مشاهد في العلاج النفسي: منصة الزوجة الأخرى
الحديث في هذا الموضوع لا يقتصر فقط على الإناث وانما على الذكور كذلك، ويمكن تعميمه على غير الأزواج حين يرتبط الانسان عاطفيا أو حميمياً مع إنسان آخر مرتبط أصلاً. الموضوع وفي هذا الإطار كثير الصلة بقضية تعدد الزوجات أو العلاقات العاطفية للزوج.
تعدد الزوجات أكثر قبولاً في العالم الشرقي ويطلق البعض عليه مصطلح ممارسة التعددية، والمقال هنا لا يخوض في شرعية أو أخلاقية ممارسة هذا السلوك. يتقبله الكثير من الرجال إن لم يكن أغلبيتهم وتتقبله الكثير من النساء أيضاً وله أبعاده الاقتصادية والحضارية والدينية. ولكن كما هو الحال في تعدد الزوجات في العالم الشرقي الإسلامي هناك تعدد العلاقات الحميمية السرية بل والعلنية أحياناً في العالم الغربي. العوامل النفسية الحركية Psychodynamic Factors التي تلعب دورها قبل وأثناء العلاقة لا تختلف كثيراً في مختلف الطوائف والملل.
رغم أن الحديث كثير الصلة بالمرأة ولكن هناك أيضاً من الرجال من يجد نفسه في علاقة مع امرأة متزوجة وقضيته لا تختلف عن الروايات أدناه. ولكل زوج وزوجة روايته وأعذاره ومشاعره ولكي يتم توضيح مراحل أزمة تعدد العلاقات الزوجية فمن الأفضل تقسيمها إلى مراحل ومناقشتها. هذه المراحل كثيرة التكرار في تجارب العديد وقد يختلف محتواها من إنسان إلى آخر ولكن إطارها متشابه. وحين يدخل الإنسان في سباق ما فهدفه الفوز وحين لا يشارك في السباق فلا أمل له إطلاقاً في الفوز به. الدخول في علاقات حميمية أو زوجية هو أحد سباقات الحياة يبدأ منذ لحظة قرار الإنسان الدخول في العلاقة.
بداية الطريق
هناك أسباب عدة تدفع المرأة إلى الدخول في علاقة والزواج من رجل متزوج. هناك احتياجات شخصية وعاطفية ومادية وبيئية متعددة تشعر المرأة بأنها في حاجة لتلبيتها وأن الوسيلة الوحيدة أمامها هو الارتباط بهذا الرجل. وقد تناقش أو لا تناقش نفسها عن سبب إقبال هذا الرجل المتزوج عليها. لسببين وهما:
١- عدم جرح مشاعر المرأة
٢- عدم كشف نقاط ضعفه
وكذلك الحال مع المرأة فهي الأخرى ربما لا تحب سماع الحقيقة كاملة لأنها قد تكون مؤلمة.
العلانية مقابل السرية
هناك من الرجال من يصرح لزوجته الأولى بعلاقته وزواجه من امرأة أخرى. هناك من تكون حجته بأن ذلك من حقوقه في المجتمع الذي يعيش فيه، وهناك من يقول بأن دخوله في علاقة مع امرأة أخرى يساعد على تخفيف حدة التوتر والمشاكل العائلية والخير يعم عليه وعلى زوجته. لكن في جميع الأحوال لا تقبل الزوجة الأولى بسلوك زوجها المقبل على الزواج من امرأة أخرى إلا لسبب واحد وهو قلة حيلتها وضعف موقعها وعدم وجود اختيار أفضل. ولكن الغالبية من الرجال يحاول أن يحافظ على سرية العلاقة الثانية ويعد بإشهار العلاقة في المستقبل. طلب المحافظة على سرية العلاقة أو الزواج تنذر دوماً بأن احتمال إعلانها في المستقبل القريب ضعيفٌ نسبياً وإن تم ذلك فعواقبه ليست بالحميدة على أقل تقدير.
يحاول الإنسان التعامل مع ضميره الرقيب على أفعاله ويتم حصر العلاقة أحياناً في إطار شرعي يفتقر إلى القناعة. الزواج يتطلب ثلاثة شروط على الأقل وهي:
١- اتفاق الطرفين
٢- العيش تحت سقف واحد
٣- إشهار الزواج أمام المجتمع
العلاقة الشرعية تعادل الاتفاق والعيش تحت سقف واحد وإعلانها |
هذه النقطة في غاية الحساسية وعلى المعالج النفسي تجنب إصدار حكمه على شرعية أو عدم شرعية العلاقة إن كانت علنية أو سرية.
السباق
تحديات الحياة غالباً ما تشبه سباق عدو مسافات طويلة. يمضي العداء ببطء أولاً ولا يشعر بالتعب ودوماً بالقرب من منافسه. هكذا الحال مع الزوجة الثانية فهي في الأسابيع والشهور الأولى تدرك على الدوام أنها على قدم المساواة مع الزوجة الأولى وقريباً سترفع من سرعة الركض وتسبق منافستها وتصل إلى خط النهاية ومن ثم تقف على منصة الميدالية الذهبية. لكن هذا السباق لا ينتهي أمره بهذه الصورة في معظم السباقات.
قد ينتهي السباق وتدرك الزوجة الثانية بأنها حصلت على الميدالية الفضية. يستمر ولاء الرجل لزوجته الأولى وخاصة إذا كانت أم أطفاله، وحتى إذا أنجبت الثانية فإن الطفل الجديد لا يضيف البهجة إلى الرجل الذي ربما تزوج ثانية للتخلص من مشاكل الأبوة. الحصول على الميدالية الفضية بحد ذاته أشد ألماً من الميدالية البرونزية لأن من يحصل على الأخيرة يدرك جيداً بأنها أفضل من لا ميدالية. أما من يحصل على الميدالية الفضية فيدرك بأن هناك أفضل منها وهي الذهبية.
القبول بالزواج من رجل متزوج أحياناً أشبه بالحصول على ميدالية برونزية فهي أفضل من لا ميدالية. |
تكتشف الزوجة الثانية أحياناً بأن وعود وحكايات الزوج وأعذاره قبل الزواج بعيدة عن الحقيقة. هناك عدم الأمان والثقة بالعلاقة الزوجية، وتدرك أحياناً بأنه قد يضحي بها قبل أن يضحي بالزوجة الأولى. هذا الشعور بعدم الأمان يدفع الزوجة الثانية لتثبيت موقعها مع الإنجاب بالتخطيط أو عدم التخطيط مع الزوج وبموافقته أو دون موافقته. الحقيقة هي أن الكثير من الذين يدخلون في علاقة زوجية ثانية يستهدف علاقة حميمية عاطفية بدون مسؤوليات الأطفال وأهدافه غير أهداف المرأة. رغم أن إنجاب طفل قد يعزز العلاقة بين الزوجين ولكنه أيضاً قد يكون عاملاً لتدهورها.
الوصول إلى العلاج النفسي
تصل الزوجة إلى العلاج النفسي بسبب أعراض قلق واكتئاب. الكثير من النساء تفضل الحديث مع معالج نفسي بدلا من الأصدقاء والأقارب، فالكثير منهم يسقط اللوم عليها ويدينها بعدم التعقل والتهور في قبول الزوج.
الاكتئاب والقلق بحد ذاته قلما يصل إلى درجة تتطلب استعمال عقاقير للتوازن العاطفي وحتى بعد استعمال العقاقير فلابد من علاج نفسي يساعد المرأة في رحلة شفائها.
يستهدف العلاج النفسي مساعدة المرأة على اتخاذ القرار الصائب لخلق حالة توازن في حياتها تساعدها على المضي قدماً في حياتها. لكل مراجعة روايتها وخصوصياتها ولكن هناك قواعد عامة يجب على المعالج النفسي الانتباه إليها.
١- يجب عليه الاستماع إلى مراجعته وعدم مقاطعتها، وعدم إصدار الحكم عليها.
٢- يجب إدراك واستيعاب الخلفية الثقافية والحضارية والدينية للمراجعة واحترامها.
٣- يجب على المعالج النفسي التزام الحياد وعدم الحديث عن آرائه الشخصية وعدم السماح لخلفيته الثقافية بالتدخل في العلاج. إذا لم يقوى على ذلك فيجب إرسال المراجعة صوب معالج نفسي آخر.
٤- يجب توضيح أهداف الجلسات وبالذات بأنها جلسات معدودة لا تزيد على ستة عشر. الغاية من هذه الجلسات مساعدة المراجعة على اتخاذ القرار الذي يلبي احتياجاتها النفسية على المدى القريب والبعيد.
هناك مشاهد عدة لنهاية العلاج.
١- هناك من تتخذ القرار وتنهي العلاقة وتواجه من انتقدها في السابق بدون رهبة.
٢- هناك من تقرر بأن السباق لم ينتهي بعد وهناك تصفيات أخرى وسباق نهائي.
٣- هناك من تدرك بأن مهما كانت نهاية السباق فإن حصولها على ميدالية ذهبية لا يعني شيئا ما دامت المتسابقة الأخرى موجودة في الساحة والميدان. تبدأ المرأة التركيز على تطوير نفسها والعثور على مساحة جديدة في الحياة ومعنى آخر لوجودها والقبول بالميدالية الفضية.
الخلاصة
هذا المشهد في العلاج النفسي لا يقتصر على ثقافات معينة وله حضوره في جميع ثقافات العالم.
لكل مراجعة روايتها ويجب احترام ثقافتها واختيارها.
النهاية ليست بالضرورة سعيدة وربما العلاج يساعد المرأة على مجرد القبول بالأمر الواقع.