المتتبع للموقع سيلاحظ بأن حقل الاستشارات، والمقالات العلمية، وغيرها، قلما يتطرق إلى الأمراض النفسية العضوية التي تفتك بكبار السن، وحينها قد يسأل نفسه: هل الموقع لا يهتم بهذه الشريحة من المجتمع، أم أن الموقع يعكس عدم مبالاة المجتمع نفسه بهم؟
أما في العالم الغربي فالأمور تختلف نوعاً ما، ورعاية المصابين بالخرف تعتبر واحدة من أعظم تحديات الحياة على حد قول رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يوم 15 فبراير 2015م، حين أعلن إنشاء المعهد العالمي للخرف، واستثمار 300 مليون جنيه إسترليني؛ لتدريب أكثر من مليون وربع مليون عامل في الصحة الوطنية؛ لاكتساب المهارات اللازمة لرعاية مرضى الخرف، والحث على إجراء البحوث العلمية في هذا المجال.
عدد المرضى المصابين بالخرف في ازدياد منتظم2، وفي جميع أنحاء العالم. يمكن القول بأن في كل بلد من بلاد العالم:
٠ مريض مصاب بالخرف من كل 79 مواطناً (1.3% من السكان).
٠ مريض مصاب الخرف من كل 14 مواطناً، بعد عمر 65 عاماً.
٠ 36 مليون إنسان مصاب بالخرف عالمياً.
٠ عدد المرضى المصابين بالخرف يتضاعف كل 20 عاماً
الخرف: اضطراب مزمن، ودائم يؤدي إلى اضطراب في الذاكرة، وتغير الشخصية والتحكم العقلي. خيمة الخرف تضم مجموعة من الأمراض يمكن تقسيمها كالآتي:
٠ مرض الزهايمر 62% Alzheimer’s Disease
٠ خرف وعائي 17% Vascular Dementia
٠ خرف مختلط 10% من أعلاه Mixed Dementia
٠ خرف جسم ليوي 4% Lowy-Body Dementia
٠ خرف جبهي – صدغي 2% Front-Temporal Dementia
٠ خرف باركنسون 2% Parkinson’s Dementia
٠ أخرى 3%.
مرض الزهايمر: هو اضطراب تنكسي عصبي ينتج عن تراكم ببتيد أ.بيتا السام العصبي neurotoxic Aβ peptide. من جراء هذا الببتيد تتراكم لويحات وحبائك Plaques& Tangles في الخلايا العصبية في الدماغ، ويتم تدميرها. هذه الصياغة لتحليل مرض الزهايمر يطلق عليها نظرية النشواني Amyloid Theory، التي تشير إلى التراكم التدريجي للويحات وحبائك من جراء فعالية الببتيد السام للخلايا العصبية3.
الصورة أدناه توضح ما هو شكل الخلايا العصبية قبل اقتحام الشبائك واللوائح (على اليسار) وبعد الاقتحام. أما الصورة أعلى الصفحة فتوضح التدمير الناتج من جراء الاقتحام، وتدمير الخلايا العصبية تماماً.
البروتين السلفي للنشواني (ب.س.ن) Amyloid Precursor Protein يتواجد في جميع أنحاء الجسم. يحدث عطل في التعامل مع هذا البروتين السلفي في الدماغ، وبالتالي يتم إنتاج شديفات قصيرة من ب.س.ن تدعى بيتا نشواني Beta Amyloidوهو بروتين لازج يدمر الخلايا العصبية. تتم هذه العملية من جراء الببتيد السام أ.بيتا، ونراه في الخلايا العصبية على شكل لوائح وشبائك.
اكتشاف صنف جديد من العقاقير تدعى بالمضمان المنيع Immune Modulator كان بمثابة إعلان ساعة الصفر للحرب العالمية ضد الأمراض المستعصية، وبالفعل غيرت هذه العقاقير مسار العديد من الأمراض الخبيثة، والتهابات الأمعاء المزمنة، والمفاصل وغيرها، والآن حان وقت مرض الزهايمر.
يمكن القول بأن عقار سولانزوماب Solanezumab هو واحد من العقاقير الجديدة على العكس من Antibody يلتصق ببروتين بيتا نشواني1، وبالتالي يمنعه من الترسب في الخلايا العصبية. هذا الضد يميز منطقة في أ.بيتا (الشريحة الصفراء في الرسم أعلاه على اليمين) ويلتصق به، وبالتالي يمنعه من الترسب في الخلايا العصبية.
تم إجراء التجارب الأولية على العقار في عام 2012، ولم تكن النتائج مثيرة سوى أن مسار الاضطراب يميل إلى التقدم بطيئاً في المرضى المصابين بالخرف في المرحلة المبكرة أو الوسطى. تم عزل هذه المجموعة من المرضى، والتركيز عليهم، والبالغ عددهم 1300 مريض. أما في هذا الأسبوع فقد تم الإعلان عن نتائج أخرى في مؤتمر علمي في واشنطن، أثار اهتمام جميع وسائل الإعلام العالمية، وتصدر عناوين الأخبار.
تم تصنيف المرضى إلى مجموعتين: المجموعة الأولى بدأ علاجها بالعقار مباشرة. أما المجموعة الثانية فقد تم علاجها بعقار وهمي لمدة 18 شهراً، وبعدها تم استبدال العقار الوهمي بالعقار الفعال.
كانت النتائج بعد عامين من العلاج وإجراء مختلف الفحوصات الطبية النفسية، بأن المجموعة الثانية تدهورت بصورة ملحوظة مقارنة بالأولى، ولكن سرعة تدهور المجموعة الثانية تحسن بصورة ملحوظة بعد تناولها العقار، واقترب من المجموعة الأولى.
يمكن ترجمة النتائج بصورة أخرى، وهو أن العقار يمنع تدهور القدرة العقلية والمعرفية للإنسان المصاب بالخرف بما لا يقل عن 30%، وهذا الرقم لا يبشر إلا بالخير، وأن هناك بصيصاً من الأمل في علاج الزهايمر وبالتالي غيره من أنواع الخرف.
قد لا يكون العقار علاجاً شافيًا، ولكن الطريق إلى اكتشاف علاج لأمراض مستعصية، لا يتم بين ليلة وضحاها، وانما عن طريق تجارب، وبحوث علمية على مدار الساعة.
سيشهد العام المقبل تجارب أخرى لهذا العقار وغيره، وربما الهدف الذي وضعته الحكومة البريطانية بالوصول إلى علاج ما للخرف خلال عشرة أعوام، سيتم تحقيقه بإذن الله ثم بفضل جهاد العلماء في خدمة البشرية.
المصادر:
1 Adolfsson O, Pihigren M, Toni N, Varisco Y. et al. (2012) An effector-reduced anti-β-amyloid (Aβ) antibody with unique Aβ binding properties promotes neuroprotection and glial engulfment of Aβ. J. Neurosci. 32, 9677–9689 .
2 Alzheimer’s Society website (2015). Demography.
3 SelkoeD (2006) Toward a Comprehensive Theory for Alzheimer's disease. Hypothesis: Alzheimer's diseaseiscaused by the Cerebral Accumulation and Cytotoxicity of Amyloid β-Protein. Annals of New York Academy of Science. 924: 71-25
واقرأ أيضاً:
الإمداد الدموي للجهاز العصبي / تنظيم القشرة المخية / المجموع الحسي المستقبلات والمسارات الحسية