تنهى عن الفحشاء والمنكر - 3
تنهى الصلاة، والقرآن الكريم، وذكر الله عموما عن الفحشاء والمنكر عن طريق السكينة التي تبثها إقامة الصلاة، وتلاوة القرآن في النفس المؤمنة. فالقلق النفسي -وبخاصة الخوف من الفقر والحرمان -قد يولّد في النفس حالة من السخط والإحباط، تبحث عن هدف لها، تنفّس من خلاله عن غيظها وسخطها. والمؤمن لا ترضى نفسه أن يتوجّه سخطه إلى الله تعالى، وهو الرزاق فتزيح نفسه هذا السخط، وما يرافقه من عداء باتجاه البشر الآخرين.
ومشاعر العداء تدفع إلى الفاحشة سواء كانت بين رجل وامرأة، أو كانت شاذة بين رجل ورجل، أو بين امرأة وامرأة. وكون العداوة دافعاً للجنس أحياناً، وبالتالي كون الممارسة الجنسية الطبيعية (المحرمة) أو الشاذة فعلاً عدوانياً هو من المكتشفات الحديثة في علم النفس، لكن القرآن الكريم أشار إليها في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ{5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ{6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ{7}} (المؤمنون:5-7).
وكذلك في قول لوط- عليه السلام – لقومه: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ{165} وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ{166}} (الشعراء :165-166). ولعل هذا يفسر لنا ورود تخويف الشيطان لنا من الفقر وبثّه للقلق في نفوسنا قبل أمره لنا بالفحشاء، ثم ترافق المغفرة من الله مع الفضل والرزق في قوله تعالى: { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{268}} (البقرة:268).
فالشيطان يمهد لوساوسه الطريق بإثارة القلق والخوف في نفس المؤمن؛ لذا كان التوكل على الله حصناً يحمي المؤمن من الشيطان، وتأمل قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ{98} إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{99} إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ{100}} (النحل: 98-100) .
وعلى ما يبدو فقد قام الشيطان بإثارة القلق والخوف من المستقبل لدى سيدنا آدم، ليجعله قابلاً لتأثيره وغوايته، فهو عندما زيّن له الأكل من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها قال له ولزوجه: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ{20}} (الاعراف: 20).{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى{120}} (طه : 120) .
وطلب المتعة والإفراط فيها والشهوة في الامتلاك المادي أو الرمزي (كما في المعاشرة الجنسية) قد يكون نتيجة لمشاعر الإحباط والحرمان، فيكون هذا الامتلاك بمثابة تعويض عما يتصوّر الإنسان أنه قد حرم منه، وبهذه الطريقة يمكن للفقر والحرمان والخشية منهما في المستقبل أن تولّد داعياً نفسياً ينضاف إلى العداوة والعدوان الناتجين من مشاعر السخط وعدم الرضا، بسبب الحرمان الواقع أو المتوقع، فيعمل الشيطان من خلال هذه المشاعر النفسية التي تفقد النفس سكينتها، ويمارس تزيينه للإنسان ليوقعه في الفاحشة، ومعصية الله.
والصلاة وتلاوة القرآن تعيدان للنفس المؤمنة اطمئنانها وسكينتها، وتوكلها على الله، فالصلاة حمد وثناء وإعلان للرضا عن الله تعالى يعارض أية مشاعر إحباط وسخط.
كما أن القرآن الذي يتلوه المؤمن في الصلاة وخارجها يعالج كل أنواع القلق الإنساني، فتطمئن نفسه وتسكن: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{28}} (الرعد: 28) .
والصلاة بما فيها من أفعال وأقوال تعطي المؤمن الشعور بالإنجاز وأنه قد فعل شيئا ذا معنى، وذا بقاء، وهي بذلك تعالج واحداً من أهم أسباب القلق الإنساني، وهو: الإحساس باللامعنى، وبخلوّ حياته من الإنجاز. وكلما أوصدنا في أنفسنا باباً للقلق أوصدنا باباً في وجه الشيطان الذي ليس له سلطان على النفس المؤمنة المتوكلة على الله.
ومن جهة أخرى فإن الصلاة، وتلاوة القرآن، الأولى مناجاة لله تعالى، والثانية قراءة، واستماع لكلماته وخطابه، ورسالته لنا.. إنه حوار مع خالق الكون، مع الودود، القوي، الحاضر معنا يسمع ويرى، مع الذي يبادلنا حبّنا له بحب أكبر منه.. مع الذي يراعي مشاعرنا ويرحمنا رغم ضآلتنا وعظمته.
إنه مع هذا الحوار المتجدد كل يوم، وفي معية هذا الرب الرحيم، لا يبقى لدى الإنسان إحساس بالعزلة والوحشة في هذا الوجود، ويوصد باب كبير من أبواب القلق النفسي الذي تنبّه إليه الوجوديون، فأصرّ الملحد منهم على أنه لا حل له إلا بالحب بين البشر، أما المؤمن منهم فإنه رأى في الإيمان والحب حلّين ينعم بهما المؤمن، فلا يدخل القلق إلى نفسه من هذا الباب أبداً. وبهذا يكون في الصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله عموماً حماية للمؤمن من تزيينات الشيطان، ونهياً له عن الفحشاء والمنكر، ومصدراً للسعادة في الدنيا قبل الآخرة.
واقرأ أيضاً:
بصائر نفسية إسلامية (4) / أسس النظرية النفسية الإسلامية الأولى4 / منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري
تنهى الصلاة، والقرآن الكريم، وذكر الله عموما عن الفحشاء والمنكر عن طريق السكينة التي تبثها إقامة الصلاة، وتلاوة القرآن في النفس المؤمنة. فالقلق النفسي -وبخاصة الخوف من الفقر والحرمان -قد يولّد في النفس حالة من السخط والإحباط، تبحث عن هدف لها، تنفّس من خلاله عن غيظها وسخطها. والمؤمن لا ترضى نفسه أن يتوجّه سخطه إلى الله تعالى، وهو الرزاق فتزيح نفسه هذا السخط، وما يرافقه من عداء باتجاه البشر الآخرين.
ومشاعر العداء تدفع إلى الفاحشة سواء كانت بين رجل وامرأة، أو كانت شاذة بين رجل ورجل، أو بين امرأة وامرأة. وكون العداوة دافعاً للجنس أحياناً، وبالتالي كون الممارسة الجنسية الطبيعية (المحرمة) أو الشاذة فعلاً عدوانياً هو من المكتشفات الحديثة في علم النفس، لكن القرآن الكريم أشار إليها في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ{5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ{6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ{7}} (المؤمنون:5-7).
وكذلك في قول لوط- عليه السلام – لقومه: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ{165} وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ{166}} (الشعراء :165-166). ولعل هذا يفسر لنا ورود تخويف الشيطان لنا من الفقر وبثّه للقلق في نفوسنا قبل أمره لنا بالفحشاء، ثم ترافق المغفرة من الله مع الفضل والرزق في قوله تعالى: { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{268}} (البقرة:268).
فالشيطان يمهد لوساوسه الطريق بإثارة القلق والخوف في نفس المؤمن؛ لذا كان التوكل على الله حصناً يحمي المؤمن من الشيطان، وتأمل قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ{98} إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{99} إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ{100}} (النحل: 98-100) .
وعلى ما يبدو فقد قام الشيطان بإثارة القلق والخوف من المستقبل لدى سيدنا آدم، ليجعله قابلاً لتأثيره وغوايته، فهو عندما زيّن له الأكل من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها قال له ولزوجه: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ{20}} (الاعراف: 20).{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى{120}} (طه : 120) .
وطلب المتعة والإفراط فيها والشهوة في الامتلاك المادي أو الرمزي (كما في المعاشرة الجنسية) قد يكون نتيجة لمشاعر الإحباط والحرمان، فيكون هذا الامتلاك بمثابة تعويض عما يتصوّر الإنسان أنه قد حرم منه، وبهذه الطريقة يمكن للفقر والحرمان والخشية منهما في المستقبل أن تولّد داعياً نفسياً ينضاف إلى العداوة والعدوان الناتجين من مشاعر السخط وعدم الرضا، بسبب الحرمان الواقع أو المتوقع، فيعمل الشيطان من خلال هذه المشاعر النفسية التي تفقد النفس سكينتها، ويمارس تزيينه للإنسان ليوقعه في الفاحشة، ومعصية الله.
والصلاة وتلاوة القرآن تعيدان للنفس المؤمنة اطمئنانها وسكينتها، وتوكلها على الله، فالصلاة حمد وثناء وإعلان للرضا عن الله تعالى يعارض أية مشاعر إحباط وسخط.
كما أن القرآن الذي يتلوه المؤمن في الصلاة وخارجها يعالج كل أنواع القلق الإنساني، فتطمئن نفسه وتسكن: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{28}} (الرعد: 28) .
والصلاة بما فيها من أفعال وأقوال تعطي المؤمن الشعور بالإنجاز وأنه قد فعل شيئا ذا معنى، وذا بقاء، وهي بذلك تعالج واحداً من أهم أسباب القلق الإنساني، وهو: الإحساس باللامعنى، وبخلوّ حياته من الإنجاز. وكلما أوصدنا في أنفسنا باباً للقلق أوصدنا باباً في وجه الشيطان الذي ليس له سلطان على النفس المؤمنة المتوكلة على الله.
ومن جهة أخرى فإن الصلاة، وتلاوة القرآن، الأولى مناجاة لله تعالى، والثانية قراءة، واستماع لكلماته وخطابه، ورسالته لنا.. إنه حوار مع خالق الكون، مع الودود، القوي، الحاضر معنا يسمع ويرى، مع الذي يبادلنا حبّنا له بحب أكبر منه.. مع الذي يراعي مشاعرنا ويرحمنا رغم ضآلتنا وعظمته.
إنه مع هذا الحوار المتجدد كل يوم، وفي معية هذا الرب الرحيم، لا يبقى لدى الإنسان إحساس بالعزلة والوحشة في هذا الوجود، ويوصد باب كبير من أبواب القلق النفسي الذي تنبّه إليه الوجوديون، فأصرّ الملحد منهم على أنه لا حل له إلا بالحب بين البشر، أما المؤمن منهم فإنه رأى في الإيمان والحب حلّين ينعم بهما المؤمن، فلا يدخل القلق إلى نفسه من هذا الباب أبداً. وبهذا يكون في الصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله عموماً حماية للمؤمن من تزيينات الشيطان، ونهياً له عن الفحشاء والمنكر، ومصدراً للسعادة في الدنيا قبل الآخرة.
واقرأ أيضاً:
بصائر نفسية إسلامية (4) / أسس النظرية النفسية الإسلامية الأولى4 / منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري