أثار انتباه الأوساط الطبية والإعلامية، خبر دراسة عياديَّة تشيرُ إلى فعالية عقارٍ جديد للربو، هذه هي الدراسة الأولى لعقارٍ جديد لعلاج الربو، خلال ما يقارب ربعَ قرنٍ من الزمن، التجارب العيادية لعلاج الربو لا تخلو من الصعوبة، ولكي تثبت فعالية عقار ما عليكَ أن تقارنه بعقار غير فعَّال أو كاذب نسميه العقار المُمَوِّه "البلاسيبو Placebo " وهذا المصطلح اللاتيني شائع الاستعمال في جميع اللغات، ويعني مجرد عقار لا فعاليةَ له، لكنه يشبه العقار الفعال الذي هو تحت التجربة بجميع الصفات، ولا يستطيع الطبيب أو المريض التمييز بينهما، لا يعرف الطبيب أو المريض ما هو العقار الفعال وغير الفعال، هذا ما نسميه تجربة "مزدوجة التعمية Double Blind Trial" هذه التجارب العيادية الوحيدة التي توفر الدليل القاطع لفعالية العقار تحت الدراسة...
يتم تقسيم شريحة المرضى بصورة عشوائية إلى مجموعتين متشابهتين بجميع الصفات، ويتم إعطاء مجموعة العقار تحت التجربة، والثانية "البلاسيبو" ويتم قياس عدة متثبتات أو معالم عياديَّه ومختبريَّة في المجموعتين والمقارنة بينهما، وفي نهاية الأمر الأهداف النهائية هي:
١- فعالية العقار العيادية.
٢- أعراضه الجانبية غير المرغوب فيها.
لا تكفي دراسة واحدة وإنما عدَّة دراسات، ثم هناك مرحلة المقارنة بالعقاقير المتوفرة المرخص بها في تجارب عياديَّة مزدوجة التعمية كذلك، بعد ذلك يتم تقديم نتائج الدراسات إلى الجهات الرسميَّة للترخيص بتسويق العقار، ولا يحصل ذلك دون وجود دليل قاطع إحصائي على فعاليَّته أو تفوُّقه على ما هو متوفر من ناحية الفعالية العيادية والأعراض الجانبية، إذا حصل العقار على الرخصة فهناك حواجز أخرى، وأعلاها حاجز الجهات الرسمية أو غير الرسميَّة، مثل: شركات التأمين الطبي التي تمول الرعاية الصحية.
هذا الطريق منذ بداية التجارب العيادية إلى التسويق، لا تقل عن ٧ أعوام في الكثير من الحالات، وقد يسقط العقار وينتهي أمره قبلها، أما الطريق من اكتشافِ المادة الكيمائيَّة للعقار، والتجارب على الحيوانات، فقد يستغرق أكثر من ١٠ أعوام.
علاقة الربو بالصحة العصبية والنفسية:
الربو حال كحالِ بقيَّة الأمراض الطبية المزمنة، والتي تؤثر سلبياً على جودة حياة المريض، وبالتالي تجعله أكثر تعرضاً للإصابة بالقلق والاكتئاب، تزداد ملاحظة الأعراض الطبيَّة النفسيَّة مع زيادة شدَّة المرض، وهذا كثير الملاحظة في الربو حيث يصل انتشار القلق والاكتئاب إلى ما يقارب النصف من المرضى، والقلق والاكتئاب بدورهما تؤدي إلى صعوبة السيطرة على نوبات الربو، فعلاج الاضطرابات النفسية بحد ذاته يساعد على علاج الأعراض الجسدية، ولكن قبول المريض بالعلاج النفسي لا يمكن ضمانه ولكنه أكثر تقبلاً للتعاون إذا كان العلاج الطبنفسي متوفراً ضمن الخدمات الطبية العامة التي تختص بعلاج المرض المزمن، هذه القاعدة يمكن ملاحظتها في العديد من الأمراض الطبية المزمنة مثل أمراض المفاصل والصرع.
الربو يتميز بثلاثة أعراض:
١. سعال.
2. عسر التنفس.
3. تنفس بصفير ازيز.
هذا المرض يصيب ما لا يقل عن ٥٪ من السكان و٢٠٪ منهم أطفال. كان الطب في السابق يميل إلى تهميش هذه الحالة وعدم تشخيصها بسرعة، والآن يسيرون في تشخيصها، والكثير من المرضى لا يتوقفون عن استعمال المناشق.. السبب في ذلك يعود إلى أنَّ نوبة ربو حادة شديدة قد تقضي على المريض، ولذلك يسرف الكثير من الأطباء تشخيص المرض، بعد فحص عيادي دون استعمال فحوص إضافية وأقل ما يمكن أن يعمله الطبيب هو استعمال جهاز قياس النفس لتثبيت تشخيصه وذلك أضعف الإيمان، هناك من المرضى من يعاني من نوبات هلع، يصاحبها فرط التهوية، ويتم تشخيصهم بالربو، ولكن العكس صحيح أيضاً.
الربو والصرع والعقاقير:
هناك الكثير من أوجه التشابه بين الصرع والربو في الممارسة العيادية، الصرع أيضاً مرض مزمن رغم أن انتشاره بين السكان أقل من الربو، ولكن كلاهما يداهم البشر في جميع مراحل العمر، تشخيص الربو يتم أحياناً بعد فحص عيادي فقط وكذلك الحال مع الربو، ولكن عدم وجود إثبات فحوص مختبرية لا يمنع الطبيب من وصف عقاقير لا يحتاجها المريض، والسبب في ذلك يعود لأن نوبة صرع أو ربو قد تقتل المريض..! هناك العديد من المرضى الذين يعانون من نوبات هلع ونوبات غير صرعية يتم تشخيصهم بالصرع.
البحث عن عقار جديد للصرع والربو يخضع إلى معايير متشابهة في الدراسات الطبية العيادية، لا يجوز أن تقسم شريحة المرضى إلى مجموعة تجريبية، وأخرى تستلم عقار كاذب فقط، ولكن يجب أن تضيف العقار التجريبي أو العقار الكاذب إلى العقاقير التي يستعملها المريض، الذي يعاني من الربو أو الصرع، بعبارة أخرى لا بد من إضافة العقار إلى عقاقير أخرى، وحتى بعد نجاح جميع التجارب وتسويق العقار لا يمكن استعمال العقار بمفرده إلا بعد عدة أعوام، وتستهدف الدراسات العيادية المرضى الذين يعانون من ربو أو صرع شديد، وهذا أحياناً قد يمنع وصول عقار فعال إلى السوق لأن هذه الشريحة من المرضى أقل استجابة للعقاقير وهم الأقلية...
يمكن أن تقارن هذا الطريق للدراسات العيادية في الصرع والربو بالعقاقير المستعملة في الطب النفسي، في هذه الدراسات عموماً يتم تقسيم الشريحة إلى مجموعة تستلم العقار التجريبي لوحده، وأخرى تستلم "البلاسيبو" هذا منهج يؤدي إلى بناء شريحة من المرضى الذي يعانون من اضطراب شدته أقل بكثير من المرضى الذين يعانون من اضطرابات وجدانيَّة أو ذهانيَّة في الممارسة اليومية، من جراء ذلك ترى أن استجابة الشريحة "للبلاسيبو" عالية نسبياً وفعالية العقار في المرضى الذين يعانون من اضطراب شديد مخيبة للآمال، ومن جراء ذلك ترى ازدحام السوق بعقاقير مضادة للاكتئاب والذهان، ولا يوجد حقاً أي اختلاف في فعاليتها وأعراضها الجانبية، ويتعثَّر على الطبيب النفسي أحياناً فصل فعالية العقار من تأثير "البلاسيبو".
عقار الربو الجديد:
"فيفيبرانت Fevipiprant" عقار جديد بكل معنى الكلمة لعلاج الربو، خلال أكثر من ٢٠ عاماً، الدراسة الميدانية كانت مزدوجة التعمية، وتم تقسيم المرضى إلى مجموعة تستلم العقار وأخرى تستلم "البلاسيبو" وكلا المجموعتين مرضى مصابون بربو يصعب علاجه ويستلمون للعلاج المتوفر في السوق بصورة منتظمة، مجموعة العقار اختلفت عن مجموعة "البلاسيبو" بتحسن وظائف الرئة والالتهاب، ويحسن السيطرة على نوبات الربو المتكررة.
التهاب الشعب الهوائيَّة اليوزيني حيث كثرت الملاحظة في حالات الربو، وخاصة ذلك الذي لا يستجيب للعلاج المتوفر بصورة كاملة، هذا العقار مناهض لمستقبلات "البروستاغلاندين" المعروفة بـ D2 التي تؤدي إلى الالتهاب وبالتالي أثبتت الدراسة "أن العقار يؤدي إلى تحسن هذه الظاهرة، وبالتالي تحسِّن أعراض الربو".
هذه هي المرحلة الأولى في الدراسات الميدانية، وخطوة أولى في ولادة عقار جديد لعلاج اضطراب رئوي مزمن، "الطب النفسي" هو أيضاً بحاجة لعقاقير جديدة ولكن آلية الاضطرابات النفسية لا تزال غامضة إلى حد ما، ولا يوجد دور "للبروستاغلاندين" وغيره من الأنزيمات، والهورمونات، ما سهَّل الدراسة في أكثر مناطق الجسم تحصنا وهو "الدماغ".
المصادر:
1- Bush A، Fleming L (2016). Is Asthma over diagnosed. Arch Dis Child 101: 688-689
2- Gonem S، Berair R، Singapuri A، Hartley R Laurencin M، Bacher G، Holzhauer B، Bourne M، Mistry V، Pavord I، Mansur A، Wardlaw A، Siddiqui S، Kay R، Brightling C( 2016) Fevipiprant، a prostaglandin D2 receptor 2 antagonist، in patients with persistent eosinophilic asthma: a single-centre، randomised، double-blind، parallel-group، placebo-controlled trial. Lancet Published Online 05 August 2016.
3- Heaney L، Conway E، Kelly C، Gamble J (2013) Prevalence of psychiatric morbidity in a difficult asthma population: Relationship to asthma outcome. Respiratory Medicine 99)9): 1152-1159
4- Khan A، Detke M، Khan S، Mallingckrodt CC (2013) Placebo Response and Antidepressant Clinical Trial Outcome. Journal of Nervous & Mental Disease 191(4):211-218
واقرأ أيضًا:
علاج الاكتئاب بالعقاقير بين العلم والفن / المودافينيل Modafinil : عقار الطلبة المفضل