يعرف الطفل طبقا للقانون بأنه كل إنسان لم يبلغ الثامنة عشر من عمره، أما في علم النفس فتنقسم الطفولة إلى مرحلتين: الطفولة المبكرة وتبدأ من سنتين إلى ست سنوات، والطفولة المتأخرة تبدأ من ست سنوات إلى اثني عشرة سنة.
ويعرف الإعلام بأنه تزويد الناس بالأخبار والمعلومات والحقائق التي تساعدهم على تكوين رأي صائب في واقعة من الوقائع أو مشكلة من المشاكل، بحيث يعتبر هذا الرأي تعبيرا موضوعيا عن عقلية الجماهير واتجاهاتهم وميولهم. أما وسائل الإعلام فهي مجموعة الأدوات التي تنقل الرسالة الإعلامية من خلال الاتصال الجماعي بالناس مثل الصحافة والإذاعة والتليفزيون ووكالات الأنباء والإنترنت وغيرها.
ومن ضمن حقوق الطفل حقه في المعرفة من خلال مصادر متنوعة ومنها الإعلام حيث تؤكد المادة 17 في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل على "الوظيفة المهمة التي تؤديها وسائل الإعلام وتضمن إمكانية حصول الطفل على المعلومات والمواد من شتى المصادر الوطنية والدولية". وإن حق الطفل في الحصول على المعلومات والترفيه والمشاركة يرتبط بحقه في الحماية المنصوص عليها بالمادة 19 من الاتفاقية. والعنف وتزييف الحقائق هي من الرسائل الإعلامية الضارة التي يتعرض لها الطفل.
ويمثل الإعلام أحد المؤسسات التربوية بالنسبة للطفل إضافة للبيت والمدرسة والمؤسسات الدينية، وربما يسبق الإعلام بقية المؤسسات من حيث تأثيره وجاذبيته للطفل وخاصة التليفزيون والإنترنت، حيث يقضي الطفل أمامهما أوقات طويلة ويستقبل رسائلهما بقبول نظرا لما يتمتعا به من جاذبية وإبهار تفتقدهما المؤسسات التربوية الأخرى.
وقد يكون للإعلام تأثيرا إيجابيا على الطفل نظرا لكونه وسيلة ترفيهية مبهرة، ووسيلة جذابة (غير وعظية) لتثقيف الطفل وإمداده بالمعلومات السياسية والاجتماعية والدينية والفنية، ووسيط تربوي لطيف ومقبول لبث القيم وتغيير الاتجاهات بما ينعكس على الأنماط السلوكية للطفل، كما يساهم في تنمية التفكير النقدي، وربط الطفل بالسياق العام للمجتمع المحلي (وربما الإنساني) والأهداف القومية (أو الإنسانية) الكبرى
أما التأثير السلبي للإعلام على الطفل فقد يحدث نتيجة إعطاء معلومات مغلوطة أو مجتزئة أو أحادية أو مشوهة بما يؤدي إلى تركيبة معرفية مضطربة لدى الطفل، أو تسريب رسائل تربوية سلبية من خلال نماذج سلوكية مضطربة كالفهلوة والكذب والاحتيال والتحايل على القانون، أو بث رسائل عنف تغري الطفل أن يسلك سلوكا عنيفا (لفظا أو فعلا)، أو استلاب الوعي من خلال وسائل الإيحاء القوية وعوامل الإبهار الفني بما يؤدي إلى تعطيل العقل النقدي، أو إعطاء رسالة أحادية تستقطب الطفل في جانب وتجعله متصارعا مع الجانب الآخر في المجتمع، أو استنزاف معظم وقت وطاقة الطفل بما يجعله غير قادر على المشاركة في أنشطة أخرى لها أهمية في حياته.
وهناك عوامل محددة تؤثر في ترجيح إيجابية أو سلبية تأثير الرسالة الإعلامية على الطفل نذكر منها: عمر الطفل، وسماته الشخصية، والساعات التي يقضيها أمام الوسيلة الإعلامية، وهل يجلس منفردا أم بصحبة أحد الكبار؟، وهل تتح له فرصة مناقشة ما يسمعه وما يراه مع أفراد أسرته؟، وهل لديه مصادر أخرى للمعرفة الأكثر ثبوتا؟، وما هي نوعية الرسالة الإعلامية التي يتعرض لها ومدى حياديتها أو انحيازها؟
والآن نستعرض السمات العامة للتغطية الإعلامية للأحداث في مصر بعد الثورة لنستكشف مدى تأثيرها النفسي على الأطفال:
المبالغة والتضخيم (في المدح أو الذم، في حجم المظاهرات والاعتصامات)، الصخب والصوت المرتفع، الاستثارة العالية والجاهزية للاشتباك، الخلط بين الثورية والعدوانية، خطاب الكراهية وشيطنة الآخر، دعوات التخوين والتكفير والنبذ والإقصاء، التمييز العنصري (على أساس سياسي أو ديني)، محاولة حجب الصوت الآخر (أو حجبه فعلا).
الإعلام الأعور، التحريض وتوسيع الفجوة بين أطراف الصراع السياسي (الثوار والإخوان والسلطة)، التركيز على مشاهد العنف والعنف المضاد، إثارة حالة من الخوف والقلق والتوجس لدى المشاهد، الكثافة العالية لتغطية الأحداث السياسية على حساب البرامج التثقيفية والترفيهية والعلمية والاجتماعية، التقلبات الشديدة والسريعة في السياسات والتوجهات الإعلامية، تسلل الكثير من الإشاعات والأخبار والمعلومات الكاذبة أو الناقصة أو المشوهة، الإلحاح على فكرة (أو أفكار) بعينها لزرعها في وعي المشاهد بصرف النظر عن مصداقيتها وأصالتها.
تأثير التغطية الإعلامية سالفة الذكر على الأطفال:
۰ كثرة مشاهد العنف تؤدي إلى: الخوف (حيث يعتقد الطفل أن الأحداث قريبة منه)، القلق، فقدان الثقة بالمحيطين به، كثرة الاستجابات العدوانية. والخوف والقلق يكثران في الفتيات بينما يكثر السلوك العدواني لدى الأطفال الذكور.
۰ الاستقطاب المجتمعي وخطابات الكراهية والعنصرية: كل هذا وضع الأطفال في حالة حيرة وارتباك وانشقاق خاصة لو أصابت هذه الآفات العائلة الواحدة. وتصبح هناك تساؤلات للأطفال يصعب الإجابة عليها، وتترسخ في نفوسهم الكراهية والرفض لشركائهم في البيت أو الشارع أو الوطن
۰ الحرمان من الترفيه والتثقيف والمتعة والراحة والسلام والأمان
۰ تكوين افتراضات أساسية غير سوية لدى الطفل مثل: الحياة غير آمنة، الإنسان غير مصون، الآخرون أعداء، العنف هو الطريق الوحيد للحصول على الحقوق، الاحتشاد في الشوارع والميادين يفرض الرأي على الجميع.
ونختتم هذه الدراسة بالسؤال الأهم: كيف نحمي الطفل من الآثار السلبية للتغطية الإعلامية:
۰ دور الأسرة :
- مساعدة الطفل في اختيار المادة الإعلامية الجيدة والمناسبة لمرحلته العمرية
- تحديد المساحة الزمنية المناسبة للمشاهدة (ساعة إلى ساعتين يوميا)
- مشاركة الطفل في جزء من المشاهدة بواسطة أحد الأبوين
- تنمية قدرات الطفل على التعامل الانتقائي والنقدي والإيجابي لما يشاهده
- إتاحة التعامل مع وسائل إعلامية متعددة حتى لا يتشكل وعيه من رسالة أحادية
- مراعاة التوازن بين المواد الإعلامية: ترفيهية، تعليمية، ثقافية، فنية، دينية، سياسية، .... الخ .
۰ دور وسائل الإعلام:
- الالتزام بالاستقلالية والحيادية والمهنية في تغطية الأحداث
- الالتزام بميثاق الشرف الأخلاقي لممارسة المهنة
- التنبيه مسبقا بما يخص المواد الإعلامية التي لا تناسب الأطفال كمشاهد العنف والعلاقات الجنسية من خلال إشارة "للكبار فقط"
- تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الطفل أو الإساءة إليه أو استغلاله
- الحذر من غواية الإثارة ومحاولة جذب المشاهد بكل ما هو غريب وشاذ
- تحري الموضوعية والحيادية (قدر الإمكان) وتنمية قدرة التفكير النقدي لدى المشاهد وإعطائه الفرصة لتكوين رأيه الخاص دون وصاية من الوسيلة الإعلامية
- التخلي عن دور الحشد المعنوي والحرب النفسية لحساب طرف ضد طرف لأن هذا يخل بوظيفة الإعلام وبالسلام المجتمعي
- عمل برامج توعوية سياسية خاصة بالطفل تراعي ظروفه واحتياجاته
- المحاسبة المهنية لأي وسيلة إعلام تنشر إشاعات أو أخبار كاذبة أو تروج للعنف أو تثير الفزع أو تستخدم خطاب الكراهية والعنصرية
- إتاحة الفرصة للأطفال لتقديم برامج تعبر عن وجهة نظرهم في الأحداث
- إعلاء قيم المواطنة والوطنية والانتماء والتوافق والتصالح وذلك للوصول إلى حالة وئام مجتمعي رغم الأحداث المأساوية
۰ دور المجتمع :
- وضع ميثاق شرف للإعلام يحد من جنوح الرسالة الإعلامية أو انحرافها عن المصداقية والمهنية
- سن القوانين التي تحمي الطفل من أي مادة إعلامية ضارة أو مهددة لسلامة الطفل
- تهيئة وسائل إعلامية للطفل تناسب ظروفه واحتياجاته
واقرأ أيضاً:
جودة حياة الطفل المصري خلال الاضطرابات / اضطراب السلوك (التصرف) Conduct Disorder / الحالة النفسية للطفل مجهول النسب