علم الأمراض الجلدية النفسي3 Psychodermatology3
الجزء الرابع
الاضطرابات المصطنعة Factitious Disorders
الاضطرابات المصطنعة في جميع فروع الطب ليست بغير المعروفة ولكن المصطلح بحد ذاته صعب التعريف وخاصة في الطب النفسي وعلم الأمراض الجلدية.
هناك ثلاثة مصطلحات في الطب النفسي تتفاعل مع بعضها وهي:
٠ اضطراب الهستيريا.
٠ اضطراب مصطنع.
٠ التمارض.
مصطلح الهستيريا لا يزال كثير الاستعمال بين الناس وضمن العاملين في القطاع الطبي والنفسي ولكن لا أحد يصرح به أمام المريض ولا يدونه في وثيقة رسمية. بدلا من ذلك هناك مصطلحات مرتبطة به مثل:
٠ اضطراب التحويل Conversion Disorder.
٠ اضطراب جسدي الشكل Somatoform Disorder.
٠ الوهن العصبي Neurasthenia.
٠ اضطراب تفارقي (انشقاقي) Dissociative Disorder.
القاعدة النفسية التي تتحكم بالهستيريا هي أن الأعراض تستهدف الحصول على مكاسب ثانوية بعيدة عن وعي الإنسان أو لا شعورية. مع الإسراف في استعمال هذه القاعدة وحصول أخطاء في التشخيص تم التخلي عنها واستبدالها بمصطلحات أخرى والكف عن الحديث في أمور المكاسب الأولية والثانوية رغم وضوحها للطبيب وأهل المريض.
أما الاضطراب المصطنع فهو يختلف عن الهستيريا بأن مكاسب المريض من جراء افتعال أعراض جسدية لا يفهمها الطبيب ولا المريض نفسه. قلما تجد المريض الذي يعاني من اضطراب مصطنع موضع اهتمام ذويه وعائلته ولا يفكر بزيارة مقهى أو مكان ترفيهي ولا يعرف سوى المستشفيات وعيادات الأطباء للتواصل اجتماعيا.
أما التمارض فهو غير ذلك فالمريض في كامل وعيه وشعوره ويعرف بالضبط ما هي مكاسبه من جراء الادعاء بأعراض طبية. هناك من يحاول الابتعاد عن العمل والآخر الحصول على تعويض مادي أو تجنب خدمة عسكرية أو التنصل من مسؤوليات اجتماعية وعائلية. بعبارة أخرى التمارض هو عملية احتيال.
التمييز بين الاضطرابات الثلاث ليس بالأمر السهل وهناك من يقول بأن كل حالة تحتوي على العناصر جميعها وبدرجات مختلفة.
التهاب الجلد المفتعل Dermatitis Artefacta
التهاب الجلد المفتعل يبدأ في منتصف أعوام المراهقة. علامات المرض الجلدي لا تشبه أي اضطراب آخر ولا يتم التشخيص بعد زيارة واحدة. تكثر ملاحظته في الإناث أكثر من الذكور2 ونظراً لصعوبة دراسة مثل هذا الاضطراب ترى نسبة الذكور إلى الإناث تتراوح ما بين 3: 1 إلى 20: 1.
هناك عوامل وظروف اجتماعية صعبة مع تاريخ طبنفسي لمشاكل عاطفية واستشارات طبية متكررة. رغم أن المصطلح يشير إلى اصطناع المرض ولكن التمييز بينه وبين التمارض والهستيريا في غاية الصعوبة في الممارسة الطبية يمكن تصنيفهم إلى ما يلي:
1 - يراجع الطبيب النفسي ويشكو من اضطرابات طبية مثل اضطراب الشخصية الحدية وينبه الطبيب إلى مراجعته قسم الأمراض الجلدية لعلاج التهاب الجلد.
2 - لا يراجع ولا يرغب في الذهاب إلى مركز الطبنفسي رغم وجود تاريخ سابق لاضطراب طبنفسي.
3 - يراجع قسم الأمراض الجلدية وفروع طبية أخرى باستثناء الطب النفسي.
4 - متمسك بقسم الأمراض الجلدية ولا يراجع غيرها.
لا تشبه العلامات المتنوعة أي اضطراب جلدي آخر
لا تسلم أي منطقة من مناطق الجسم من فعل المريض واستعمال أدوات حادة
يفضل البعض استعمال مصطلح متلازمة مونخهاوزن أو متلازمة مونخهاوزن بالوكالة Münchhausen Syndrome and Münchhausen-by-Proxy Syndrome.. المتلازمة الأخيرة تكاد تكون محصورة بأم تتصنع أي اضطراب طبي أو نفسي في طفلها أو طفلتها. تشخيص الحالة في غاية الخطورة وإذا كان هناك أي شك في وجودها فيجب تحويل القضية إلى مؤسسة الشئون الاجتماعية حيث يتولى الخبراء في جمع الأدلة واستجواب الوالدين وحماية الطفل.
فرفرية نفسية المنشأ Psychogenic Purpura
استعمال هذا المصطلح لا يخلو من الارتباك. البعض يضعه في إطار عرض التدكم التلقائي الكثير الملاحظة في الإناث ما بين عمر 14 – 40 عاماً. الأسباب العضوية للتكدم متعددة وخطيرة وخاصة قبل وبعد الأعمار الأخيرة والمريض يتوجه أولا إلى الطبيب العام للتشخيص والعلاج وبعد التأكد من عدم وجود تفسير للمرض يتم التحويل إلى قسم الأمراض الجلدية حيث يحصل تشخيص فرفرية نفسية المنشأ.
يبحث الطبيب أولا عن متلازمة كاردن- دايموند Gardner – Diamond والتي تتميز بنوبات من التدكم المؤلم خاصة في السيقان والصدر تصاحب فترة توتر نفسي3 . تم وصف المتلازمة في منتصف الخمسينيات وعلاجها بالتنويم.
رغم وضوح العوامل النفسية في هذه المتلازمة فهناك أكثر من تفسير لحدوث التدكم. يميل الكثير إلى وضعها في إطار تحسس كريات الدم الحمر التلقائي Autoerythrocyte sensitization ويتم عمل فحص من حقن غسيل عينة من كريات دم المريضة في الجلد ومراقبة حدوث التدكم خلال 24 ساعة. لكن هذا الفحص لا ينفي ولا يؤكد التشخيص ومن الصعب تقدير قيمته في الممارسة المهنية.
ولكن هذه المتلازمة لا تحظى بتأييد جميع الأطباء والكثير يصنف هذه الظاهرة الغريبة بأنها اضطراب مصطنع لا يختلف كثيراً عن إلحاق الأذى بالجسم.
مناقشة عامة
الحدود الفاصلة بين مختلف الاضطرابات الجلدية النفسية يصعب تمييزها أحيانا وتشكل إحدى تحديات الممارسة المهنية. ليس كل مريض يصل إلى مراكز الأمراض الجلدية يوافق على استشارة طبنفسية والكثير من الذين يراجعون مراكز الطب النفسي يحتفظون بسر المراجعة الطبية، ولكن مع تطور تدوين المعلومات الطبية إلكترونيا فليس من الصعب تجاوز هذه الصعوبة والتعاون بين الطرفين لوضع خطة مشتركة للعلاج. هذا الأمر في غاية السهولة في المراكز الوطنية الحكومية وأصعب بكثير في الممارسة الخاصة.
التسجح النفسي ونتقف الشعر هي أكثر الأمراض الجليدة النفسية1 شيوعا ويتبعها بعد ذلك الاضطرابات الذهانية والمصطنعة. الأعراض الجلدية للتسجح ونتف الشعر والتهاب الجلد المصطنع هي أعراض طبية ترشد الطبيب نحو الوصول إلى تشخيص طبي. ولكن هذه الأعراض جميعها لا تكفي للحصول على تشخيص طبنفسي واستعمال التشخيص الجلدي في وصف الاضطراب النفسي عملية غير كافية بحد ذاتها لوضع خطة علاج على المدى القريب والبعيد وخاصة في الاضطراب المصطنع.
استعمال مصطلح الاضطراب المصطنع يؤدي دوما إلى الحكم على المراجع بعدم الحصول على الرعاية الطبية ويتم تبليغ بقية المراكز عن وجود مثل هذا المريض المزعج. هذا السلوك المتعجرف من قبل القطاع الطبي لا يفيد المريض ولا الخدمات الصحية، ولا يؤدي إلا إلى حرمان المريض من كشف طبي سليم في المستقبل. بدلا من استعمال مصطلح الاضطراب المصطنع يميل الطب الآن إلى صياغة هذه الحالات في إطار اضطراب الشخصية الحدية.
الحصول على تشخيص اضطراب الشخصية الحدية أمر في غاية السهولة لأن الأعراض إما موجودة في المريض أو يتصور الطبيب بأنها موجودة رغم إنكار المريض. الإسراف في صياغة كل حالة بأنها اضطراب شخصية حدية لا يقل ارتباكا عن استعمال مصطلح الاضطراب المصطنع. ليس كل مريض له صفات شخصية حدية مصاب باضطراب الشخصية الحدية وليس كل مريض مصاب باضطراب الشخصية الحدية يستجيب لوصفة عقارية أو علاجية كلامية. كل مريض يستحق صياغة موضوعية علمية لحالته تأخذ بنظر الاعتبار جميع النماذج المستعملة في الطب النفسي.
المصادر:
1- Ehasani A, Toosi S, Mishrams Shahshahani M, Arababi M, Noomohammadoupr P(2009). Psycho-cutaneous disorders: an epidemiologic study. Jouranal of the European Academy of Dermatology and Venerology 233(8): 945-947.
2- Koblenzer C (2000). Dermatitis Artefacta. Clinical features and approaches to treatment. Am J Clin Dermatol 1(1): 47-55.
3- Miranda J, Vagner B(2012). Gardner-Diamond’s Syndrome: Literature Review. International Journal of Collaborative Research on Internal Medicine & Public Health 4(4): 265 - 275
واقرأ أيضًا:
حكة الفرج نفسية المنشأ / الصحة النفسية في الحمل والولادة والرضاعة4 / المتحولون جندريا : ظاهرة الألفية الثالثة3 / الصرع عام ٢٠١٦