كثير منا يصاب بالهلع عندما يقرأ عن أحد الأمراض الخطيرة أو يسمع شكوى أحد أصدقائه، فيبدأ بمقارنة ما سمعه أو قرأه عن هذا المرض أو ذاك على نفسه، ومن هنا تبدأ المشكلة والمعـــانـاة.
يعرف توهم المرض Hypochondriasis أو اضطراب قلق المرض Illness Anxiety Disorder بأنه الاهتمام الزائد إلى حد الاستغراق في حالة طبية معينة يحس خلالها الشخص بحاجته الملحة إلى زيارة الطبيب أو إجراء الفحوصات المعملية لكي يطمئن على حالته الصحية وعادة ما يشعر بالراحة النفسية وتقل شكواه "التي هي نفسية بالأساس" وليست عضوية، وذلك عقب زيارة الطبيب أو ظهور نتائج سلبية للتحاليل والفحوصات الطبية. تستمر هذه الفترة من الراحة النفسية لبعض الوقت إلا أن عودة حالة القلق واردة بشكل كبير، وفي بعض الحالات يتطور الأمر إلى قناعة/ضلالات من المريض بوجود المرض العضوي رغم عدم وجود أي مؤشرات طبية للمرض وإقرار الأطباء المعالجين المستمر والمتواتر بسلامة الشخص العضوية.
وعلى سبيل المثال وليس الحصر يصاب البعض بالتوجس الشديد والتفكير الملح وربما القناعة التامة بالإصابة بالإيدز أو فيرس سي أو السرطان عندما يخالط أحد المرضى المصابين بهذا المرض أو ذاك، أو يصافحهم أو يأكل معهم أو حتى عندما يسمع عنهم من أحد أقربائهم ثم يعود لمقارنة أو مطابقة ما يعانيه هؤلاء المرضى على نفسه دون دلائل طبية أو مجهرية على صحة ما توصل إليه من استنتاجات أو مخاوف أو قناعات، وتكون عواقب ذلك الخضوع لفحوصات دائمة ومستمرة بلا داع وربما أضرت بصحة المريض "وفلوسه طبعا"، وفي أحيان كثيرة يختلط الأمر على الطبيب كما المريض من فرط معاناة المريض وتعدد شكاواه!!
يعزى توهم المرض لعدة أسباب ربما أهمها للتبسيط هو الانطباع الذي يكونه الشخص عما قد يحس به من أشياء ليست مرضية أو ربما أعراض مرضية بسيطة ولا خوف منها كارتفاع الحرارة، أو تسارع مؤقت في نبضات القلب أو الإحساس بألم أو تقلص في البطن أو الظهر....والتي هي في الأساس أعراض عامة ولا تتصل بمرض معين دون الآخر. ما يحدث هو انطباع خاطئ يعقبه استنتاج معرفي (يكون غير دقيق بالتبعية) ويكون عادة مصحوبا بالربط غير الدقيق بحدث معين كوفاة أحد الأقارب وقد كان يشكو من أعراض مشابهة، أو معلومات مغلوطة عن مرض معين أو ظهور الأعراض أثناء أو بعد حدث معين.
النقطة المحورية في الأمر هي استمرار القلق والتوجس بشأن الحالة الطبية للشخص رغم تأكيد الطبيب المختص سلامة الشخص من الأعراض التي يشكو منها، في أحيان كثيرة يكون توهم المرض مصحوبا بأعراض القلق أو الاكتئاب كالأرق والعصبية وفقدان الشهية وعدم الرغبة في مخالطة الآخرين وربما يكون مصحوبا بأعراض الوسواس القهري أو حتى جزء منه.
وعلاج توهم المرض يتمثل بالتأكيد في علاج الخلفية النفسية التي أدت إليه وهنا يأتي دور العلاج السلوكي المعرفي الذي يعتمد على وجود علاقة من الثقة المتبادلة والقوية بين المريض والمعالج النفسي من أجل أمرين:
الأمر الأول:
كسر الدائرة المفرغة التي تبدأ بالترجمة الخاطئة لأعراض هي في الأساس عامة وغير خطيرة وما يتبع ذلك من زيارة متكررة للأطباء وإجراء فحوصات وربما جراحات غير لازمة للوصول للراحة النفسية والتي لا تلبث أن تزول بعد فترة قليلة لتبدأ دائرة الشك من جديد...وهذا من شأنه أن يعرض المريض لمخاطر طبية نتيجة خضوعه لفحوصات أو علاجات غير لازمة ناهيك عن استنزافه ماليا وصحيا
الأمر الثاني:
تصحيح المفاهيم والانطباعات المعرفية الخاطئة وهي بالمناسبة -لا شعورية بالأساس- غالبا ما تكون الشرارة الأولى لكل الأعراض التي يشكو منها المريض لاحقا
توهم المرض المصحوب بأعراض وسواسية يعد من الأمراض المرهقة نفسيا وماديا وأسريا وخاصة أن المريض ربما يبدأ متأخرا في رحلة العلاج (الصحيح)، إلا أنه وبمجرد بدء العلاج النفسي الصحيح على يد المعالج النفسي المؤهل لعمل جلسات العلاج المعرفي فإن مؤشرات التحسن ستبدأ في الظهور، وربما تمثل نقطة فارقة في حياة المريض يطوي بها صفحات قاتمة من الألم والشك والمعاناة....
واقرأ أيضاً:
ع.م.س لوسواس المرض فنيات العلاج2 / ع.م.س لوسواس المرض منع الانتكاس / طيف الوسواس OCDSD وسواس المرض Hypochondriasis