعتبارية للتنظيم فينتج عن ذلك حالة من فقد القدرة على الرؤية الصحيحة للأشخاص والأحداث.
3- الحذر من فكرة الإمام المعصوم أو المرشد الحجة ذو العلم المحيط الذي يطيعه الأتباع طاعة مطلقة ويسلمون لحكمته ومعرفته دون تمحيص ومساءلة ومحاسبة وتغيير.
4- تشجيع النقد الذاتي للسلوك الفردي والسلوك الجماعي داخل الجمعيات والجماعات والمجموعات لأنه هو الضمانة والمناعة ضد دكتاتورية القيادة وخطأ الحسابات, أو تحول الأتباع إلى قطيع لا يفعل شيئا سوى السمع والطاعة.
5- مراعاة التوازن بين ذات القائد وذات التابع فلا تتضخم ذات الأول بينما تنسحق ذات الثاني فتتشكل علاقة غير سوية تتسم بالتسيد والسادية من طرف والخضوع والماسوشية من طرف آخر.
6- كسر العزلة وتشجيع الانفتاح والتواصل مع المحيط المجتمعي العام بحيث ينفتح التيار الإسلامي على بقية الأحزاب والقوى والتيارات المختلفة في المجتمع.
7- تغيير الصورة الذهنية التي تكونت عبر الأحداث من كون التيار الإسلامي تيار رجعي منغلق سري متخلف ميّال للعنف ومعاد للوطنية والانتماء وطامح للسلطة وطامع فيها وفي نفس الوقت غير قادر على الإدارة حين توكل إليه المسئولية. وتغيير الصورة الذهنية لا يتم بمقالات أو دراسات أو برامج تليفزيونية وإنما يتم بتغيير حقيقي في بنية التيار الإسلامي وفي مخرجاته السلوكية.
8- الكف عن تصوير الصراع السياسي بمفردات دينية "حق وباطل", والكف عن ثنائية "إما حاكم وإما سجين", والكف عن الاعتقاد بأن كل حاكم هو سلطان جائر يستحق أن تقال في وجهه كلمة الحق لينال قائلها الشهادة. إن هذه التصورات تضع التيار الإسلامي في حالة صدام متكرر ليس فقط مع الحكام ولكن أيضا مع المجتمع الذي رفض استخدام المصطلحات الدينية في توصيف الصراع الحزبي أو السياسي.
9- التحول من مفهوم التدين الصراعي القائم على فكرة المؤامرة والعنف المتبادل, إلى مفهوم التدين السلمي الذي يسعى لخير الجميع بعيدا عن الرغبة في التسلط أو التحكم وبعيدا عن شهوة السلطة وإغواء النفوذ.
10- تبني النموذج الحضاري للدعوة الدينية والذي يضع في الحسبان ثوابت الدين ويحترم في ذات الوقت عناصر الزمان والمكان وتغيرات العصر واحتياجات البشر وقدرة الدين على التعامل المرن مع تلك الاحتياجات, مع توظيف القدرات الإبداعية لدى البشر في تطوير الحياة وعمارة الأرض سعيا لوجه الله.
11- احترام مبدأ الشورى وآليات الديموقراطية الحديثة, وما ينشأ عنها من مبادئ المساواة والحرية والتعددية وتداول السلطة والمشاركة في الرؤى والحكم.
12- الاعتراف الحقيقي بالآخر (المخالف في الدين أو التوجه الفكري أو السياسي) والقدرة على التفاعل والتعاون معه وعدم التفكير في إقصائه أو حتى تسفيه معتقداته أو رؤاه.
13- إعطاء أولوية كبيرة للأنشطة الدعوية والتربوية والتنموية لصالح كل طوائف المجتمع وتياراته وأفراده دون تمييز.
14- البعد عن المشاركة السياسية المباشرة على مستوى الجماعات أو الجمعيات الدينية حتى لا يزج بها في أتون الصراعات السياسية, وإذا أراد أحد المنتمين لتلك الجمعيات أو الجماعات التقدم للعمل السياسي القيادي فعليه أن يفعل ذلك منفردا أو منتميا لحزب سياسي وأن يستقيل من تلك الجمعية أو الجماعة حتى يبتعد العمل الدعوي والخيري عن شبهة استغلال الدين أو توظيفه في تحقيق مكاسب سياسية.
15- الانتقال من طريقة حشد ودفع الجماهير بناءا على استمالات عاطفية وشعارات عامة إلى تربية هذه الجماهير على التفكير النقدي والموضوعي والإبداعي السليم.
16- تشجيع روح المبادرة والمسئولية الفردية حتى تتقلص مساحة الطاعة العمياء والتسليم للقيادة كقطيع لا يفقه ولا يسأل ولا يعترض.
17- الكف عن الاستعلاء السياسي أو الاستعلاء الإيماني حين التعامل مع بقية التيارات أو الأفراد.
18- التنبه لحالة الإنكار الشديدة التي اتسمت بها رؤية التيار الإسلامي للأحداث مما نتج عنه قرارات خاطئة أدت إلى نتائج كارثية.
19- اكتساب الشجاعة والقدرة على المراجعة والاعتذار حين الوقوع في الخطأ, والقدرة على تغيير الخطط والإستراتيجيات حسب ما تستدعيه المواقف والأحداث.
20- الكف عن محاولة فرض مشروع عقائدي أو فكري على الناس بينما هم لا يتفهمونه أو لا يرغبونه أو لا يتحمسون له, فالله سبحانه وتعالى لم يشأ أن يفرض دينه الحق على البشر فكيف ببشر يريدون أن يفرضوا رؤيتهم الدينية على الناس, فالقاعدة هنا "ما عليك إلا البلاغ".
21- التوقف عن استدعاء المحن والمظلوميات بسلوك تصادمي يجعل المنتمين للتيار الإسلامي يعيشون حالة كربلائية طوال السنين في تعاملهم مع أنظمة الحكم المختلفة بل ومع الناس, ويعرضهم طول الوقت للسجن والتنكيل والتعذيب والقتل بينما هم لا يستفيدون من التجربة ويكتفون بالقول بأنهم أصحاب رسالة, وكل صاحب رسالة لابد وأن يناله الأذى, فهذا القول وإن كان فيه شيء من الحقيقة إلا أنه يحول دون التفكير في المراجعة والتصحيح, ويجعل النكبات والمحن سلوكا نمطيا متكررا بلا نهاية وبلا فائدة ويخلف في النفوس حالة من الماسوشية (استعذاب الألم).
22- الانتباه إلى حالة العزلة الشعورية والتي تؤدي إلى إغلاق منافذ الوعي لدى المنتمين للتيار الإسلامي فلا يتلقون شيئا إلا من قادتهم وزعمائهم ومشايخهم فبهذا ينفصلون واقعيا عن الحياة ويكتفون بتغذية عقلية ووجدانية أحادية, ولا يتمكن دعاة الإصلاح من الوصول إلى وعيهم نظرا لتحصين ذلك الوعي بواسطة القادة والزعماء والمشايخ الذين حذروهم كثيرا من السماع لغير صوتهم.
واقرأ أيضاً:
التيار الإسلامي الجريح / إسلامية بالشطة، أو علمانية بالسم الهاري!! / الحالة النفسية للإسلاميين