أدعوكم إلى ثقافة الروح والقلب!!
كم هو قاس أن يكون المخلوق إنسانا .. يستقصي الحقيقة، يستنطق الحق، يسعى إلى الخير وينشد الجمال بحثا عن السعادة .. ولأنها ليست دائما طوع أيدينا بحيث تقول لنا ها أنذا!! يبقي دائما حدسنا أو قل إحساسنا بها غائبا إلى حد بعيد. ولكن .. وفي عاطفة كالحب .. ذلك الساحر، خالق المعجزات القادر الوحيد على أن يولد في نفس الإنسان أحلاما لا تمت بصلة إلى الواقع أو إلى منطق الحياة. إلا أن هذا أبدا لم يحمه من الموت .. إنها المفارقة بين لحظة البدء حيث القلوب تلتقي والخيالات تختلط، وبين لحظة النهاية حيث الأفكار تفند والمنطق يدفع بنا نحو نتائج تبدو طبيعية عن مقدماتها.
فهل تتحطم أحلام المحبين على شفا عقولهم؟ وما معنى السعادة في الحب؟ أن يكلل بالزواج أم أن يعيش ويبقى في قلوب أصحابه بعيدا عن تعقيدات تلك العلاقة (الزواج)؟ وما معنى أن يعيش ويبقى دون أن يكلل بعلاقة رسمية مشروعة؟ وكيف تتحول هذه العلاقة أو قل هذه الوسيلة التي يظل المحبين متمسكين بها لإنقاذ حبهما من الضياع إلى نوافذ يطير منها الحب إلى غير رجعة؟ وإذا كانت علاقة الزواج قد ارتبطت بالحب فلماذا يعيش زواج بدون حب ويعيش حب بدون زواج؟ وإذا كانت درجة إدراك العقول تقاس بما تشمله من خبرات وثقافات فهل للروح والنفس والقلب ثقافة؟ وعلى أي أساس ترتقي أو تتدنى ثقافة القلب؟ وعليه هل يصح القول بأن هناك قلوبا أزكى وأذكى من عقول أصحابها؟
كم هو قاس أن يكون المخلوق إنسانا قد يؤمن بالمبدأ الميكافيلي الشهير (الغاية تبرر الوسيلة) ويقف حائرا عاجزا عن التفرقة بين الغايات ووسائلها، فعندما يختلف على نفسه وتتحول المعاني إلى نقيضها وتسترسل الأحلام في غير اتجاهها الأصلي .. يتبدد حلم الارتباط بالحبيب تحت وطأة مباديء الواقعية والنفعية ويبدو اليأس كميكانيزم دفاع فيفرض منطق التباديل والتوافيق نفسه للوصول إلى أفضل النتائج.. وعندئذ يتحول الزواج من وسيلة لاستمرار الحب في شكله الشرعي والاجتماعي إلى غاية مجردة في ذاته. وهكذا .. تتراجع فكرة الزواج عن حب لتسود فكرة الزواج كشراكة يوثق كل طرف شروطه على الآخر في عقد قابلة بنوده لأن تسع كل شيء إلا الحب الذي يتوارى عندئذ كهدف وسيلته الزواج ويحل محله الزواج كهدف لكن ليس الحب وسيلته.
كم هو قاس أن يكون المخلوق إنسانا يقف متابعا لتلك المسافة التي باتت بين الزواج وفكرته عنه والتي قد تكون هي نفسها بين الحقيقة والخيال، بين الحلم واليقظة وقد تصل هذه المسافة ببعض الأزواج والزوجات إلى حد الانفصال التام عن بعضهم البعض والعيش كغرباء أو قد تصل ببعض الأزواج والزوجات إلى حد الازدواجية التي غالبا ما يضطر عندها أحد الأزواج أو كليهما أن يتعامل مع آراء الآخر – وأحيانا أحكامه - بشكل آلي لا يحمل أي مشاعر.
والسؤال .. إذا كان الزواج يبدأ سعيدا أو هكذا يعتقد المقبلون عليه والمتحمسون لفكرته والمستعدون لبذل أقصى جهد في سبيل الوصول به إلى أرض الواقع .. فلماذا لا يظل كذلك؟
إنه عندما يطول الصمت وتمتد لحظاته وأيامه بين الزوجين فإنه ولا شك تبدأ مرحلة مراجعة الذات واجترار الأفكار والمواقف التي استدعت حدوث أزمة حادة كانت محطتها الأخيرة كهوف الصمت بجدرانه الكثيفة، وليس غريبا أن يسود الحياة الزوجية شيء من هذا أو ذاك، لكن الغريب حقا هو أن تستمر الحياة علا نحو غير مرغوب للطرفين خاصة وأن هذه الوقفات تمثل ظاهرة صحية مهما كان لها من سلبيات وتبقا إيجابياتها الوحيدة في استثمار نتائجها على نحو يدفع بالعلاقة خطوات وخطوات ... ثم التجاوز وإقامة نسيج وردي يستعيد به الزوجان بعضا مما ذهب أو ذهبت به الأيام، وكما للزوجة دور مهم ينطلق من طبيعتها الراغبة في تصفية وامتصاص موجات الغضب .. فللزوج أيضا دوره الذي هو المفتاح الحقيقي لأية مشكلة يمكن أن تطيح ببيت طالما جاهدا بل وقاتلا من أجل تشييده وبالتالي أصبح من غير الجائز أو المعقول أن يسمح لأية ريح عاصفة أو هادئة أن تهدم أركانه.
إنه لم يعد لدى كل منا الآن شك في ما يحيط المناخ العام من مشكلات أصبحت لها درجة من التأثير غير الإيجابي على العلاقة الزوجية ذلك الذي سرق أحلام وآمال هذه العلاقة حتى سلبها وبإتقان جوهرها المتين. فلنلملم أنفسنا ولنحاول أن ننتشلها من هذا الخضم الطاحن لأعصابنا ليل نهار ولنخرج بالعلاقة من حلبة الصراع غير مكترثين بتلك التفاهات التي قد يكون الآخرون هم من حددوا مسارها ويبقى علينا أن نحدد مصيرها قبل أن تصعب أو تستحيل محاولات الإصلاح.
لكن ترى على من يقع عبء إنقاذ تلك العلاقة المقدسة في صورتها المعتدلة؟ إنها الصداقة ذلك الخط الحميم الذي يجب أن يفتحه ويتجاوب خلاله طرفي المشروع الزواجي تجنبا للعلاقات الفاترة الباردة التي لا تزن مثقال ذرة من خردل تجاه تحديات هذا الزمن وعثراته ومشكلاته المتجددة لحظة بعد أخرى والتي لم يصبح لدى الإسان أية طاقة تحتملها إلا حين يحتمي منها بالمشاعر والأحاسيس القوية والقائمة على ثقة مطلقة في النصف الآخر.
إنها إحدى ضرورات الصحوة أو اليقظة من سبات عميق لأن المشاعر الإيجابية تولد طاقة إيجابية تبحث بدورها عن وسيلة للنفاذ في إنجاز أشياء إيجابية. فلابد أن ننفض عن عقولنا وقلوبنا غبار اليأس ونستدعي أحلامنا القديمة، ولندرك أننا كما أضعناها فعلينا استدعاؤها حيث خرجت من تلك المنطقة المتوهجة بفعل الإرادة والقدرة – فهي لم تعد مستحيلة - فإدراكنا لهذا يستنهض أحلامنا التي تكون قد هوت في غياهب الفشل والإحباطات قبل أن تصل بنا إلى بر الأمان.
وهكذا نضع نهاية لإدعاء البعض وقوعهم ضحية للظروف فكل إنسان ضحية لأفكاره السلبية وكافة الرسائل المحبطة التي يتبناها حدسنا، لكن وعندما تطرح الأمر على نفسك في شكل إيجابي فإن استجابتك تدفع بإشاراتها لأدواتك وقدراتك تستنهضها وتبث فيها الروح والعزيمة، فيستجيب القدر ومن هنا فالقوة الكامنة هي توافق رغباتنا مع إرادتنا.
واقرأ أيضا:
الزواج حب لا امتلاك2 / الرياء وسيلة دفاع المرأة أمام الرجل!! / حوار مع زوجة فيلسوف / السعادة ممكنة - متى يصبح المفعول به فاعلا؟!