نحمل في داخلنا: (١) الحاجة إلى الانتماء
🌴 إن كلمة الأمان لها وقع خاص في قلوبنا، كما أنها تُشّكل - إلى حدٍ كبير- أسلوب حياتنا ومسارها.
⚡ تبدو حاجتنا للأمان كحبلٍ رفيعٍ نسيرُ عليه بحذر، فلا نريد أن نميل فنسقط عن يمينه أو يساره، أعني بذلك أن الحاجة للأمان وضرورتها تلزمنا أن نسير بحذرٍ أو حرصٍ غالب الوقت.
💯 في مجمل الدراسات النفسية يتم منح السعي للشعور بالأمان كأحد الحاجات النفسية الهامة في معظم ما نفعله من ٧٠-٩٠ بالمئة من محركات سلوكنا.
🏳 نحن كبشر نريد أن نكون في مكان آمن، مع أشخاص يمنحوننا شعور الأمان، في ظروف آمنة، وعملٍ آمن، ومجتمعٍ آمن، وبعكس ذلك فإما أننا سنتجنب المواقف، أو سنواجهها ويكون سبب ذلك قوة قناعاتنا حول أننا نستطيع تدبر الأمر عند اللزوم.
💻 إن السعي للأمان عبارة عن حالة تلقائية لدرجة أننا لا نتنبه لها، كمثل برنامج مضاد الفيروسات على الحاسوب، حيث يعمل مضاد الفيروسات في خلفية كل ما نفعله على الجهاز لحماية كافة البرمجيات من أي تهديد محتملٍ لها، لكنك لا تتنبه لذلك إلا عند وجود تهديدٍ حقيقي.
👥 يستمد الطفل حاجته للأمان في شهوره الأولى من حضن أمه وتغذيتها وعنايتها به، أو من قد يقوم مقامها في رعايته، ثم تتطور حياة الطفل وتزيد احتياجاته ومتطلباته، ومع كل شهر يأخذ هذا الاحتياج شكلاً مختلفاً بقليل.
🗣 أما في سن المدرسة فإن الطفل يحتاج للشعور بالأمان في بيئته الجديدة وبقاء مستوى هذا الشعور ثابتاً حتى رغم ابتعاده المؤقت عن من يرعاه من أسرته، وإلا سيشعر بالخوف وبالقلق لابتعاده عنهم فيما يعرف باسم " قلق الانفصال" والذي يعني انخفاض شعور الطفل بالأمان وارتفاع مستوى الخوف والقلق في حال ابتعد عن أسرته حتى بذهابه للمدرسة.
👤 وفي المراحل المتقدمة من العمر، تبرز الحاجة للأمان بالبحث عن علاقات آمنة مع أصدقاء ومجتمع وشريك حياة في السن المناسب للزواج.
🦋 في حال كانت علاقاتنا غير آمنه، بحيث يتخللها "الحب بشرط" كما يقول بعض الأهل لأطفالهم أحبك بشرط أن تفعل كذا، أو لن أحبك إذا لم تفعل كذا، أو في حال التهديد بقطع علاقات مقربة أو حميمة، أو في حال العلاقات المسيئة والمؤذية، كل ذلك قد يسبب انخفاض "الحس بالأمان" فيخوض الفرد حياته بخوف، مما يؤثر على استقراره النفسي، وأدائه العملي، ومعنى الحياة وأن يكون فيها.
🗺 تبذل معظم الدول الغالي والنفيس لحفظ أمنها وتحقيق الحاجة للأمان لأفرادها، والأمان هنا أمانٌ لحدودها ومواطنيها على أموالهم وأعراضهم ودمائهم.
📝 إن الفكر هو أساس تحقيق الأمن والأمان الداخلي للدولة وأفرادها، فقد أعجبتني مقولة "إذا كان عدوك منشغلا في تدمير نفسه فلا تقاطعه" إشارة لاستراتيجيات يتبعها الأعداء في مهاجمة خصومهم من داخل بلدهم ليشغلوهم بأنفسهم ثم يأخذون جانب المتفرج.
💣"عكّر الماء لتصطاد السمك"، هي استراتيجية الحرب القديمة الجديدة، والتي بذلت كل جهد لتفرق وتسود، وهذا ما فعله مهندسو الفتن، بزراعة بذور الطائفية، والعدائية والإقصائية، فغرقت الدول العربية والإفريقية بالحروب والدمار والفتن.
🚪 إن الفكر كما يحفظ الأمن والأمان من الممكن أن يسحقه ويدمره، ولم أجد في أيامنا الحالية فكراً أكثر خطراً وتهديداً لأمننا وحتى لأمان تفكير أطفالنا مثل الفكر الثوري عندما يكون مكونه الأساسي (العاطفة والجهل)، فكان ذلك أساس سفك الدم، واستباحة الأموال والأعراض، حين بات كل ثلة، يرفعون راية ويدّعون غاية وما كان محركهم سوى العاطفة والجهل، وهذا إن أحسنا الظن بهم.
🏴 إن حفظ الأمن وتحقيق حاجتنا للأمان في أوطاننا ليس مهمة أبنائنا وإخواننا وأبناء عمومتنا من رجال الأمن والجيش، بل هي مهمتنا أيضاً، مهمة كل أب مع أولاده، ومهمة كل أم لمتابعة ما يشاهده الأبناء على التلفاز أو الأجهزة الإلكترونية والألعاب، مهمة كل عم وخال وعمة وخالة، مهمة كل جارٍ حريص على الحي الذي يعيش فيه وحسن جيرته، مهمة كل إمام مسجد يوجه المصلين ويرشدهم ويرغبهم في دين الله القويم الحق، ويعرفهم بمقدار حرمة الدم والمال والعرض، مهمة كل أستاذ مدرسة وجامعة ليكون قدوة ومثلا أعلى وناصحا وأمينا، مهمة كل تاجر ليوفر ما يحتاجه الناس ويصلح لاستهلاكهم، هي مهمة كل مهني من طبيب وصيدلاني وممرض و...، هي مهمة كل حرفي وعامل، هي مهمتنا جميعاً حيث الوطن للجميع والأمن للجميع والأمان حاجتنا النفسية الاجتماعية.
📲 لنزرع الأمان حولنا وفي داخل بيوتنا، فلقد دخل الكثير من الشر بيوتنا من خلال الشاشات، فحرب الشاشات هي احتلالٌ للوعي والفكر والقناعات، فرأينا الأب الذي يعشق وطنه وبلده، يتربى أولاده على أن يكونوا مجرمين أو أعداءً لوطنهم حين تُركوا على الشاشات بلا رقابة، فحُبب لهم الجنس أو الإجرام، أو سفك الدم، وما هي إلا مسألة وقت حتى يعانوا من المشاكل السلوكية والتي منبعها النمذجة وإعادة البناء المعرفي السلبي.
👎🏻 تبذل الدولة جهداً في نقد التطرف والغلو، وما تنبهوا بعد لأثر القطب الآخر لذلك التطرف والغلو لحياة الانحلال والتجرد من القيم والضوابط الأخلاقية، وفي حال قررنا أن نكون موضوعيين في نظرتنا لما يهدد أمننا وسلمنا الاجتماعي، فإن التطرف في باب الشهوات لهو مكمن الخطر الحقيقي على بلادنا.
🖥 ما نراه على كثير من القنوات الفضائية أداء ممنهج لزيادة مستويات الميوعة وانحلال الفكر، وذلك لجعل المواطن لقمة سائغة لحياة الفرد الذي يبحث عن لذاته بأي طريقه، وكل ذلك يفتح لهم البوابة الذهبيةٌ للخوض في عالم الشهوات واللذات والشبهات، فالمجرم في التلفاز بطل، والسارق ذكي، ومن يهتك الأعراض معذور، ومن يقتل المئات جريء، ومن يخون زوجته ضحية، .... قلبت الموازين، وأشكلت الأخلاق.
👎🏻 إن من أجلّ اهداف تحقيق الأمان لأبنائنا وأوطاننا، حمايتهم من الغلو والتطرف، فالتطرف قطبان، قطب الشدة والتشديد، وقطب الانحلال والفسوق، والأمان هو الوسط في قول: لا إفراط ولا تفريط.
🌿 لنسعى لوسائل بناء الفكر النير، والعقل القويم، فتوازن بين مطالبك الحقة كمواطن، مع حفظ حمى الأوطان والإنسان، فلا ميل عن المسير على حبل الأمان يمنة ويسرى وإلا سقطنا في شباك التطرف والانحلال والعدائية والخوف والقلق.
*اللهم اجعلنا آمنين في بلدنا ووطننا وبيوتنا وديننا، ومالي إلا دعاء إبراهيم الخليل حين قال (....رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَات...)[سورة البقرة 126]*
واقرأ أيضأً:
ما هو الغضب؟! / ما هو الخوف؟ / أيها المبتلى بالوهم : الموهومون