يطرح العديد من المثقفين مصطلح الثقافة هي الحل، فبالطبع تنمية المجتمع ثقافيًا يعد أحد الحلول لتطوير وتنمية المجتمعات، ولكن متى تكون المشكلة في الثقافة ذاتها؟ متى تكون الثقافة هي المشكلة وليست الحل؟ فهناك العديد من السلبيات التي يحملها المثقفون لشعوبهم، فبدلاً من أن يكونوا أداة للتثقيف أصبحوا أداة للتسطيح.
وبدلاً من أن يكونوا جسرًا لتثقيف شعوبهم أصبحوا أشواكًا على طريق ثقافتهم. ففي هذا المقال نحلل المشاكل الناتجة عن الثقافة وليس معنى سردها هذا بأن الهدف عدم الثقافة بل الهدف توصيف حالة وتحليلها كجزء من العلاج، ونحاول في النقاط التالية أن نجمع بعض الخواطر عن مشكلات الثقافة والمثقفين وعلاقتهم بالمجتمع:
– النظرة العليا للمجتمع التي دائمًا ما تكون من سمات العديد من المثقفين حيث ينظرون للمجتمع بـنظرة عليا، ينظرون لغيرهم بنظرة دونية فهم أقل منهم دائمًا, فينتج مثقف منعزل عن مجتمعه لا يؤثر فيهم ولا يستفيد منهم المجتمع.
– التوجس من عدم الخوض في حديث يضطر فيه إلى الإدلاء بكمية من المعلومات واﻷحداث لتوصيل وجهة النظر للآخر فيؤثر عدم الخوص في المناقشة بخلاً أو إشفاقًا على خوض مناقشة مع من هو أقل منه ثقافة ولا يعرف العديد من الخبايا، فيقف المثقف هو نفسه الحاجز في عدم تثقيف المجتمع.
– التشبع في عدم معرفة المزيد بسبب رؤيته بأنه مدرك هذا الموقف بكافة جوانبه، فتتكون ثقافة سطحية عن موضوع معين عقب التوقف عن فهم باقي التفاصيل، فتتسطح المعلومات بعد عمقها، ومن الممكن أن يتطور الأقل ثقافة في هذا الموضوع بسبب متابعته المستفيضة فيفوق ذلك المثقف.
– كثرة الاطلاع وخاصة في المتناقضات تنتج ترددًا كبيرًا وذبذبة شديدة في المواقف فلا يستفيد المثقف من الفيض العلمي في اختيار موقف أو اختيار حاسم، حيث يحلل المثقف الموقف بناءً على عدة معلومات بينما اﻷقل يصب غايته في المضي في طريقه بناء على المعلومات التي آمن بها دون تردد، بينما يظل المثقف مترددًا ثابتًا في مكانه يعيش حالات السفسطة الفكرية بينما غيره يتقدم وإن لم يكن مثله ثقافة.
– الانفتاح على ثقافات كثيرة (دخيلة على المجتمع) ليس للمعرفة بل لانطلاق المجتمع نحو نهضته تخلق مجتمعًا متهتكة أوصاله، لا يستطيع أن يبلور فكرة واضحة لبناء نهضته، فتجوب الأفكار وتضادها في المجتمع لتخلق مجتمعًا منقسمًا لا يستطيع أن يتفق على شيء لكي يبدأ خطواته فلا يستطيع المجتمع تحديد هويته الثقافية “إسلامية، عربية، وطنية، ناصرية، ليبرالية، اشتراكية، شيوعية” فينشئ مجتمعًا بلا هوية وذا ثقافات متعددةـ
– المعرفة ليست في كل الأوقات هي الحل، في معظم الأوقات تكون هي المشكلة، توجد أناس مشكلتها الوحيدة أنها تعلم، معرفتها وثقافتها كانت جزءًا من تعبها وليست جزءًا من راحتها، الذي يعلم ليس مرتاحًا ﻷنه يعلم، فتظل رأسه تكاد أن تنفجر من التفكير، بينما يظل الجاهل بالشيء مقدار المعلومات المنطقية التي في رأسه تستطيع أن تجعله يسير في دنياه بعيدًا عن الشطط، فالكثير من الحكماء وصفوا من يعلم بأنه هو من يتعب، لأنه تعرض للعديد من الأفكار التي تكون في كثير من الأحيان متضاربة أو تقدح في ثوابت سواء كانت دينية أو دنيوية.
وإن لم يستطع الإنسان بناء أساس ثقافي سليم يجعله أكثر اتزانًا في تقبل التناقضات وأقل في التأثر منها، وقال عن ذلك المتنبي: “ذو العقل يشقى في النعيم بعقله”، ويقول أنطون تشيخوف عن ذلك: “كلما زادت ثقافة المرء زاد بؤسه”، ولعل حكمة شكسبير التي سردها في أحد مسرحايته الشهيرة حين وصف الدنيا بالمسرح الكبير، وأن الجميع يقوم بدوره بالضبط كما هو مكتوب، فإن أردت أن تغير دورك وتقوم بفتح الستارة، فما يدريك ما سوف تراه في الكواليس، ومن الممكن أن لا تستطيع أن ترى الدنيا كما كنت تراها من قبل، ولا تستطيع أن تغمض عينك من بشاعة ما رأيته.
– تظل علاقة المثقف مع المجتمع أو مع الغير علاقة مضطربة، يشوبها كثيرًا العديدُ من الأزمات وعدم التوافق، حيث يشعر المجتمع بأن تلك الفئة التي تصف نفسها بأنهم مثقفون أو نخب هم فعليًا لا يمثلونهم بل يمثلون أفكارهم أو على الأقل يمثلون أنفسهم، وتظل تلك الأزمة من أكثر الأزمات التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية.
ويظل حاجز الأفكار هو الحاجز الرئيسي الذي يغترب فيه المثقف عن المجتمع، فتجد العديد من المثقفين غرباء عن مجتمعاتهم بدلاً من أن يكونوا المرآة التي تعكس توجهات المجتمع وأفكاره، وبدلاً من أن يكون الموجه للمجتمع إن جنح المجتمع نحو أفكار عارضة أو شاطحة، يحاول العديد من المثقفين بأن يوجهوهم بأسلوب أبوي تسلطي بنظرة المعلم الملهم، نظرة سلطوية قريبة من سلطوية السلطة التي يلتف حولها هؤلاء النخب والمثقفون، ليقوموا بدور المحلل الرئيسي لكل قرار سلطوي جائر ديكتاتوري.
ولعلنا نتذكر مقولة فاروق حسنى وزير ثقافة عهد مبارك حينما قال: “أنه استطاع أن يرجع المثقفين إلى حظيرة الدولة”، فالكلمات التي قالها خير معبر عن الوضع الطبيعي لعلاقة المثقف المحلل للسلطة؛ فوصف الدولة “بالحظيرة” وهي خير وصف في توصيف بيئة هؤلاء المثقفين كما وصفها هو وليس نحن، وذلك امتدادًا لدور النخب والمثقفين الذين حللوا للاحتلال ووقفوا بجواره مدعين العديد من الحجج والأباطيل.
ولكن يظل ذلك الرأي حول المثقف المزيف، المثقف البعيد عن مجتمعه، لأن من زمرة المثقفين من كانوا فعليًا مثقفين شعوبيين، كانوا بجوار الجماهير ليسوا بجوار السلطة، وظل هؤلاء المثقفون الحقيقيون في مكانتهم لدى الشعوب بعيدًا عن تلميع السلطة وسطوتها وحوذتها، ولذلك لم ينالوا شهرة أو رضا كما نال مثقفو السلطة.
– المثقف المذهبي صاحب الرؤية الثقافية المعينة أو المتبني رأيًا ثقافيًا أو رؤية مذهبية أو طائفية أو قومية معينة والذي يحاول أن يطرحه على المجتمع وكأنه الطرح العام، لا يطرحه وكأنه رؤيته هو ورؤية مثقفين يشبهونه في الأفكار، بل ويحاول أن يذم في باقي الأطروحات على أنها ليست رؤى ثقافية بل رؤي جاهلية تجهل المجتمع ولا تثقفه بينما هو ومنهجه فقط من يحمل للمجتمع ثقافته.
فالعديد من المنتديات الفكرية أو معارض الكتاب والندوات الثقافية تطرح رؤية معينة وتوصف بأنها هي المقصود بالثقافة، بينما هي بالفعل جزء من الحالة الثقافية وليست كله، بينما هم لا يدركون فعليًا أن التمسك بهذا الطرح يعد جزئيًا تجهيلًا للمجتمع بحجب باقي أنواع الثقافة.
واقرأ أيضاً:
على باب الله: معركة الثقافة/ على باب الله: حي على الثقافة/ على باب الله الثقافة والسياسة/ سمات عَشْر للثقافة القلقة!/ الثقافة العربية المعاصرة.. (ثقافة قلقة)!