هل العلاج النفسي مفيد فعلاً ؟1
يعتمد الأمر على المعالج!
هناك نسبة تتأرجح بين 30-50% من الباحثين عن المعالجة النفسانية لا يستفيدون بالشكل المأمول. فشكواهم لا تتحسن. ويمكن أن يرجع السبب إلى سلوك المعالج.
فولفغانغ فولر Wolfgang Woeller3
برهنت الأبحاث في العقود الأخيرة أن العلاج النفسي فاعل، ومع ذلك فهناك نسبة تتراوح ببن 30-50% من المرضى لا تتحسن شكاواهم في أثناء فترة تلقيهم العلاج. وعلى الرغم من إدخال العديد من الأساليب العلاجية الجديدة فإن هذه النسبة ظلت في العقود الأخيرة من دون تغيير جوهري يذكر. فكيف يمكن تفسير ذلك؟
إن إلقاء نظرة على نتائج البحث تظهر أنه لم يتم التقليل من تأثيرات كل من العوامل المتعلقة بالمرضى والعوامل الخارجية فحسب بل كذلك تأثيرات العلاقة العلاجية بالإضافة إلى عوامل المعالج نفسه. وحسب تحليلات بعدية جديدة فإن لهذه العوامل تأثير واضح على نجاح العلاج أكثر بكثير من الطريقة العلاجية على سبيل المثال. وعلى هذه الخلفية يطرح السؤال نفسه: من هو المعالج "الجيد كفاية"؟ "good enough "therapist. ويقصد بهذا المفهوم الذي يرجع إلى دونالد فينيكوت (Donald Woods Winnicott (1896 – 1971، والذي تحدث عن "الأم الجيدة كفاية" 'good enough 'mother، الإشارة إلى أن المعالج مقيد في إمكاناته وأن الأمر يفترض أن يتعلق بتعامله مع هذا القيد.
تظهر الدراسات التي تهتم بدراسة تأثير شخص المعالج على نتائج المعالجة متفقة بأن بعض الأداءات (المزايا) أفضل من غيرها –بغض النظر عن التشخيص والسن وحالة المداوة وشدة مرض المتعالج. فإذا ما قارنا مجموعة المعالجين الفاعلين مع مجموعة أولئك الأقل فاعلية فإنه يظهر أن متعالجين المعالجين الناجحين يظهرون تحسناً أعلى بمقدار 50% ونسبة قطع العلاج أقل من 50% على الأقل –مقارنة بمرضى المعالجين الأقل فاعلية.
الثقة والطمأنينة والانفتاح
ماهي التصرفات وخصائص الشخصية عند المعالجين والتي تؤثر على نتيجة العلاج؟ اهتم عدد محدود من الدراسات بهذا السؤال. وعليه فمن المعروف بأن نجاح العلاج يتحفز عندما يمنح المعالجون لمتعالجيهم الثقة والأمل والتفاؤل وعندما يوضحون لهم المبدأ العلاجي الذي يمثلونه بغض النظر عما يكون هذا المبدأ.
وتظهر استفتاءات المرضى أن المعالجين الذين يعيشهم المتعالجون على أنهم مرنون وخبيرون وصادقون ومحترمون وجديرون بالثقة وواثقون ومهتمون ويقظون وودودون ودافئون ومنفتحون، كانوا أقدر من الآخرين على بناء علاقة علاجية جيدة. وكان مهم بشكل خاص للمرضى الكيفية التي يستجيب المعالج لهم بها، إن كان قد أخذ استجابتهم على ما قاله لهم على محمل الجد أو إن كان قد غير تعامله معهم في حال كان الموقف أو السياق يتطلب ذلك. وكان كل من الاستجابة responsiveness والمرونة Flexibility والتقبل Acceptance والحضور Presence الصفات المفتاحية التي وصف من خلالها المرضى المعالج الجيد.
أما تأثيرات المعالج غير الملائمة فهي سيطرة المعالج والمشاعر السلبية تجاه المتعالج في بداية العلاج والرسائل البين شخصية العدائية المتخفية في التدخلات والنمط غير الآمن من الارتباط للمعالج، على الأقل مع المرضى ممن يعانون من مشكلات نفسية شديدة. ومن المفاجئ أن أقل تأثير على نتيجة العلاج كان للخبرة المهنية وسعة التأهيل العلاجي النفسي.
لا يحتاج المعالجون النفسيون أن يكونوا كاملين؛ فالمرضى على ما يبدو يغفرون لمعالجيهم الكثير، إذا ما تأسس بينهم تفاهم حول سوء الفهم وعدم الكفاية الحتميين. وعليه فقد تمت ملاحظة تأثيرات إيجابية للغاية إذا أمكن حل سوء الفهم، وعندما تمكن المرضى من مشاركة انفعالاتهم السلبية ولم يستجب معالجيهم بصورة دفاعية بل بانفتاح وتقبل.
كما أشارت التقارير إلى تأثيرات غير ملائمة على علاقة المعالج-المتعالج عندما كان المرضى يخفون مشاعرهم السلبية عن معالجهم ولم يلاحظ المعالجون شيئاً من ذلك أو عندما استجابوا لهم بارتباك وبتفسيرات متسرعة وبأساليب دفاعية أخرى.
الحذر من التفاسير المتسرعة
كذلك أثر بشكل سلبي على نتائج العلاج عندما عاش المرضى معالجهم على أنه جامد، أو غير آمن أو استغلالي، أو انتقادي، أو نائي أو متوتر أو مشتت. وبشكل خاص تمت خبرة التفسيرات على أنها غير ملائمة، والتي على الرغم من أن مضمونها تعلق بعلاقة المتعالج بالمعالج، غير أنها لم تكن مصاغة على أرضية علاقة مثمرة. وحسب رأي المرضى المسؤولين لا يفترض للمعالجين استخدام مثل هذه التفسيرات إلا إذا كانوا قادرين على افتراض وجود علاقة جيدة ودافئة بمرضاهم ولا يستجيبون عليها شخصياً بشكل سلبي.
ومن المهم بالنسبة لرابطة علاجية جيدة التطابق بين المريض والمعالج فيما يتعلق بمهام العلاج وأهدافه أيضاً. بالإضافة إلى أنه على المرضى أن يشعروا بأنهم مفهومين ومقبولين وأن يتمكنوا من تنمية الشعور بالتضامن.
والمعالجون النفسيون غالباً ما لا يتعرفون على أن المريض لا يتقدم أو تسوء حالته أو يدور في ذهنه قطع العلاج. ففي إحدى الدراسات تعرف المعالجون المدروسين على 44 مريض فقط من أصل 550 مريضاً من الذين ساءت حالتهم أثناء العلاج. وفي دراسة أخرى افترض 25% من المعالجين النفسيين أن 90% من متعالجيهم قد تحسنت حالتهم؛ في حين أن 50% من المرضى رأوا أنه ولا أية حالة من حالات متعالجيهم قد ساءت. لا يوجد شخص ما يعد عمله أسوأ من المتوسط؛ فأقل من 4% من المحترفين قيموا أنفسهم وسط.
يصعب بالفعل على المعالج في الحالات الفردية الحكم فيما إذا كان غياب تحسن الأعراض أو ازديادها سوءاً يرجع إلى إدارته للعلاج أو إلى عوامل أخرى. إلا أنه يمكن للمعالجين السبر الفاعل لكيفية استجابة المتعالجين على تعابيرهم، توجيه انتباههم بشكل أقوى على المشكلات البادئة. وعليهم بشكل خاص ألا يأملوا أن يكون انهيار العلاقة العلاجية عابراً، وألا يواصلوا العلاج وفق مبدأ "المزيد من الشيء نفسه more of the same"، عليهم أن يتعرفوا على الإشارات غير اللفظية للشك والرفض وتشجيع المرضى على المزيد من الاستقصاء. وعليهم أن يتعلموا بشكل خاص أألا ينظروا لعدم الموافقة على مقترحاتهم وتفسيراتهم على أنها مقاومة لابد من مكافحتها، وإنما فهمها على أنها إشارات مرحب بها حول الكيفية التي يمكن فيها المواصلة بصورة مختلفة.
____________________________________________________
3- محلل نفسي، طبيب متخصص بلالطب السيكوسوماتي والعلاج النفسي والعصبية والطب النفسي. المدير الطبي لمشفى راين باد هونيف Rhein-Klinik in Bad Honnef ومحاضر في جامعة هاينرش هاينة دوسلدورف. هذا المقال اختصار لمقال من مجلة المعالج النفسي Psychotherapeut2/3,2016
الكاتب: Juchen Paulus
واقرأ أيضا:
المنهج العلمي في البحث، وأهبلة العلم / مستقبل الطب النفسي أو نهايته (البحث عن تصنيف عربي ؟) / البحث عن نصف الحقيقة